أحدث الأخبار
الخميس 02 أيار/مايو 2024
عيون الليل الحزين!

بقلم : دينا سليم. ... 25.11.06

من بين سحب الظلمه برقت عيناه الحادتان ، دمدمة ذبابه تائهة أيقذت نعمة البقاء داخله , أُرجعت روحه مرة اخرى الى يقين الحياة ، رقد ساكنا مصغيا السمع فيما تنتقل لها بحريه تبحث عن منفذ تطرق فيه ابواب الريح . استداراتها المتكرره فوق رأسه تقض مضجعه ، تسحب نظراته الغاضبه عبر الليل الدامس الى عيون تُجاوره ، تحدجه من كل صوب ، يُلاحقها بمجهود المتلهف يلقي نظرة هنا واخرى هناك حتى امتلأت الغرفه بها ، عيون نافرة تتوسط قميصه المعلق على الباب . ترمقه باصرار ، لا تزيغ ولا تغمض ، تتوسط انفاً ، فماً واذنين طويلتين حتى لتصلا اواسط الباب متهدلتين .
واخرى تظهر له من بين عقارب ساعة الحائط ، تحظره تعقبها لئلا يكون مصيره الترقب الوئيد ، ثوانيها تحُل مكان دقائقها و الدقائق تهيمن على الساعات فيصبح الليل بطول النهار ويتحول النهار الى دهر ٍ
تنبع من شقوق الجدران عيون غارقه بالدموع ، قطرات ماء منسابه تموج لها متلألئه بنور القمر المتسرق للحظات من بين الغمام المتراكم ، عبر نافذة سابحة ببقايا القطرات المنهمرة .
وبغضب تسائله عينان أُخرتان من خلال وجه عجوز شعثاء معلق داخل اطار بالٍ ، كان قد اقتناه من أحد الحوانيت ، في سوق الخرداوات ، لوحة احداهن ، مجهولة الاسم والاقامة لا يذكر سبب اقتنائها ، كل ما يذكره فقط هو ازاحة المارة بمنكبيه عندما غاص بين الجموع ، يعبر الشوارع المزدحمة خلال غوغاء صفارات السيارات .
عينان اثنتان ما زالتا قيد البحث ، مفقودتان ، دأب النظر اليهما ، اشعلتا الغرفة نوراً وأججت قلبه نارًا مستعرة سكّنت آلامه وما لبثت ان تحولت النيران الى سكن يُدرئ عنه ذكراها ، لم يعد يذكرهما ، احبهما وقتلهما في آن ٍ ، حنينه الجارف لهما ادى به الى الانهماك في حوار يلازمه ، يتأوه عذاباً في سكون الليل وصمتِهِ ، رأى نفسه بروحين منفردتين ، حدثهما فتحاورانه بشدوهٍ ، فقَدَ احساسه بالواقع واستمع لضجيج نبضاته ، لاجت رأسه افكارًا جهنمية ، لا يعلم الى ماذا تؤول ، جنونه الجامح للحرية والتحليق بعيداً ، تاركاً الوحدة والعزلة ، رحلة البحث عن الذات والملذات دون رقيب ، أراد الانطلاق يعبر جميع العيون المترصدة ، تاق للانفلات وكسر القيود ، رأى نفسه مقيّداً طالما بقيت عيناها حاضرة ، حتى انه استشعر البخور الباهت ينفث منهما .
انتشرت العيون من حوله ، جميعها تعودُ اليه ، احساس غريب يداهمه ، الامتلاك والسّيطرة ، سيساعدانه على تحويل العزلة الى حرية مطلقة ، والوحدة مسرة الاختلاء بالنفس ، يلوذ داخل مخدعه كلما شعر بالتعب وهي تحوم حوله وكأنها تمنحه الأمان ، تتراقص امام عينيه فيشعر بنشوة الانتصار ، تهدئ من روعة فينام قرير العين وعندما يصحو تصاحب هواجسه وافكاره ، لكن ان حصل وتعارك معها فستتحول سريعاً الى دوامة خانقة ، تسلبه الهواء فيقترب الى الاختناق وربما ستسعد برؤيته يفارق الحياة .
استيقظ لاهثاً واذا به غارقاً في مستنقع من الدمع ، انساب عرقه من بين نسمات شعره الخفيف ليصل صدغيه ، تسري به قشعريرة تجعله يحس بالبرد ، يرتجف تحت الغطاء , والعيون تأبى الاستسلام ، انها لا تنسحب أبداً ، بقيت تحوم وتحوم حتى لاحت الشمس من بين السحب العالية ، معلنةً نهاراً جديداً ينتظر بصمت مهيب هبوط ليل حزين آخر .