أحدث الأخبار
الجمعة 03 أيار/مايو 2024
حافة الهاوية...

بقلم : رشاد أبوشاور ... 10.1.07

حركة واحدة ونسقط في الهاوية: قضيّةً وشعباً.. .
لم يعد يفصلنا عن السقوط النهائي سوي زخّة من (كلاشنكوف) في يد أحد الملثمين الذي يتحركون كالروبوتات، مبرمجين، محقونين، من فاسدين نعرف كثيرين منهم، يذكروننا بأولئك الأولاد الأشقياء الذين عرفناهم في طفولتنا، حين كنّا ننبذهم لفرط رذالتهم، وأنانيتهم، وعدوانيتهم، فلا نسمح لهم باللعب معنا، ونتجنّب الأماكن التي يتواجدون فيها، ولكنهم يظهرون فجأة وهم يلوّحون متوعدين: يا بتلاعبوني يا بخرّبها!
أولئك الأشقياء لم يكن اللعب بالنسبة لهم مشاركة جماعية مفرحة مع الآخرين، فهم ينفثون عقدهم، يفسدون الانسجام، لا يتميّز واحدهم بالبراعة، وإنما بالبلطجة والزعرنة، يريدون دائماً أن يكونوا المتحكمين في مسار اللعب، متي يبدأ ومتي ينتهي، ونوعية اللعب، من في هذا الفريق ومن في ذاك، ومتي يخرج هذا ومتي يدخل ذاك.
هذا الصنف من الأشقياء تفشّي فلسطينيّاً في الضفّة والقطاع بعد (أوسلو)، وتبوّأ مناصب أمنيّة، وماليّة، وسياسيّة، ولسهولة استحواذهم علي ما ليس لهم فقد ازداد جشعهم، إذ لا حسيب ولا رقيب، فهم المسؤولون والمقررون والمتحكمون، وهم كشلّة شبكة، والعلاقة بينهم أوان مستطرقة.
هؤلاء نراهم علي الفضائيات، ينتحلون صفة منظمة التحرير، يتهددون ويتوعدون، ويزمجرون، وهم كما وصفهم فلسطيني بسيط: عشرة أشخاص سرقوا ختم المختار، وهم جاهزون للتوقيع علي أي (معاملات) مزوّرة ما دامت تنفعهم، بما في ذلك مصير الشعب الفلسطيني...
هؤلاء يمثّلون من ؟!
أحدهم علي فضائية الجزيرة (مباشر) وفي محاضرة له في مركز دراسات فتح برام الله قال: فتح ليست تنظيماً، فتح هيولي..
قبل أيّام هو نفسه التقيته في سفارة فلسطين، وعندما سألته: هل توجد منظمة تحرير فعلاً ؟! أجابني: لا، لقد أضاعها أبوعمّار والفصائل ! وعندما قلت له: يجب إصلاح أحوال فتح.. تندّر ساخراً: فتح لا يمكن إصلاحها! وهنا سألته: ما دامت المنظمة غير موجودة، وفتح هيولي ولن تصلح، فلماذا تقولون غير هذا علي الفضائيّات ؟ من أنتم، وماذا تريدون؟!
هؤلاء يقرعون طبول الحرب، ومهرجان فتح في غزّة بمناسبة الانطلاقة لم يكن سوي حشد في ميدان المعركة استعداداً للهجوم...
ماذا عن حماس ؟!
فازت حماس بأصوات الفلسطينيين في مناطق السلطة، وبويعت علي أمرين: التصحيح السياسي، إنقاذ القضيّة من خراب (أوسلو) و..محاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين.
لم تنجح حماس في الأمرين، لا لأسباب ذاتيّة، ولكن لأسباب موضوعيّة. فأمريكا ضدها، والكيان الصهيوني ضدّها، والأقطار العربيّة الفاعلة فلسطينيّاً ضدها: مصر، السعوديّة .. والسلطة الفلسطينيّة (ألأوسلويّة) هي قلب الهجوم عليها، فالفاسدون أشّد شراسة من العدو في تجويع شعبنا، وترويعه، ومعاقبته علي نبذهم لهم، واختياره غير (جماعتهم) للمجلس التشريعي.
حكومة (حماس) شرعيّة، منتخبة من مجلس منتخب ديمقراطيّاً، ولكن.. هذه الحكومة لم تعد قادرة علي الحياة، فأمريكا لن تعترف بها، وتكيد لها، والكيان الصهيوني يري فيها عدوّاً شرساً لا يرضي بالحلول الأسلويّة التي لم تؤد إلي قيام الدولة الموعودة ،..والدول العربية إمّا متآمرة، أو متواطئة بالصمت والسّر، أو لاهية لا يهمها الأمر، والحصار علي شعبنا شرس.. .
إذا كانت قيادة حماس تتوقّع أنها بشرعية انتخابها يمكن أن تفرض وجودها، وبمزيد من صبر شعبنا وتحمله، فإنها تراهن علي وهم، فأعداء شعبنا لا يتوقفون عند الرفض السلبي لحكومة حماس، ولكنهم يحرّكون الفتنة الداخلية، ويدفعون إلي الحرب الأهليّة التي لن تبقي سوي من يحملون (ختم المختار)، الجاهزين للتوقيع علي ما يجعلهم قيادة علي شعبنا بعد مذبحة مدمّرة، وتحت شعار: إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. .
ما العمل، ما هو واجب حماس تحديداً ؟
أن تبدع تكتيكات سياسيّة، من موقع الحرص والمسؤوليّة، تفوّت بها الفرصة علي أعداء شعبنا في تأجيج الحرب الأهليّة.. .
إن الصراع علي السلطة هو صراع علي وهم، علي سراب، وهو إضاعة لطريق وخيار المقاومة، وحماس تخسر بدون المقاومة، والشعب الفلسطيني جرّب (أوسلو)، والرباعيّة، والقمم العربيّة، والمبادرة العربيّة، وخيار التهدئة.. فما هي النتائج العمليّة ؟!
لقد سمعت من بعض قيادات حماس تحليلاً مفاده أن (السلطة) هي قرار دولي وعربي ومحلّي، وانه لا يمكن حّل السلطة.. وهذا التحليل أراه خطيراً، لأنه يدلل علي أن قيادة حماس تري في (السلطة) ختام حقبة في النضال الفلسطيني، وأن الإمساك بالسلطة والتفاوض علي حّل نهائي، وتحسين شروط التفاوض، سيمنحها شرعية قيادة هذه السلطة!
إذا كانت قيادة حماس تفكّر هكذا فالصراع علي السلطة مع من تسلّطوا علي شعبنا، سيأخذ قضيتنا إلي الهاوية...
إنني كمواطن فلسطيني، أري أن تتخلّي حماس عن (الحكومة) وتحتفظ بأكثريتها في المجلس التشريعي، لتبقي الضمان بعدم الانحراف والتفريط، وتضع الأمر أمام الشعب الفلسطيني، وملايين العرب والمسلمين، وليذهب جماعة أوسلو ليفاوضوا من جديد فهذا خيارهم الوحيد الفاشل، وليكملوا مسيرة الخسارة والخزي، فقد رأينا لقاء رئيس السلطة (أبومازن) ومعه أبوعلاء قريع مع أولمتر قبل أيّام.. فماذا أعطاهم سوي وعود خلّب مع كذا بوسة استهباليّة؟ !ولقد رأينا لقاء مبارك وأولمرت في نفس الوقت الذي كانت فيه قوّات جيش الاحتلال تجتاح رام الله وتسقط الشهداء والجرحي، وتخرّب المحّال التجارية، دون مراعاة لخاطر رئيس أكبر دولة عربيّة!
ليس لنا من خيار سوي العودة للمقاومة، وإخراج شعبنا وقضيتنا من هذا المأزق المخيف، وتفويت الفرصة علي المارقين علي شعبنا، الذين يعرفهم شعبنا...
إن حكومة لا تمون علي شيء: القرار السياسي، المال، أجهزة الأمن التي تستهلك نسبة 33% من الدخل، ويبلغ تعداد أفرادها 60 ألفاً لم نرهم يدافعون عن رام الله.
قضيتنا وشعبنا علي حّافة الهاوية، والأشقياء لا يهمهم تخريب نضال شعبنا، فسلوكهم وممارساتهم تقول: إمّا أن نكون نحن كل شيء أو.. نخرّبها..
هنا أتوقّف مستذكراً حكاية الأم الحقيقيّة والأم المزيّفة اللتين ذهبتا واشتكتا للملك سليمان، وكل واحدة تدّعي أن الطفل هو ابنها. سليمان الحكيم اقترح أن يوضع الطفل بين يدي الأمين، وكّل واحدة تشدّه صوبها، الأم الحقيقيّة رفضت تعريض ابنها للخطر.. .
شعبــــنا بات يري أنّ الطرفين المتصارعين يمزقّان (طفله)، وآماله...