أحدث الأخبار
الجمعة 03 أيار/مايو 2024
الاكتظاظ السكاني في رهط كجزء من أزمة شاملة!

بقلم : د. شكري الهزيل ... 6.7.06

بدايةً لا بد من القول إن رهط تبدو للوهلة الأولى للناظر من بعيد أنها مدينة تتمتع بصفات المدن من حيث الوضعية الجغرافية والسكانية؛ ولكن رهط تبدو شيئاً آخر عند التجول في داخلها والبحث في واقعها السكاني والاجتماعي والاقتصادي.
وإن لم تخنّا الذاكرة كان كاتب هذه الكلمات شاهداً على بداية نشأة رهط في السبعينيات من القرن العشرين, وبالرغم من بداية البناء هُنا وهُناك من قبل هذه العائلة أو تلك على مساحات متباعدة، كان من الواضح أن مخطَّط بناء رهط تكتنفه العشوائية وغياب استراتيجية هيكلية تأخذ بالحسبان التكاثر الطبيعي وحاجة الأجيال القادمة لمكان بناء وسكن من جهة، وغياب مُخطَّط هيكلي لبنية اقتصادية وتحتية تتناسب مع مفهوم مدينة وسكان المدينة المُزمع إقامتها بشكل يُوفر الحد الأدنى من فرص العمل للسكان من جهة ثانية.
وبالتالي باعتقادنا أن إسرائيل استغلَّت ظرفاً تاريخياً وغياب الوعي العام لتمرر بأسرع وقت ممكن مخطَّطاً تَوطينياً في أُطر بداية شبه عشوائية إلا أنها تُعتبر من وجهة نظر إسرائيلية حجر أساس ومكسباً سياسياً لا بد من إعطائه في ذلك الوقت زخماً بغض النظر عن شكله وفحواه في المُستقبل، والمقصود هنا بالطبع رهط.
أخذَت تركيبة رهط السكانية في معظمها منذ البداية صبغة العائلية وبناء وسكن العائلة الواحدة في نفس المكان والحارة الواحدة, ولكن ما جرى أن "المُخطط الهيكلي!" لم يأخذ بالحسبان التكاثر السكاني وتكاثر العائلات في الحارات ورغبة أفراد العائلة الواحدة في السكن والعيش في نفس المكان, بمعنى أن المخطَّط السياسي الإسرائيلي بنسخته الأصلية كان يهدف بالدرجة الأولى لتمرير مخطط التوطين والحفاظ على التركيبة العائلية لأهداف سياسية لا علاقة لها بترابط العائلات في رهط ورغبتها أو عدم رغبتها بالسكن في مكان واحد وحارة واحدة, وبالتالي ما جرى في بدايات رهط هو أن رهط شأنها شأن قرى ومدن عربية كثيرة في الشمال والوسط لم تحظَ بمُخطط هيكلي استراتيجي يأخذ بالحسبان التركيبة العائلية والتكاثر السكاني في الحارات العائلية. وبالمُناسبة، لم تمنح إسرائيل الكثير من القرى والمدن العربية خريطة هيكلية بهدف إعطاء الفرصة للدولة والمستوطنات اليهودية المجاورة للقرى والمدن العربية للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي العربية، ومحاصرة التواجد والتكاثر السكاني العربي على أصغر رُقعة جغرافية, ولم تخرج رهط عن أُطر هذه السياسة الإسرائيلية في بدايات نشأتها وحتى وقتٍ ليس بعيد!.
تشكِّل رهط اليوم معقلاً لجميع أشكال الأزمات والظواهر الاجتماعية والاقتصادية، سواءً ظاهرة البطالة أو الفقر, أو العُنف, وأزمة التربية والتعليم, أو الفوضى في مجال النظام والنظافة, أو التفاوت الطبقي, أو المزج بين حياة البداوة والتمدّن (في كثير من الأحيان يُربي الناس مواشٍ في البيوت أو يبنون أقفاصاً للدواجن بجانب البيوت وفي وسط الحارات والمدينة) لأسباب اقتصادية تجعل البعض يُربي المواشي من أجل العيش أو كموروث بدوي تقليدي، والسبب أن إسرائيل لم تَسعَ لتوفير الحدّ الأدنى من مقومات اقتصاد مدينة كمدينة رهط (لا أدري إذا كانت رهط بتركيبتها الاقتصادية الحالية تفي أصلا بمقومات ومعطيات مدينة أو شبه مدينة!؟).
ولكن ما يهمنا هنا بالدرجة الأولى هو الحديث عن ظاهرة الاكتظاظ السكاني في سياق أطر أزمة عامة وشاملة, بمعنى أن هنالك خلل اجتماعي وإداري وبلدي عام ومن ضمنه ظاهرة نقص السكن وقطع البناء في كثير من حارات رهط لأنها استنفذت مساحتها الجغرافية وقُدرتها على استيعاب الجيل الشاب الذي يرغب في البقاء والبناء بجانب أهله وعائلته من جهة، وفي المقابل عدم قدرة الكثيرين من الشباب أو الأزواج الشابة اقتناء قطعة أرض أو بناء بيت، مما يجبرهم على العيش في بيوت وحارات أهلهم المكتظة أصلا بالسكان من جهة ثانية، وبالتالي وكما هو واضح هنالك غياب كامل لمشاريع حكومية أو مبادرات من قبل بلدية رهط تُعنى بعلاج ظاهرة الاكتظاظ السكاني من خلال المُساعدة في توفير سكن للشباب والأزواج الشابة وغيرهم ممن يُعانون من أزمات اقتصادية واجتماعية وعائلية.
دعونا هنا في هذا السياق القول إن الاكتظاظ والاحتكاك الكثيف في مجتمع يعاني أصلا من أزمات اجتماعية واقتصادية وحضارية ومن ظاهرة التناحر القبلي والجهل الفكري يلعب دوراً (أي الاكتظاظ) محورياً ورئيساً في تفشي ظاهرة العنف وظواهر أخرى. وكما هو حال المجتمع هو حال بيت العائلة الواحدة المُكتظ بأفراد العائلة, بمعنى أن الاكتظاظ وضيق المساحة السكنية والمعيشية يؤدي إلى حتمية انفجار الأزمات سواءً على مستوى العنف أو على المستوى النفسي والاجتماعي أو حتى على مستوى ظواهر الجنح الاجتماعية، وبالتالي وكما هو واضح تشكِّل حارات كثيرة في رهط بسبب اكتظاظها السكاني مرعىً خصباً للصراعات الدموية وغيرها من الظواهر كالجنح والمخدرات وأشكال أخرى تعبر في مجملها عن واقع أزمة حاصلة وموجودة، ولا بد من التعامل معها مرحلياً وإستراتيجياً بإيجاد حلول مرحلية وجذرية تخفف من الاحتقان الاجتماعي الذي يؤدي إلى ظاهرة العُنف!!
من المؤسف القول إن رهط تعاني من أزمات كثيرة، منها أزمة الوعي العام لكثير من الأمور سواءً على المستوى الاجتماعي أو غيره, حيث ترى أن الكثيرين مثلا لا يُعيرون أي أهمية لأشياء أساسية مثل البيئة والنظافة، حيث ترى مثل هذه الظاهرة ليس في داخل رهط فقط لا بل في جميع الأودية وأماكن أُخرى تقع على أطراف رهط حيث تجدها مليئة بالزبالة والأوساخ والخُردة التي يرمي بها سكان رهط للتخلص منها دون معرفة عواقب تلويث البيئة وآثارها الصحية والبيئية على رهط نفسها. وفي المُقابل هنالك أيضاً فوضى وهمجية إطلاق النار والرصاص الحي في الأعراس.
والحقيقة أن هُنالك فوضى وتناقضاً بين واقع عقلية بدوية وأسلوب حياة مدنية, بمعنى واضح هنالك نسبة كبيرة من سكان رهط غير مُهيأة حضارياً وفكرياً واجتماعياً واقتصادياً للحياة في مدينة، والذنب لا يقع عليهم لا بل على من قام بتوطينهم قسراً وقام بحرق مراحل تطور طبيعي كان من المفروض أن يمر بها المجتمع البدوي!!.
الحديث عن مشاكل رهط قد يطول, ولكننا سنحاول التركيز على بعض هذه المشاكل حسب أهميتها وأولويتها, وهذا ما يعني أن هنالك ترابط بين المشاكل والأزمات الحاصلة في رهط، سواءً مشكلة الاكتظاظ أو الفقر أو العنف أو فشل النظام التربوي والتعليمي. وللمثال: لا يمكن اقتلاع ظاهرة العنف أو التخفيف من حِدّتها إلا من خلال اقتلاع ومحاربة ثقافة العنف من خلال استراتيجية تعليمية وتربوية تُعالج بشكل شامل العوامل والأسباب التي تؤدي إلى العنف، وهي للأسف أسباب وعوامل مُتواجدة بكثرة في رهط... من بطالة, وفقر, وجهل, واكتظاظ، وفساد, وقبلية وفشل بلدي وإداري وتربوي!!.
سبق أن ذكرتُ في مقالات سابقة أهمية إصلاح مؤسسة التربية والتعليم في رهط التي تعاني من خلل مزمن وذلك على جميع المستويات، وأهمها أن التركيبة الإدارية لهذه المؤسسة فاشلة وعناصرها تتشبث بمواقعها منذ عقود دون أن يكون هُناك تغيير في الاتجاه الصحيح، والإنسان المناسب في المكان المُناسب, بمعنى واضح: لن يحدث تغيير في مجال التربية والتعليم في ظل إدارة جاهلة وقاصرة علمياً وغير قادرة على تطوير وإدارة مجال التربية والتعليم، والمطلوب تغيير جذري لكل الرموز الفاشلة وغير المؤهلة في هذا المجال. يجب أن تَنتهي حقبة استغلال مجال التربية والتعليم فقط لتوظيف الأبناء وأبناء وبنات الأصدقاء بينما تصبح التربية والتعليم موضوعاً ثانوياً بدلا من أن تكون همّاَ رئيساً!!.
من هنا، لا بد من التأكيد على ترابط الأمور والقضايا في المجتمع الرهطاوي المؤدية إلى ظاهرة العُنف وغيرها من ظواهر سلبية, والمطلوب اليوم برنامج ترميم اجتماعي واقتصادي وتربوي وذلك بهدف تطوير المجتمع إلى الأفضل، أو على الأقل وضع حجر الأساس في هذا المجال ولهذا الاتجاه، وبالتالي لا بد في البداية من التركيز على حارات التوتر التي تعاني من ضيق اجتماعي واقتصادي وسكاني من خلال استراتيجية مُتوازنة هدفها الأساس والاستراتيجي هو تخفيف الازدحام والاكتظاظ السكاني في حارات رهط من خلال طرح بدائل سكن ملائمة للشباب والأزواج الشابة غير القادرة اقتصادياً على بناء بيت أو شراء قطعة أرض للبناء بتلك الاسعار العاليه المطروحه في رهط لما يسمى بقطع الارض الجديده لمخصصه للبناء كما تزعم بلدية رهط!!
وأخيراً وليس آخراً، يبدو جلياً أنَّهُ آن الأوان أن تتحمل بلدية رهط ورئاستها مسؤوليتها نحو سكان رهط لِتشرع في برنامج ترميمي لما ذُكر أعلاه من إشكاليات حاصلة في رهط، والبداية تكون من حارات الاكتظاظ والحارات الفقيرة, وتوفير الامكانيات الازمه للأزواج الشابه وغيرهُم حتى يتمكنوا من الخروج من دائرة الاكتظاظ والمشاكل الاجتماعيه والاقتصاديه!!!