أحدث الأخبار
الخميس 02 أيار/مايو 2024
أيها المثقفون الفلسطينيّون...

بقلم : رشاد أبوشاور ... 31.1.07

سيبدو من العنوان أنني أتوجّه بمقالتي إلي المثقفين الفلسطينيين وحدهم، دون الدخول في جدل حول سؤال: من هو المثقّف..
الحّق أنني أخّص المثقفين الفلسطينيين حيثما تواجدوا في هذا العالم، فأنا لم أيأس منهم، بل وأعوّل عليهم، وأري أن كلماتهم لها دورها، وفعلها، وثقلها، فهي ليست خفيفة وعابرةً، إن هم شخّصوا بها واقع شعبهم، وذهبوا إلي جوهر قضيتهم، وطرحوا وجهة نظرهم في ما يجري علي أرض وطننا، وبخّاصة الصراع الدامي المدمّر علي أراضي السلطة، والذي استشري في قطاع غزّة، وها هو يمتّد بفعل فاعلين معلومين إلي مدن وقري ومخيمات الضفّة.
أصوات شريفة ترتفع مندّدةً بهذا الاقتتال الذي يأخذنا قضيةً وشعباً إلي الخراب والتدمير الذاتي، وهي تقوم بدور نقدي جريء ومحترم من شعبنا، ومن المتابعين من أمتنا الذين يؤرّقهم هذا المشهد الفلسطيني الدامي الذي يهوي بشعبنا من برجه العالي كقدوة إلي مآل مأساوي محبط ومحزن وباعث علي اليأس.. هناك قلّة لا يهمها غضب شعبنا، وحزنه، وألمه، وخسارته، والصدمة التي تزلزل روحه، من هذا الاقتتال الذي حوّل المقاوم إلي مقتحم بيوت، ومختطف، ومطلق رصاص بلا وعي، بحقد، وبجنون، وبفقدان عقل، وانعدام ضمير.. أراهن علي دور المثقفين الفلسطينيين أصحاب الموقف، والمتميزين بنزاهة الضمير، وشجاعة قول كلمة الحّق دون حساب العواقب مهما كانت الخسارات الشخصية فادحة.
كثيرون هم المثقفون، كتّاباً، وشعراء، وفنانين، الذين يكتبون عن فلسطين، ولها، يبدعون قصصاً، وروايات، ولوحات فنيّة، ولكنهم لا يتفاعلون مع ما يحدث يوميّاً، بل يلوذون بالصمت، إمّاً خوفاً ـ كما لدي بعضهم في مناطق السلطة حيث القمع منذ تأسست السلطة بأجهزتها الأمنيّة بهدف قمع الأصوات التي تعارض ـ أو ترفعّاً، أو اكتفاءً بكتابة نّص، أو رسم لوحة، أو كتابة كلمات عن فلسطين بشكل عام، دون الدخول و(التورّط) في ما يرون أنه سياسة يوميّة قد تستفّز المهيمنين الجهلة!
نعم: هناك انتهازية في صفوف الحركة الثقافيّة الفلسطينيّة، وهناك جبن لا يليق، وهناك لامبالاة، وهناك أحياناً (اندماج) وانسلاخ وتغيير جلد هرباً من الانتماء المكلف والمؤرّق، ولكن المثقفين المنتمين أكثر حضوراً بحكم عدالة القضيّة التي يحملونها، ونزاهة حياتهم، ووعيهم، ومصداقيتهم، وهؤلاء هم من أتوجّه لهم!
هؤلاء يكتبون كأفراد، ولا تقصير عندهم، وهم لا ينتظرون من يحفزهم للفعل، ولكنني أري أن عليهم أن يتواصلوا لتوحيد (كلمتهم) بحيث تكون أكثر تأثيراً، وفعلاً.. بات من الجلي أن الاقتتال لن يتوقّف، بل إنه سيمتّد إلي الضفّة، فالمغامرون لديهم هدف، وهم لا يبالون بردود الفعل الفرديّة، بل لعلّهم يسخرون منها، وبخّاصة كونهم في العتمة، مع إننا نعرف سحنهم، وأسماءهم، وخلفياتهم، ومن برمجهم، ومن الجهات التي زرعتهم وتغذّي طموحاتهم الرعناء.. القتلة والقتلي في الشوارع هم ضحايا، ومن يديرون الاقتتال ويغذونه بنيران الحقد والعصبويّة التنظيميّة المفتعلة هم المجرمون الحقيقيّون، وهؤلاء يتصرّفون في مصير شعبنا وقضيتنا دون ضمير أو خشية، وهم ينسون أن أكثر من خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات، وكّل همّهم العودة إلي فلسطين، وأن حّق العودة هو أقدس ما في حياتهم، وأنه معني وجودهم، وأنهم يورثونه لأبنائهم من بعدهم كما ورثه كثيرون منهم من أمهاتهم وآبائهم الذين رحلوا في المنافي...
هناك من يريد اختطاف قضيتنا، ويحسب أن الاقتتال في شوارع غزّة، وخان يونس، ورفح، ومخيّم جباليا سيمكنّه من سرقة (القرار) الفلسطيني واحتكاره.. ولأن الاقتتال لم يعد مجرّد اشتباكات عابرة، ولأن وجودنا كشعب بات في مهّب الرياح، وفي مهّب مغامرة الاقتتال، فإننا يجب أن نرفع (صوتنا ) الواحد، في برنامج محدّد، واضح، نتوجّه به إلي شعبنا الفلسطيني في الوطن وفي الشتات، جوهره التشبّث بالمقاومة كأسلوب ووسيلة ونهج يوصلنا إلي حقوقنا، ويخرجنا من مغامرات الزعران والطامحين المرتبطين المبرمجين، ومن أوهام من يتشبثّون بالسلطة ويرونها ختام حقبة في النضال الفلسطيني..
هنا بالضبط يلعب المثقفون دوراً رياديّاً، ومعهم الشخصيات الوطنيّة الفلسطينيّة والكفاءات المشهود لها..
قبل أيّام التقي في لندن عدد من كفاءات الفلسطينيين المقيمين في بريطانيا، تحاوروا وأصدروا بيانا وموقفاً.. ومنذ أيّام اتصل بي الدكتور سلمان أبوستة الغني عن التعريف، وصاحب كتاب (حّق العودة) و(أطلس العودة)، وأخبرني عن بداية تحرّك لعدد من الشخصيّات الفلسطينيّة، ومنـــــها: الدكتور أنيـــــس صايغ، الأستاذ شفيق الحوت، الدكتور أنيس القاسم، وآخرون بهدف بلورة توجّه وإصدار بيان شامل، ومن ثمّ دعـــــوة حوالي ألف شخصيّة فلسطينيّة لتقول كلمتها في كّل ما يجري، وترسم ملامح الطريق للمستقبل..
في كّل التحركات يوجد مثقـــــفون معروفـــــون: كتّاب، صحافيّون، أساتذة جامعيون، وهذا طبيعي، ففي كّل ثورات العالم كان للمثقفين دور طليعي وريادي، وهذا ينطبق علي مسيرة شعبنا الفلسطيني..
من موقعي ككاتب فلسطيني، أدعو المثقفين، الكتّاب والصحافيين والفنّانين والباحثين والمفكرين الفلسطينيين في العالم، للتواصل والإسهام في بلورة برنامج وطني فلسطيني لتجاوز ما نحن فيه، وإفشال خطط أطراف تتربّص بشعبنا وقضيتنا، ولوضع حّق العودة ككلمة سّر في كّل تحرّك، فقضيتنا في الجوهر هي حّق شعبنا في العودة إلي وطنه فلسطين..
هناك مفاهيم مضللة تسود في الساحة الفلسطينيّة، منها: إصلاح منظمة التحرير الفلسطينيّة ـ ترقيع تحايلي ـ ومنها حكومة الوحدة الوطنيّة.. وسؤالي: كيف يمكن إصلاح ما هو غير موجود إلاّ كيافطة استثمرها مارقون؟ وكيف يمكن أن تؤلّف حكومة وحدة وطنيّة شرط قيامها الاعتراف بالكيان الصهيوني؟
إن دور المثقفين الثوريين الشرفاء الصادقين ينتظرهم، وإنهم يستطيعون القيام به إن هم وحدّوا مواقفهم، وبصرّوا شعبهم بالحقائق، فهم ينتمون لفلسطين، وشعبها، ولا تحرّكهم الولاءات التنظيميّة الضيّقة..
التنسيق بين التحركات في الشتات وداخل الوطن بات ضرورة، لتحقيق التكامل، وإنجاز قوّة فاعلة وضاغطة تمثّل صوت الشعب الفلسطيني، والضمير، وتقدّم الخطاب الوطني الصادق بلا لبس بعيداً عن الألاعيب السياسيّة التي هوت بقضيتنا، وحوّلتنا بالصراع الدموي إلي مشهد بائس بعد أن كنّا الطليعة والأمل.