أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
مواقف من قضايا وحقوق المرأة الفلسطينية في إسرائيل

بقلم : د. نهاد علي و هنيدة غانم ... 1.4.06

جمعيّة نساء ضد العنف
مواقف من قضايا وحقوق المرأة الفلسطينية في إسرائيل
هنيدة غانم - الباحثة الرئيسة
د. نهاد علي – البحث الكمي
"ابن خلدون - الجمعية العربية للبحث والتطوير"
غادة أبو جابر – نجم – محرّرة البحث
مديرة مشروع حقوق المرأة
© حقوق الطبع محفوظة، 2005
جمعية نساء ضد العنف
مقدّمة
هذا التقرير هو ملخّص لنتائج دراسة واسعة أجرِيَت من خلال مشروع "حقوق المرأة" في جمعية "نساء ضد العنف"، لفحص وجهات نظر المجتمع تجاه قضايا المرأة الفلسطينية وحقوقها في إسرائيل، خلال العام 2004/2005.
إعتمد البحث دمجَ ثلاث أدوات بحثية، كمّية وكيفية، ضمّت استبيانًا مكوّنًا من 1200 استمارة وُزّعت على مختلف المواقع الفلسطينية في إسرائيل، مقابلاتٍ معمّقة مع 36 رجلاً وامرأة من أطياف مجتمعية مختلفة، إضافةً إلى إجراء حوارات في تسع مجموعات بؤرية.
ملخّص
يستعرض هذا التقرير نتائج دراسة موسّعة أجرِيَت لفحص وجهات نظر المجتمع تجاه قضايا المرأة الفلسطينية وحقوقها في إسرائيل، وكشف أنماط الضبط الاجتماعيّ والعراقيل التي تحول دون حدوث تحوّل جديّ في مكانتها. وقد تمحور البحث حول خمسة أسئلة أساسيّة:
1. ما هي أنماط الضبط الاجتماعيّ المتّبعة في المجتمع للحفاظ على موازين القوى السائدة التي تكرّس دونية المرأة، وتحول دون مشاركتها الفعّالة سياسيًّا، اجتماعيًّا واقتصاديًّا، ودون نيلها حقوقَها؟
2. ما هي المواقف السائدة في المجتمع من قضايا عينيّة تتعلّق بحقوق المرأة، مثل الحقّ في العمل، الحقّ في التعلّم، الحقّ في الحماية من العنف والحقّ في المشاركة السياسية؟
3. ما هي القضايا التي يُبدي المجتمع رغبةً في تغييرها وتلك التي يرفض أيّ تغيير فيها، وما هو التغيير المطلوب، وما هي أفضل الوسائل لتحقيق ذلك؟
4. ما هو الموقف من قضية العنف ضدّ المرأة، وإلى أيّة درجة يعتبره المجتمع وسيلةً شرعيةً "للتأديب" ولـ"حلّ الخلافات"، وأيّة حلول يعتبرها المجتمع مُجدية لمساعدة المرأة على الخروج من دائرة العنف؟
5. ما هي درجة معرفة المجتمع للخدمات المتوافرة لمساعدة ضحايا العنف، الرسميّة منها أو المجتمعية (بما فيها تلك التي تديرها الجمعيات النسوية المختلفة)، وما هو الموقف من جدوى التوجّه إليها، وأيّة خدمات مقبولة أكثر على الجمهور، وما هو رأي الجمهور العامّ في خطاب الجمعيات النسوية وأساليب عملها؟
إنطلق البحث الحاليّ في فهم مكانة المرأة الفلسطينية في إسرائيل من خلال كونها تنتمي إلى مجتمع أبويّ ذكوريّ يعيش في دولة تميّز ضدّه كأقليّة قومية أصلانيّة. وافترض البحث أنّ المرأة الفلسطينية في إسرائيل تواجه ثلاثة مستويات من القمع: القمع على أساس قوميّ كجزء من الأقليّة الفلسطينية؛ القمع على أساس النوع الاجتماعيّ داخل المجتمع الفلسطينيّ الذي تنتمي إليه؛ والقمع على مستوى كونها جزءًا من جمهور النساء اللاّتي يَعشنَ في دولة ذكورية معسكرة. وقد اعتمد البحث في فهم مكانة المرأة دمجَ ثلاث أدوات بحثية، كمّية وكيفية: المقابلات المعمّقة، المجموعات البؤرية والاستبيان الكميّ، وقد تمّ تحليل النتائج التي وفّرتها كلّ أداة، ومن ثمّ تمّ ربط النتائج ومقارنتها معًا، وكان هدف استخدام أساليب البحث الكمّية إلى جانب الكيفية الوصول إلى أعلى درجة ممكنة من الدقة من جهة، ومن الشمولية في فهم الواقع، من جهة اخرى.
إعتمد البحث منهجيات بحثيّةً نوعيةً وكمّيةً متعدّدةً:
حوارات في مجموعات بؤرية: توزّعت على تسع مجموعات بؤرية، وتشكّلت المجموعات من ثمانية إلى أربعة عشر مشاركًا ومشاركة وضمّت 1) سياسيين وسياسيات 2) رجال دين ومحامين/ات مختصّين/ات قي القانون الدينيّ وحقوق الإنسان والمواطن 3) عاملين/ات اجتماعيين/ات وعاملين/ات في مجال الرفاه الاجتماعيّ، وكذلك عاملين/ات في مجال التربية والتعليم 4) صحافيين/ات من صحف وإذاعات عدّة، وبضمن ذلك من الإذاعة والتلفزيون المحلّيّين 5) ناشطات وناشطين في منظّمات نسائية ونسوية تمثّل توجّهات مختلفة 6) طلابًا وطالبات أكاديميّين 7) ربّات بيوت ونساء عاطلات عن العمل 8) عاملات في المصانع 9) طالبات ثانويات.
مقابلات مفتوحة: تمّ إجراء 36 مقابلة مع رجال ونساء من فئات اجتماعية مختلفة، وضمّت: عضو كنيست عن الجبهة وعضو كنيست عن القائمة العربية، رجال دين ممثّلين للطوائف الثلاث (الإسلامية، المسيحية والدرزية)، نشطاء قي العمل الأهليّ، السياسيّ والنسويّ، أكاديميين وأكاديميات، طلابًا وطالبات جامعيّين، أصحاب وصاحبات مهن حرّة، عاملات وعمّالاً وربّات بيوت.
إستبيان: شمل الاستطلاع 1200 شخص من سنّ 18 سنة فما فوق، من نحو 30 قرية ومدينة عربية وأخرى مختلطة. أخِذَت بعين الاعتبار، عند اختيار المناطق السكنيّة، متغيّرات عدّة مثل المكان الجغرافيّ، الفوارق الدينية، كبر البلدة، موقعها وقربها من المناطق السكنية غير العربية، وكذلك الوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ للبلدة. يمثّل المستطلَعون/ات عيّنة قطرية تمثّل السكان الفلسطينيّين في اسرائيل. أختيرت عيّنة البحث في كلّ بلدة بشكل عشوائيّ من بين أصحاب حقّ الاقتراع للكنيست. تمّ الاستطلاع من خلال مقابلة أجرِيَت مع المستطلَع/ة في بيته/ها وجهًا لوجه، مع الحرص الشديد على عدم وجود طرف ثالث، إلاّ في الحالات الاضطرارية (على سبيل المثال: مقابلة فتيات من عائلات تلزم بوجود شخص آخر من عائلة الفتاة أثناء المقابلة، مع حرصنا على عدم تدخّله في الإجابات عن أسئلة الاستطلاع أو التأثير على المستطلَعة). وقد نُفّذ الاستطلاع من قبل مستطلِعين خلال فترة امتدّت بين كانون الأول 2004 وكانون الثاني 2005. بلغت نسبة هامش الخطأ البحثيّ الأعلى %3,7.
النتائج المركزية للبحث
أظهر البحث أنّ المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل هو مجتمع مركّب من وجهات نظر متفاوتة ومختلفة في ما يخصّ تقييم مكانة المرأة، دورها الاجتماعيّ، شكل العلاقة بين الجنسين والأساليب الأفضل لتطوير مكانتها، وكذلك النظرة تجاه أساليب الضبط الاجتماعيّ. واتضح أنّ الموقف من حقوق المرأة يتأثّر بالعديد من العوامل المستقلّة، مثل المستوى التعلّميّ، الانتماء الجغرافيّ، الوضع الاقتصاديّ وجنس المُستطلع/ة. أظهرت نتائج البحث الكمّيّ وجود فوارق إحصائية دالّة تشير إلى أنّ المواقف من حقوق المرأة تتأثّر إيجابيًّا بارتفاع مستوى التحصيل العلميّ وارتفاع مستوى الدخل الماديّ للفرد، كما أظهر مواقف أكثر تقبّلاً وإيجابية لحقوق المرأة بين سكان الشمال والمركز مقابل سكّان الجنوب، وكذلك بين الفئات الشابة مقابل الفئات المتقدّمة في السنّ، إضافةً إلى فوارق إحصائية ونوعية لصالح مواقف أكثر ليبرالية بين الإناث المشاركات في البحث مقابل الذكور.
كشف البحث عن أنّ المواقف من قضايا المرأة تنقسم إلى مواقف تحيل إلى حقوق المرأة، وإلى مواقف تحيل إلى احترام المرأة، وأظهر أنّ احترامها لا يتناقض والرغبة في استمرار السيطرة عليها. كما أظهر البحث أنّ المواقف من الحقوق تتمفصل في مستويين: مستوى الحقوق العينيّة ومستوى الحقوق الاستراتيجية. ففي حين تُعتبر الحقوق العينيّة استجابة للتغيّرات المجتمعية ومتطلبات العصرنة، تتعلّق الحقوق الاستراتيجية بالعلاقة بين الجنسين في النظام الأبويّ المتمثّلة بالسيطرة على المرأة من خلال القيم والشيفرات الثقافية، كالعِرض والسمعة وتوزيع الأدوار في المنزل. لقد أظهر البحث أنّ المجتمع يُبدي استعدادًا واسعًا للاعتراف بحقوق المرأة العينيّة مثل الحقّ في التعلّم والعمل، إلاّ أنّه ما زال غير مُستعدّ للقبول بهذه الحقوق بشكل جارف من دون ربطها بمجموعة من المطالب المترافقة التي تأتي لتكرّس، عمليًّا، النظام الأبويّ من خلال عدم إقرار حقّ المرأة في حرية الحركة والسيطرة على الجسد وإقامة علاقات ندّية مبنية على المساواة التامّة بين الرّجل والمرأة، حيث تبقى المفاهيم الأبوية المتعلّقة بالسمعة والشرف وتفهّم ضرب المرأة أو قتلها (في بعض الحالات) عبارة عن بوليصات تأمين لضمان إعادة إنتاج علاقات السيطرة بين الجنسين.
التعلّم حقّ مشروط
كان حقّ المرأة في التعلّم من أكثر الحقوق التي تمّت الموافقة عليها بل التحمّس لها؛ حيث رأى ما يفوق 95% من المستطلَعين/ات ضرورة منح المرأة المساواة أو المساواة التامّة في التعلّم، واعتبروا أنّ الأمر يساهم في تحسين مكانتها، فيما جاء بعد ذلك، من حيث الأهمية في رفع مكانة المرأة وبنسبة 91,7%، العمل على تغيير مفاهيم المجتمع عامّة، تلك التي تسيء إلى مكانة المرأة. كما رأى 84,7% من المستطلَعين/ات أنّ كون المرأة متعلّمة هو أكثر العوامل المؤثّرة إيجابيًّا في مكانتها. فيما جاء بعد التعلّم شخصية المرأة؛ حيث رأى 79,5% أنّ كون المرأة ذات شخصية قوية يؤثّر إيجابيًّا في مكانتها، وجاء بعد ذلك العمل بنسبة 70,4%.
وقد أوضحت النقاشات التي دارت في إطار المجموعات البؤرية والمقابلات أنّ التعلّم أصبح يُعتبر "سلاحًا" للمرأة يحميها من تقلّبات الزمان ويضمن لها وظيفة محترمة توفّر لها مصدرَ رزقٍ في المستقبل، غير أنّ التعلّم ليس حقًّا غير مشروط، إنّما هو حقّ مسيّج بشبكة حماية أبوية، كضرورة حفاظ الفتاة على سلوكيات مقبولة في الجامعة، أو، أحيانًا، شرط عدم نومها خارج البيت بل التعلّم والعودة إلى البيت، يوميًّا. ورغم ذلك يُلاحظ أنّ التعلّم هو الحقّ الوحيد الذي نال أعلى درجات الشرعية والقبول.
الحقّ في العمل شرط عدم زعزعة توزيعة الأدوار
نالَ حقّ المرأة في العمل شرعية عالية؛ حيث رأى 89,9% من المستطلَعين/ات أنّ العمل على توفير فرص عمل للنساء يساهم في تحسين مكانة المرأة العربية. وعبّر 82,6% من المشاركين/ات في البحث عن تأييدهم لحقّ المرأة في العمل إذا رغبت في ذلك، وأبدى 77,8% من المستطلَعين/ات موافقتهم الواسعة أو موافقتهم على أنّ عمل المرأة المتزوّجة يساهم في تحسين وضع العائلة، واعتبر البعض، ممّن تمّت مقابلتهم، أنّ عمل المرأة مفتاح لتغيير استراتيجيّ، سيؤدّي، على المدى البعيد، إلى تحوّل في القيم الثقافية والاجتماعية التي تميّز ضدّها، وكما كان عليه الأمر بالنسبة إلى التعلّم، فإنّ القبول غير المشروط بحقّ المرأة في العمل، أوّل وهلة، يبقى مقبولاً ضمن توافر مجموعة من العوامل غير المتعلّقة، دائمًا، بالمرأة أو المجتمع بل بالدولة، مثل توفير أماكن عمل قريبة وحضانات للعناية بأطفال الأمّ، أو توفير شروط عمل جيّدة أو حتى مواصلات منظّمة لأماكن العمل إن لم تكن قريبة. كما أنّ عمل المرأة مقبول شرط ألاّ يتحدّى الجندرة البُنيوية للعمل؛ حيث إنّ أعمالاً مثل سياقة الشاحنات أو العمل في التجارة وإدارة الشركات، تبقى أعمالاً غير ملائمة للمرأة؛ إذ اعتبر 84,7% أنّ سياقة الحافلات العمومية أكثر ملاءَمة للرجال، واعتبر 48,9% أن إدارة الشركات ملائمة أكثر للرجال، مقابل 1% اعتبروها أكثر ملاءَمة للنساء، وتفوّقت النساء في الأعمال والمهن التي لا تتطلّب مهاراتٍ إداريةً أو اتخاذ قرارات، كالعمل في مصانع الخياطة والتعليب (39,4%)، فيما اعتُبرت مهنة التعليم أكثر ملاءَمة للنساء (11,2%) منها للرجال (5,7%) واعتبرها 83,0% ملائمة للطرفين على حدّ سواء، فيما اعتبر 21,8% من المشاركين والمشاركات في الاستطلاع أنّ العمل في التمريض يلائم النساء أكثر (21,8%) من الرجال (8,3%)، واعتبر 69,7% أنّه ملائم للطرفين. لقد كانت الأعمال التي اعتُبرت أكثر ملاءَمة للنساء، مثل التعليم والتمريض والعمل في مصانع الخياطة والتعليب، وظائف لا تهدّد الرجل حيث هو صاحب القرار والقوّة في الحيّز العامّ، بل هي تُمَوْقِع المرأة في الوظائف التي لا تكون فيها صاحبة القرار، بل تكون متلقّيتَه. أمّا الأعمال التي تتركّز فيها قوّة اتخاذ القرار، مثل إدارة الشركات، أو القدرة على التحكّم بالمعاملات، مثل التجارة، أو التحكّم بالماكينة الضخمة، مثل الشاحنة، فاعتُبرت أكثر ملاءَمة للرجال، وهي أعمال توصَف بأنّها بحاجة إلى درجة عالية من التحكّم والعقلانية والقدرة على المنافسة في السوق الاقتصادية، إضافةً إلى أنّها تنطوي على احتكاك مع فئات اجتماعية ذكورية لا تتّبع قوانين المراقبة التي توفّرها المؤسّسة الرسمية، مثل المدرسة أو العيادة الصحية والمخيطة؛ فالمرأة التي تعمل في التجارة أو تقود الحافلة وسيارة الأجرة مضطرّة إلى النزول في الشارع والتعامل، لا مع الرجال من الفئات الاجتماعية كلّها فحسب، بل مع الرجال الأغراب الذين لا يمكن توقّع سلوكهم تجاه المرأة في عالم يعتبر الشارع فيه، ثقافيًّا، أنّه حيّز الرجل. واتّضح من المقابلات والمجموعات البؤرية أنّ النساء اللاّتي يَعملنَ في المهن الحرّة التي تتطلّب ساعات عمل غير اعتيادية، كالصحافة والسياسة، يواجهنَ ضغوطات اجتماعية تحمّلهنّ مشاعر التقصير في واجبهنّ الأوّل "أمّهات وربّات بيوت". بالإضافة إلى ذلك، فإنّ القبول بعمل المرأة خارج البيت لا يعني قبول إعادة تقسيم الأدوار داخل العائلة بشكل أوتوماتيكيّ؛ حيث إنّ أعمالاً مثل تحضير الطعام وتنظيف البيت لا تزال تعتبر من مهام النساء حتّى لو عملت المرأة، ما يعني، عمليًّا، أنّ المرأة التي تخرج للعمل يتضاعف عبئها؛ فتصبح عاملةً، إلى جانب كونها ربّة بيت.
وتأثّر الموقف من عمل المرأة بجنس المُستطلع/ة وبالمستوى التعلّميّ له/ها؛ حيث أبدت 83,8% من الإناث موافقتهنّ أو موافقتهنّ الشديدة على أنّ عمل المرأة المتزوّجة يساهم في تحسين وضع العائلة، وانخفضت النسبة بين الذكور إلى 72,4%. كما ظهرت فوارق إحصائية دالّة حسب المستوى التعلّميّ؛ حيث عبّر 88,7% من حملة الشهادات العليا عن اعتقادهم/هنّ أنّ عمل المرأة يساهم في تحسين حالة العائلة، ووافق على ذلك 76,2% من الثانويّين/ات، لتنخفض النسبة إلى 73,8% بين ذوي/ات التعليم الابتدائيّ. كما ظهرت فوارق إحصائية بين الجنسين في ما يخصّ تقسيم الأدوار في البيت وتأثر الموقف بالمستوى التعلمي للمستطلع/ة؛ حيث تفاوتت الأجوبة حول تقسيم الأدوار حسب جنس المستطلع/ة؛ ففي حين اعتبر 75,7% من الذكور أنّ الاعتناء بنظافة البيت هو دور الأمّ، انخفضت النسبة إلى 63,4% بين الإناث، كما اعتبرت 35,8% من النساء أنّ الاعتناء بنظافة البيت هو مسؤولية الزوجين، فيما انخفضت النسبة بين الذكور إلى 22%. كما أبدى ذوو التعليم الجامعيّ موقفًا ليبراليًّا من المشاركة في الأعمال المنزلية مقابل آراء متشدّدة أكثر لمن يحملون شهادات ابتدائية؛ فقد عبّر 84,0% من ذوي/ات التعليم الابتدائيّ عن اعتقادهم أنّ الاعتناء بنظافة البيت هو من مسؤولية الزوجة، مقابل 71,6% من ذوي التعليم الثانويّ، وانخفضت النسبة إلى 50,7% بين ذوي الشهادات الجامعية. كما عبّر 87,4% من ذوي/ات التعليم الابتدائيّ عن اعتقادهم أنّ تحضير الطعام هو من مسؤولية الزوجة، مقابل 73,9% من ذوي/ات التعليم الثانويّ، وانخفضت النسبة إلى 48,6% بين ذوي/ات الشهادات الجامعية.
المساواة في العمل السياسيّ مقبولة طالما لا تهدّد السيطرة الذكورية
أبدى 73,2% استعدادهم للتصويت لقائمة ترأسها امرأة، كما رأى 86,2% أنّ على الأحزاب العربية أن تضع تحسين مكانة المرأة في صلب جدول أعمالها. وأبدى 78,1% من المشاركين والمشاركات في الاستطلاع تأييدهم لانخراط المرأة في العمل السياسيّ والاجتماعيّ بالتساوي مع الرجل. ويتضح من نتائج البحث أنّ المجتمع يرغب في أن يرى امرأة في الكنيست وامرأة في السلطة المحلية؛ حيث إنّ 85,2% من المشاركين/ات في البحث يرون أنّ تخصيص كلّ قائمة أو حزب عددًا معيّنًا من المقاعد المضمونة للنساء هو وسيلة تساهم في رفع نسبة النساء في العمل السياسيّ العربيّ، المحلّيّ والقطريّ، بما في ذلك تمثيلهنّ في الكنيست. ويُبدي المستطلَعون/ات موافقة ساحقة على ضرورة زيادة وعي المجتمع لحقّ المرأة في التمثيل السياسيّ اللائق؛ حيث وافق على ذلك 88% من المشاركين/ات في البحث. فيما اعتبر التهديد من قبل النساء بالمقاطعة (37,5%) الوسيلة الأقلّ نجاعةً لرفع نسبة تمثيل النساء.
تمايزت المواقف من أشكال العمل التي يجب تبنّيها والمواقف من العمل السياسيّ للمرأة حسب عوامل الجنس والوضع الاقتصاديّ. فبينما أبدى 70,2% من الذكور التأييد أوالتأييد الواسع لانخراط المرأة في العمل السياسيّ والاجتماعيّ فإنّ 86,0% من النساء أبدينَ تأييدهنّ أو تأييدهنّ الواسع لذلك. كما أبدى ذوو الدخل المرتفع موقفًا أكثر ليبرالية تجاه العمل السياسيّ للمرأة، فقد عبّر 58,8% من المستطلَعين/ات من ذوي/ات الدخل المرتفع (أكثر من6,500) عن رفضهم أو رفضهم التامّ لتفضيل إبقاء القيادة السياسية بيد الرجال، فيما عبّر عن الموقف نفسه 61,7% من ذوي الدخل العاديّ (ضمن المعدل 6,500) وانخفضت النسبة إلى 50% بين الفئة التي صرّحت بأنّ دخلها يقلّ عن 6,500 ش.ج، شهريًّا.
المواقف من قضايا الزواج
إعتبر 98,1% من المستطلَعين/ات أنّ أكثر العوامل المؤثّرة أو المؤثّرة جدًّا في نجاح العلاقة الزوجية هو احترام الزوجين بعضهما بعضًا، فيما اعتبر 95% حرية الفتاة في اختيار شريك حياتها من أهمّ العوامل التي تساهم في نجاح العلاقة الزوجية، ورأى 94,9% أنّ التكافؤ في المؤهّلات العلمية بين الرجل والمرأة يساهم في نجاح العلاقة الزوجية. واعتبر 54,6% من المستطلَعين/ات أنّ سنّ الزواج الأكثر ملاءمة للفتاة هي بين 22-25 عامًا، فيما اعتبر 35,8% أنّ السنّ الأكثر ملاءمة هي 18-21 عامًا. كما أظهر الاستبيان أنّ هناك اختلافًا واضحًا بين سنّ الزواج المفضّلة للشاب وسنّ الزواج المفضّلة للفتاة؛ حيث رأى 72% من المستطلَعين/ات أنّ سنّ الزواج الأكثر ملاءمة للشاب هي فوق 26 عامًا مقابل 8% ممن فضلوا هذا الجيل لزواج الفتاة. وتأثّرت المواقف من زواج الأقارب بجيل المستطلعين؛ فقد أبدت الفئات الأكثر شبابًا موقفًا أكثر رفضًا لزواج الأقارب من الفئات العمرية المتقدّمة. ففيما أيّد وأيّد جدًّا 32,8% من الفئة العمرية الشابة، 18-28 عامًا، زواج الأقارب، ارتفعت النسبة إلى 38,8% بين الفئة العمرية 51-61 عامًا، ووصلت إلى 54,7% بين من زاد عمرهم عن 62 عامًا. وبهذا، لا يكون أمامنا فرق فقط، بل فجوة تُراوح 22% بين الفئة الشابة والفئة المتقدّمة في السنّ. واعتبر 77,3% من المستطلَعين/ات مفهوم السترة العامل الأهمّ الذي يساهم في انتشار ظاهرة الزواج المبكّر لدى الفتيات. فيما اعتبر 75,2% من المستطلَعين/ات أنّ خوف الأهل من عدم زواج ابنتهم يؤثّر تأثيرًا كبيرًا جدًّا أو تأثيرًا كبيرًا في انتشار الظاهرة. وأشار 68,7% من المستطلَعين/ات إلى أنّ رغبة الرجل في الزواج بفتاة صغيرة السنّ هو عامل ذو تأثير كبير إلى كبير جدًّا في انتشار هذه الظاهرة.
كما أبدى 65,1% من المستطلَعين/ات تفهّمهم لزواج الرجل بأكثر من امرأة في حال لم تتمكّن المرأة من الإنجاب. وعبّر 49,1% من المستطلَعين/ات عن تفهّمهم لذلك في حال أصيبت الزوجة بمرض مزمن. كما أعرب 13,3% من المستطلَعين/ات عن تفهّمهم لذلك في حال كان الرجل يتمتّع بإمكانيّات مادية، فيما تفهّم 10,6% من المستطلَعين/ات زواج الرجل بأكثر من امرأة في حال كانت "المرأة" تنجب الإناث فقط.
الموقف من الطلاق
إنقسمت آراء المستطلَعين/ات في مدى تفهّمهم للحالات التي تطلب فيها المرأة الطلاق، فقد أبدى 56,7% من المستطلَعين/ات تفهّمهم أو تفهّمهم الكبير لطلب المرأة الطلاق في حال كان الرجل مريضًا نفسيًّا، فيما أبدى 42,3% عدم تفهّمهم أو عدم تفهّمهم البالغ لذلك، كما أبدى 79,7% تفهّمهم لذلك في حال كان الزوج يعنّف زوجته، فيما أبدى 67,1% تفهّمهم إذا تزوّج الرجل بامرأة ثانية. وكانت أقلّ نسبة تفهّم لطلب الطلاق في حال كان الرجل عاجزًا جنسيًّا؛ حيث بلغت النسبة 39,5% بين مَن أبدوا استعدادًا لتفهّم كبير أو كبير جدًّا لذلك، فيما عبّر 60,5% عن تفهّم ضئيل أو ضئيل جدًّا.
أمّا في حال حدوث الطلاق، فقد ظهر أنّ الأغلبية الساحقة ما زالت تفضّل الاحتكام إلى المحاكم الدينية بدلاً من المدنية؛ إذ رأى 77% من المستطلَعين/ات أنّه يجب اتباع قواعد المحكمة الدينية، فيما رأى 23% أنّه يجب اتباع القانون المدنيّ. تجدر الإشارة إلى تأثّر الموقف من القانون الذي يجب اتباعه بالمستوى التعلّميّ للمستطلع/ة؛ فقد رأى 14,8% فقط من حملة الشهادة الابتدائية ضرورة اتباع القانون المدني، ووافق على ذلك 20,9% من حملة الشهادة الثانوية، وارتفعت النسبة إلى 36,7% بين حملة الشهادات العليا. وأظهر الاستبيان أنّ الموقف من التطبيق يتأثّر كذلك بالسنّ؛ إذ أبدت الفئة الشابة والمتوسّطة العمر تقبّلاً أكبر لتطبيق القانون المدنيّ؛ حيث عبّر عن ذلك 26,0% من فئة 18-28 عامًا، وارتفعت النسبة إلى 28% بين فئة 40-50 عامًا، فيما بدأت بالانخفاض بعدها لتصل إلى 18,7% بين فئة 51-61 عامًا، وحتى 11,5% بين الفئة العمرية التي زاد عمرها عن 62 عامًا.
الشيفرات السلوكية
إنّ المواقف الإيجابية من حقوق المرأة في التعلّم، العمل، الحماية من الاعتداءات والعنف، لا تعني أنّ المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل قد تجاوز جميع المعيقات والمعتقدات المتعلّقة بالأدوار الاجتماعية المتوقعة من الجنسين، إذ كشف البحث، في المقابل، عن رسوخ مجموعة كبيرة من القيم والمعتقدات الاجتماعية التي تقف في صلب حرمان المرأة من تحقيق إنسانيّتها التامّة أو من التمتّع بحقوقها. وأظهر البحث أنّ المفاهيم المتعلّقة بالشيفرات السلوكية، مثل العِرض، الشرف والسمعة ما زالت شيفرات أساسية تحظى بالدعم الكبير وتُعتبر خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها. من هنا، فإنّ فهم التقبّل المجتمعيّ لحقوق المرأة هو غير ممكن إلاّ في سياق ربطه بهيمنة الفكر الأبويّ المؤسّس لا خارجه، وبوصفه توجّهًا إصلاحيًّا وتصالحيًّا ضمن الحدود الأبوية لا ضدّها، وهو ما يبدو واضحًا من خلال المواقف الإيجابية شبه التامّة من حقّ المرأة في التعلّم مقابل الانقسام في المواقف من منحها الحرية التامّة.
العادات والتقاليد
أظهر البحث أنّ المجتمع يرى أنّ العادات والتقاليد (47,1%) وعقلية الرجال (47,7%) ثمّ عدم الاستقلالية الاقتصادية للمرأة (37,1%) هي أكثر العوامل عرقلةً للمساواة بين الجنسين، وكان من المثير أنّ المشاركين فصلوا بين العادات والأعراف والقيم الدينية؛ إذ اعتبر 31,1% الأخيرة أنّها تُعيق المساواة التامّة بين الجنسين. كما أعطيت البُنية البيولوجية نسبة قريبة (32%) فكانت من أقلّ العوامل التي رأى المجتمع أنّها ذات تأثير، ويعني ذلك أنّ المجتمع يعي أنّ العائق الاكبر لا يكمن في بُنية المرأة البيولوجية او القيم الدينية ، بل في الثقافة بما تحويه من قيم وعادات، وفي عقلية الرجل التي تتبلور في ظل الثقافة, غير أنّ هذا الاعتراف هو اعتراف إشكاليّ بحدّ ذاته، إذ إنّه يفترض أوّلاً إمكانيّة الفصل التّام بين القيم الدينية والثقافيّة وهو فصل يكاد يكون من المستحيل القيام به بسبب التشابك الكبير بين المجالين. وثانيًا لأنّ الاعتراف بأنّ الثقافة تعيق المساواة لا يعني بالضرورة رفض هذه الثقافة؛ ونجد خير تجلّيات ذلك في المواقف التي ظهرت في المجموعات البؤرية والمقابلات المعمّقة؛ حيث كان التّركيز على أهميّة احترام الثقافة من جهة، وضرورة التقيّد بالخطوط الحمراء لهذه الثقافة من جهة أخرى، وهو ما تمّ التعبير عنه من خلال التشديد على خصوصية الثقافة العربية من حيث اهتمامها بالشرف والسمعة والانضباط السلوكيّ واختلافها بذلك عن ثقافات أخرى.
تأثّر الموقف من العادات والأعراف بالانتماء الجغرافيّ؛ فقد اعتبر 61,6% من المستطلَعين/ات من منطقة النقب الأعراف والتقاليد مؤثّرة إلى حدّ كبير على منع المساواة الكاملة بين الرّجل والمرأة في إسرائيل، كما عبّر عن الموقف نفسه 48,4% من الجليل و 45,1 % من المدن المختلطة مقابل 36,1% من المثلّث. تجدر الإشارة، هنا، إلى أنّ الإقرار بأنّ الأعراف والعادات هي من أكثر العوامل التي اعتبرها سكّان النقب ذات تأثير سلبيّ في مكانة المرأة لا يعني أنّ المجتمع يُقرّ، بالضرورة، بأهميّة قلبها، بل قد يكون الإقرار بواقع موضوعيّ ومعرفة أنّ العادات والأعراف هي من أكثر الأدوات التي تعمل على إنتاج وإعادة إنتاج العلاقات غير المتساوية بين الجنسين. كما أظهر البحث أنّ الموقف من العادات والتقاليد متأثّر بالواقع الاقتصاديّ للمستطلع/ة؛ حيث أبدى ذوو الدخل العالي موقفًا مؤيّدًا أكثر لاعتبار العادات والتقاليد معيقًا لتحقيق مساواة النساء؛ إذ رأى 57,5% من ذوي الدخل المرتفع (أي أكثر من 6,500 ش.ج) أنّ العادات والتقاليد تُعيق المساواة إلى حدّ كبير، في حين انخفضت النسبة إلى 49,1% بين ذوي الدخل الذي يقع ضمن المعدّل، وانخفضت النسبة إلى 43,1% بين ذوي الدخل الذي كان دون المعدّل. كما أظهرت نتائج البحث وجودَ تباين كبير بين المستطلَعين/ات حسب المستوى التعلّميّ للمستطلع/ة؛ إذ رأى 37,2% من ذوي التعلّم الابتدائيّ أنّ الأعراف والتقاليد تؤثّر كثيرًا في عرقلة المساواة بين الجنسين، وارتفعت النسبة إلى 48,8% بين الثانويّين ووصلت إلى 54,8% بين الجامعيّين/ات.
الموقف من العنف موقف مرتبك
كان من أكثر الأشياء الدالّة على تمفصل الموقف من قضايا المرأة في نوع الحقوق المطروحة - فيما إذا كانت متعلقة بالحقوق العينيّة والاحترام أو بكونها متعلقة بالموقف من العلاقات التفاضلية بين الجنسين - هو التأكيد على حقوق المرأة في العمل والتعلّم وتنمية الشخصية القويّة من جهة، وما يعنيه ذلك من تسامح وإيجابية، مقابل رسوخ القيم المتعلّقة بالعادات والتقاليد التي تساهم في قمع المرأة، مثل تفهّم القتل على خلفيّة ما يسمّى "شرف العائلة" وضرورة التقيّد بالقيم الثقافية المتعلّقة بالعِرض، الشرف والسمعة، وقد تمّ الإسهاب فيها خصوصًا في المقابلات. وفي حين أبدى المجتمع المستطلَع تأييده لحماية المرأة من العنف، فقد أبدى تفهّمه للعنف في بعض الأحيان.
إعتبر 93,8% من المستطلَعين/ات ضرورة العمل على مواجهة العنف ضد الفتيات والنساء، بما في ذلك العنف الجسديّ والكلاميّ والجنسيّ، لكون الأمر مشكلة اجتماعية، فقد أبدى أكثر من 79% من المستطلَعين/ات تفهّمهم لطلب المرأة التي تتعرّض للعنف من قبل زوجها للطلاق، غير أنّ نسبة غير بسيطة على الإطلاق ما زالت تتفهّم ضرب النساء. فقد أبدى 36,8% تفهّمهم أو تفهّمهم في بعض الحالات لضرب المرأة إذا لم تكن تعتني بأطفالها، وأبدى 37,9% تقهّمهم أو تفهّمهم في بعض الحالات لضرب المرأة إذا غادرت بيت الزوج من غير علمه، فيما عبّر 26,6% عن التفهّم أو التفهّم المشروط في حال نشوب خلاف بين الزوجبن، كما أبدى 22,2% الموقف نفسه في حال كان الخلاف مع عائلة الزوج.
من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى وجود تناقض ما بين عدم تفهّم ضرب الزوجة التي ترفض إقامة علاقة جنسية مع زوجها (%76,3) مقابل الموقف الذي أبداه المجتمع من عدم اعتبار إجبار الزوجة على إقامة العلاقة الجنسية اغتصابًا، فقد اعتبر 23,4% من المستطلَعين/ات أنّ إجبار الزوج للزوجة على إقامة علاقة جنسية لا يعتبر اغتصابًا لأنّه حقّ من حقوق الزوج، فيما اعتبر 35,4% أنه وعلى الرّغم من عدم أحقيّة الزوج في عمل ذلك إلا أنّ الأمر لا يُعتبر اغتصابًا، أي أنّ 58,8% رأوا أنّ إجبار الزوج لزوجته على إقامة علاقة جنسية لا يعتبر اغتصابًا. وتجدر الإشارة هنا إلى وجود تفاوت بين وجهات النّظر في ما يتعلّق باعتبار إجبار الزوج للزوجة على إقامة علاقة جنسية اغتصابًا في إجابات الرجال مقابل النساء، فقد اعتبر 28,5% من الرجال أنّ هذا الأمر هو أحد واجبات الزوجة في مقابل 18,3% من النساء، فيما اعتبر 35% من الرجال أنّ ذلك يُعتبر اغتصابًا مقابل 47% من النساء.
أما في ما يخصّ الموقف من جرائم الشرف فقد أبدى 30.5% من المستطلَعين/ات تفهّمهم لعملية القتل على خلفية ما يسمّى "شرف العائلة". ومن المهمّ هنا لفت الانتباه إلى الفروق والتباين في الإجابات بين الجنسين. لقد أبدى 37,9% من الذكور تفهّمهم وتفهّمهم الكبير للقتل فيما انخفضت النسبة بين النساء إلى 22,1% ممّن أبدينَ تفهّمًا. كما تأثّر الموقف من جرائم الشرف بالمستوى التعلّمي والانتماء الجغرافيّ للمستطلع، وكذلك بالمكانة الاقتصادية، ففي حين إبدى 43,3% من حملة الشهادة الابتدائية تفهّمهم أو تفهّمهم الكبير لهذه الجريمة، فقد أبدى 29,1% من حاملي وحاملات الشهادة الثانوية تفهّمهم وتفهّمهم الكبير لذلك، وانخفضت النسبة إلى 20,5% بين حاملي وحاملات الشهادات الجامعية. كما أظهر البحث أنّ الجماعات االميسورة تبدي تفهّمًا أقلَّ لجرائم الشرف، إذ عبّر 22.1% من ذوي الدخل الذي يزيد عن 6,500 ش.ج عن تفهّمهم أو تفهّمهم الشديد لجرائم الشرف، وعبّر 21,4% من ذوي الدخل الذي يقع ضمن المعدل (6500 ش.ج) عن نفس الموقف، وارتفعت النسبة إلى 36% بين ذوي الدخل الذي يقلّ عن 6,500 ش.ج، شهريًّا. وأظهر الاستبيان أنّ المواقف من جرائم الشرف لا تختلف بشكل كبير بين المستطلَعين/ات في المثلّث والجليل والمدن المختلطة، غير أنّ الموقف اختلف في النقب حيث عبّر 52,7% عن تفهّمهم أو تفهّمهم الكبير للقتل على خلفيّة ما يسمّى "شرف العائلة"، وفي المقابل عبّر 29,4% من المستطلَعين/ات من الجليل عن تفهّمهم أو تفهّمهم الكبير لهذا القتل، كما أبدى الموقف نفسه 28,3% من المستطلَعين/ات في المثلّث، و 23,0% وهي أقلّ نسبة للتفهّم بين المستطلَعين/ات من المدن المختلطة. كما تظهر نتائج الاستبيان أنّ حفاظ المرأة الفلسطينية على عذريّتها قبل الزواج ما زال يُعتبر عاملاً هامًّا جدًّا بل إنّ الانفصال عن الزوجة في حال اكتشف الزوج عدم عذريّتها هو انفصال مقبول ويتفهّمه المجتمع، فقد أبدى المستطلَعون/ات من المناطق الجغرافية المختلفة تفهُّما لانفصال الرجل عن المرأة إذا اكتشف بعد زواج منها أنّها غير عذراء؛ فقد عبّر 76,8% من المستطلَعين/ات في النقب عن موافقتهم أو موافقتهم الشديدة على انفصال الرجل، فيما عبّر عن الموقف نفسه 68,6% من الجليل و 62,9% من المدن المختلطة وقلّت النسبة إلى 55,7% في المثلّث.
كما تمايزت المواقف فيما يخصّ الموقف من عذرية الفتاة أو عدم عذريّتها حسب الفئات العمرية المختلفة، فقد أبدت الفئات الشابة رفضًا أكبر للانفصال عن الفتاة في حال تبيّن عدم عذريّتها. وبلغت نسبة الرافضين بين الفئة العمرية 18-28 عامًا ما يساوي 37,5% وكانت تشبه النسبة لدى أبناء سنّ 29-39 عامًا، حيث وصلت إلى 38,9%، وانخفضت إلى 30,6% بين أبناء سنّ 40-50 عامًا، ووصلت إلى 27,5% بين فئة 51-61 عامًا، لتنخفض إلى 16,3% بين الفئة العمرية التي يزيد عمرها عن 62 عامًا، وهو ما يتيح لنا أنّ نلاحظ بوضوح وجود فجوة كبيرة بين الأجيال الشابة والأجيال المتقدّمة في السنّ.
مواجهة العنف
إنقسمت الآراء فيما يتعلّق بالأساليب التي من الممكن أن تستخدمها المرأة من أجل التعامل مع فضية العنف في داخل العائلة. ففي حين كانت أكثر الوسائل التي تمّ تأييد استخدامها هي الاستعانة بالعائلة أو بأحد الأعيان (87,9%)، كانت النسبة الأدنى هي تأييد مغادرة البيت (22,3%). كما أكّد الكثيرون/ات ممّن جرت مقابلتهم/نّ على أهمية تتبّع التدرّج في مواجهة العنف ضدّ النساء في العائلة. وبدا واضحًا أنّ خيار التوجّه إلى الشرطة في حالة العنف الجسدي داخل العائلة لا يحظى هنا بتأييد كبير، إذ أيّدته نسبة تبلغ 33% فقط، غير أنّ الدراسة أظهرت وجود تباين في دعم الأساليب التي يجب اتّخاذها في حال تعرّض المرأة للعنف الجسديّ مقابل العنف الجنسيّ، فخلافًا للتردّد الذي أبداه المستطلعون/ات بشأن التوجه الى الشرطة في حالة العنف الجسدي، عبّر المستطلَعون/ات عن تأييد كبير لتدخّل الشرطة في حال تعرّض الفتاة لاعتداء جنسيّ داخل الأسرة (53,6%)، وكذلك التوجّه إلى العاملة الاجتماعية (56,0%) والتوجّه للجمعيّات النسوية (49,1%). أمّا في حال تعرّضت المرأة لاعتداء جنسيّ من قبل غريب فقد ارتفعت النسبة، إذ أبدى 70,9% نصحهم الكبير للتوجّه الى الشرطة، ونصح 63,1% بالتوجّه إلى العاملة الاجتماعية، كما نصح 58,9% بالتوجّه الى الجمعيات النسوية.
الجمعيّات النسائية
في ما يتعلق بالجمعيات النسائية ومعرفة المجتمع بالخدمات المتوافرة لمساعدة ضحايا العنف، فقد اقترح المشاركون/ات في المجموعات البؤرية والمقابلات المعمّقة مجموعةً من الاقتراحات التي قد تسهم في تطوير الأداء المهنيّ للمراكز والجمعيّات النسائية، حيث تراوحت الاقتراحات بين اقتراحات عينيّة واقتراحات بنيويّة. وشملت الاقتراحات العينية ضرورة العمل على التوعية المجتمعيّة للجنسين وعدم التركيز على النساء وحجبهنّ لأنّ هذا الأمر يخلق اغترابًا بين الجنسين ويعمّق الفجوة. كما اقترح البعض ضرورة تنظيم دورات تثقيفية للرجال حول حقوق النساء وتدعيم تعليم النساء وفتح دور الحضانات وتوفير أماكن عمل. أمّا في الجانب البنيويّ فقد أكّد/ت المشاركون/ات على ضرورة أن تميِّز الجمعيات النسائية بين الأهداف العمليّة والاستراتيجية وبين الأهداف النسوية والنسائية، وأن تحدّد رؤية استراتيجية للحركات النسائية ويتم تقاسم العمل بين الجمعيّات والمراكز.
وقد أظهر الاستبيان أنّ 62,6% من المشاركين/ات في الاستبيان على معرفة بوجود الجمعيات النسائية، فيما أشار ما نسبته 53,8% إلى أنّ هذه الجمعيّات تنشط أو تنشط أحيانا في بلدهم/نّ.
بين الدّولة الغابنة والمجتمع الأبويّ
إذا ما قارنّا بين الموافقة المجتمعية المبدئية والمتقبّلة لعمل المرأة كما بدت لنا في هذا البحث وبين واقع تشغيل النساء لظهر لنا أنّ ثمّة ما يعرقل التنفيذ الفعليّ للرغبة في العمل، وهو مجموعة من العوامل السياسية البنيوية التي لا ترى في المرأة الفلسطينية هدفًا مشروعًا في برامجها. إنّ المرأة الفلسطينية بحكم كونها تنتمي إلى أقلية مقموعة تتأثر أولاً بسياسات الدولة القمعية وممارساتها الغابنة تجاه هذه الأقلية، حيث ما زالت تفتقر أكثرية القرى والمدن العربية إلى فرص التشغيل المناسبة، وإلى الخدمات الجماهيرية كالمواصلات المنظّمة من القرى العربيّة إلى المدن القريبة، ولا تتوافر دور الحضانات التي تضمن إيجاد مكان مريح للطفل في ساعات عمل الأم. من هنا فإنّ المرأة العربية في إسرائيل لا تواجه الموروث الاجتماعيّ الذي يتعامل معها بوصفها أدنى مرتبةً من الرجل ويجب مراقبة سلوكيّاتها والاهتمام بألا تخرج عن الدور الجنسويّ المعدّ لها فحسب، بل تخبر على جسدها معنى انتمائها لأقلية فلسطينية مقموعة، فهي تحرم من العمل لأنّ الدولة لا تخلق فرص عمل في بلدها، وهي معرّضة للحرمان من التعلّم لأنّها تسكن في قرية غير معترف بها لا توجد فيها مدرسة البتّة، فالتعليم بوصفه حقًّا مقبولاً يحظى بأهمية مبدئية من قبل المجتمع لا يتوافر أمام جميع النساء، وهو ما يعني حرمانها من فرصة التحوّل الجدّي في مسار حياتها، إذ إنّ إحجام الدولة عن خلق فرص العمل في القرى والمدن الفلسطينية، وتدخّلها السّافر في منع الاعتراف ببعض القرى، وبالتالي إخلاءها من المؤسّسات، يؤدّي، عمليًّا، إلى إرجاء فرص تغيير مكانة المرأة الى أجلٍ غير مسمّى، ويساهم في انتشار ظاهرة الزواج المبكر، إذ إنّ المرأة التي تعيش في ظلّ انعدام فرص التعليم، أو العمل وتنحصر حياتها في بيتها، تجد نفسها بين أحد خيارين لا ثالث لهما هما الزواج أو انتظار الزواج. إنّ غياب الدولة في هذه الحالة هو ليس غيابًا سلبيًّا بل غيابًا فاعلاً، عبر مصادرة إمكانيّات تغيير المكانة الاجتماعيّة للمرأة. فحرمان المرأة من التعلّم هو تدخّل فاعل من أجل سدّ الطرق أمامها في تلقّي التحصيل العلميّ العالي، وإدخالها في مسار الإعداد للزواج المبكّر. ويبقى أنّ هذا الغياب الفاعل للدولة هو غياب ينتج دورةَ قمع المرأة وينشّط عوامل ترسيخ دونيّتها. إنّ تلاقي المجتمع الأبويّ المُحافظ مع الدولة العنصرية يساهم في تكثيف العراقيل البنيوية أمام تحرير النساء، ويبقيهنّ أسيرات واقع غابن.