أحدث الأخبار
الأحد 02 حزيران/يونيو 2024
عواقب وخيمه : وطن على وتر راتب!!

بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 19.07.2012

يعجب المرء من هشاشة وسذاجة الوضع الفلسطيني المهلهل عندما يكتشف ان امور عاديه وبسيطه وروتينيه لم تُفعل بعد مرور ثمانية اعوام على وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات, حيث يعتقد الكثيرون انها وفاه غير طبيعيه و كانت محط شبهه من قبل الجميع منذ ظهور اعراض المرض على عرفات ومرورا بتدهور صحته وحتى نقله الى باريس ووفاته عام 2004 , وما يثير الاستغراب ان قضية التقصي اللتي قامت بها قناة " الجزيره" لم تكن بالمهمه الصعبه ولا المعقده وكان بامكان الجانب الفلسطيني القيام بهذا الامر قبل عدة اعوام وقضية عرفات هي ليس الوحيده التي هلهلتها السلطه الفلسطينيه لابل ان كامل مقومات القضيه الفلسطينيه تعرضت الى هلهله وإهمال كان وما زال وقعه شديد على واقع الشعب الفلسطيني ليس في الضفه والقطاع والقدس فحسب لا بل على كامل مكونات وقطاعات الشعب الفلسطيني وطنا ومهجرا والحديث يدور هنا عن ظاهرة الهلهله والترهل اللتي اصابت جميع انحاء الجسد الفلسطيني الذي صار حمله ما فوق حمل جمل المحامل المثابر والصابر على امر من الصبر وعلى اكثر من امر.. ياجبل ما هزك ريح كانت من مقولات ابوعمار الشهيره, لكنه كان يجهل حقيقة ان "البولونيوم" يهز الجسد ويطيح بالجبل حتى لو كان الجبل ابوعمار نفسه الذي صمد في المقاطعه صمود الجبال الشامخه حتى في خضم نهش السم جسده وروحه وهو يعيش في وسط ومحيط فلسطيني وعربي خائن ومتخاذل..ياريتك تصحى يا ابوعمار لو للحظه واحده لترى ما جرى للساقط حسني مبارك الذي حاصرك وسيَّر لك جنازة صوريه في القاهره والان وبعد انقضاء ثمانية اعوام على رحيلك أنَّ لشعبك ان يعرف من هو الخائن ومن هو القاتل وهو بالمناسبه ليست خائن و قاتل واحد او اثنين لابل انه جيش من القتله المحليين والاقليميين والعالميين الذين حاصروا ابوعمارعلى مدى اعوام في المقاطعه .. !
..كلها مجتمعه غرزت مخالبها في لحم وروح ابوعمار الذي مضى الى جوار ربه غير مصدق بان ايادي الغدر قد وصلت اليه وزرعت في جسده بذرة المرض ليموت ولا يحيى ثانيه.. الكثيرون ادركوا انذاك 2004 ان تشويحة ابوعمار من الحوَّامه في مقاطعة رام الله كانت التشويحه الاخيره والوداع الاخير والمفارقه ان ابوعمار عاد بعد عدة اسابيع جثمانا هامدا داخل حوَّامة اخرى حطت بين الجموع دون تشويحه.. حمل الفلسطينيون جثمان ابوعمار واوروه التراب في رام الله كمحطة اولى على ان ينقل لاحقا للدفن في القدس حين سماح الظروف وجلاء الاحتلال وظن ا لكثيرون انذاك ان عرفات قد مات ولن ينبش قبره ورفاته من جديد الا في طريقه الى مثواه الاخير في القدس..نسينا ما تناسيناه غفلة وقصدا وهو امكانية وجود محطة اخرى قبل القدس وهي احتمال نبش قبر عرفات واخراج رفاته لفحص اسباب وفاته؟...غير مفهوم وغير واضح حتى اليوم: لماذا لم يفحص الامر انذاك واخذ عينات من جثمان عرفات لفحصها؟.. ولماذا فقط الان وبعد مضي ثمانية اعوام تنبه القوم لهذا الامر؟..سيقول قائل انه " تقرير فضائية الجزيره"! وهذا القول ليست صحيح ولا دقيق لان القوم ببساطه ارادوا دفن عرفات وانهاء ملفه والتخلص منه نهائيا وارادوا تهميش الامر لتخليص القاتل والمأجور والعصابه بكاملها من مسؤولية جريمة قتل بشعه جرت على مراحل وتطورت وتدحرجت منذ حصار عرفات في المقاطعه عام 2002 وحتى وفاته عام 2004 وقد تخلل هذا الحصار نداءات كثيره لما يسمى بالعالم المتحضر بضرورة الافراج عن الختيار الذي تقدم في السن كثيرا واضناه السفر والحصار والغدر الفلسطيني والعربي اكثر من الصهيوني الذي كان يقارعه ويعرفه على مدى عقود من الزمن وكلنا يتذكر ثورة " الطناجر" الشعبيه الفلسطينيه التي هبت لنصرة عرفات في محاولة فك حصاره, لكن هنالك من كان له هدف مبرمج في اخماد هذه الهبه وعدم استمرارها..بكل بساطه الاطراف المشاركه في الاغتيال البطئ قسمت الادوار فيما بينها وتركت عرفات ينزف الى ان تأكدت من نقطة اللا عوده ونقلته الى باريس ليموت فقط..يموت فقط..كان عرفات قد وصل محطته الاخيره ليموت وليس ليعيش ثانيه و امكانية انقاذ حياته كانت صفر بعدما افترس الغامض الواضح اعضاء جسده واحدا تلوى الاخر حتى وصل الدماغ..نزف عرفات نزفته الاخيره وتوفي وفاة غامضه.. كل عظمة هذا المتوفي وهول غموض وفاته لم تشفع له بانصاف حقيقة اسباب الموت ولم تكن حتى بمثابة محفز لمن ورثوه في الحكم بان يحققوا في الامر ويلاحقوه بجديه حتى النهايه..القوم راهنت على النسيان والواقع ومقولة مات عرفات وعاش الراتب.. التحقيق في وفاة عرفات لا يجلب لا راتب ولا رضى امريكا واسرائيل في حين ان الصمت وهلهلة الامور يجيد على القوم برواتب ومناصب وهبات المانحين..
.. ابقوا معنا ولاحظوا عبودية الراتب والمانحين... الوطن والشعب والارض وعرفات وكل مقومات القضيه الفلسطينيه صارت سلعه يتاجر بها المانح والممنوح لابل ان الاحتلال نفسه يتاجر بهذه السلعه وينهب الارض ويحرق الزيتون ويمنع الناس حتى من الصلاه في الاقصى وعن بقية ماهو حاصل حدث بلا حرج.. الوطن كل الوطن الفلسطيني معلق على اسنان رماح الراتب.. الوطن كل الوطن يدندن على وتر الراتب... المهم راتب وبس.. الثمن مش مهم...يمَّه ياحبيبي بطلنا نحن اليوم اغنية وين على رام الله.. صارت وين على رام الله ووين الراتب...بدون مؤاخذه وبدون ان يعلموا هؤلاء الشجعان الذين يحرسون ضريح عرفات انو هناك امكانيه "انو" الضريح وصاحبه جزء من تدفق الراتب الشهري..إمكانيه وارده وليس خيال نص او كتابي يجيده قاصص وسارد قصص الخيال..هذا الواقع ونحن نحاول ان نقص أثره..قص أثر الجريمه وتتبع اثرها وفصولها افضل من الصمت عليها ثمانية اعوام..ثمانية اعوام فقط هي جزئيه من جريمه حدثت ضمن جريمه كبرى مستمره منذ عقود واستفحلت منذعقدين واكثر..عقود الراتب..عهد الراتب..عهد الثوره...عهد المنظمه..عهد اوسلو.. الان نحن في عهد وعصر الراتب..كل شئ معروض للبيع من اجل الراتب..وفاة عرفات.. الوطن.. الشعب.. القدس.. اللاجئين.... راتب وبس والباقي علينا : الشعب في اقفاص وكانتونات ومحميات محكمه باسوار شارون ونتانياهو وقوات دايتون ومولر والارض اللي بتشوفها اليوم ما بتتعرف عليها بكره الصبح..بتكُون صارت مستوطنه وجاره جديده لرام الله ونابلس والخليل والمقاطعه كمان... ابقوا معنا.. وهذا هو جزء ضئيل من حكاية وطن على وتر راتب..جماعتنا اللي في غرب الوطن متأملين في جيرانهم العرب من الجهه الغربيه..على خير والله عليم.. يمكن تزبط والله يفك رقاب الغزيين من الحصار واسعار الانفاق؟..مش فارقه بنستنَّى لاننا ببساطه جنرالات صبر وحصار!..جماعتنا اللي في شرق الوطن بيقولوا ما إلنا غير الله وامريكا والمفاوضات التجريبيه والمطاطيه والمانحين حتى نضمن الراتب والهيصه الشهريه..شُو وطن هذا وفلسطين وهذه الشعارات الفارغه الي ما بتطعم خبز!.. نُو راتب .نو خبز..شو هذا وطن والقدس وما بيعرف ايش وميش!.
.. راتب وبس ولا وطن ولا شحار بين...عسكر في المقاطعه وامامك سر ومكانك عد وهادول اللي بيتظاهروا ضد زيارة موفاز عندكم اياهُم بالعصا.. بالعصا على راسهم صبيه او صبي!..مش فارقه...كُلو ولا موفاز..ماهُو يعني الزلمه شو ذنبو انو اياديه ملطخه بدم الفلسطينيه؟..حتى لو كان صح!..هذا زمان في زمن الانتفاضات اللي خربَن بيتنا وقطعن عنا الراتب.. لا.. مش هيك!.. الحق يقال ماهو لُولا انتفاضة الحجاره عمركم مادخلتم الوطن ولا حصلتم راتب..هذا صحيح!..بس كمان كان ايام زمان زي قصة موفاز واليوم احنا ونحن وجماعتنا في عصر الراتب...شو بفرح القلب وانت واقف امام الة الصراف اخر الشهر وبتقبض راتب... المهم راتب..الوطن مش مهم وشعار ما بطعمي خبز وبطل ينفع..حتى المدفع بطَّل ينفع.. ويا ويلوا وظلام ليلو الي بيتظاهر من اجل الوطن..مغاوير دايتون و"مستعربي" رام الله جاهزين وعلى الراتب ساهرين...العيون الساهره على الوطن صارت حكايه مطاطيه وقديمه وما من وراها لا عيش ولا راتب!... الشعب يريد..هاذي مش عنَّا. ببساطه ماعنَّا شعب..مشرد.. مقسم.. محتل .. مقموع... مهجَّر..ثلثي الشعب وثلثي الوطن حاضر غائب..من اجل الراتب..كان وما زال عندنا احتلال واليوم صار عنَّا سلطة راتب وسلطة احتلال.. الاثنين مع بعض ينسقوا عملية استمرار الوضع كما هو والسيطره عليه في هذا الاطار المؤطَّر مقابل راتب..بالمناسبه السلطه الغربيه والسلطه الشرقيه قسَّموا فتات الوطن فيما بينهم وشرذموا وحدة الشعب جغرافيا وديموغرافيا..نحن نعيش في زمن الوطن والشعب المنسي واصلا لولا هذا القسم الكبير من الشعب المنسي لما كان شئ اسمه قضيه فلسطينيه... الحديث يدور عن تغييب قضية ثلثي الشعب والوطن من اجل الراتب ..اللذي تبقى اليوم من كل القضيه هو عجز وفساد وتسول الراتب...عبودية الراتب فرضت ورسخت شروط الاحتلال الى حد تجاوز كل الحدود وحين تنظر للقدس تجدها وقد غرقت بمعالمها التاريخيه في بحر من الاستيطان...حتى القدس صارت داخل منظومة الراتب...هذا هو الواقع الموجود على الارض وباقى ماتبقى هو كذب وشعارات مخادعه وتضليليه تهدف الى تأمين الراتب اخر الشهر..راتب..ازمه..انفراج والة صراف..ماتبقى من القضيه!.
..لا احد يتحدث عن الوطن وحتى الحديث عن مفاوضات مع الاحتلال الاسرائيلي هدفه النهائي تأمين الراتب وليس تحرير الارض .. راتب وغرف ومكاتب مكيفه وطخ كلام في الاعلام ومسح جوخ والقاب كارتونيه..من سيادة الرئيس الى معالي الوزير.. لاشئ سوى الالقاب والراتب...الارض والشعب في حالة ضياع وتيه ووكلاء وحُراس هذا التيه والضياع المبرمج فلسطينيون وليس اسرائيليون محتلون فقط...المحتَّل امر محسوم ومحدد ومعروف الاهداف وعلاقتنا معه تناحريه وتاريخيه, لكن الاخطر هو ثقافة الراتب اللتي نخرت عظام ومقومات القضيه... الى حد الان لا احد يريد ان يصدق ان هذا حدث !..لكنه حدث واصبح واقع وهو ان جزء من الفلسطينيين صاروا مرتزقه موضوعيين واسميين يعملون لصالح الاحتلال مقابل الراتب..منظومه شامله تعمل فقط من اجل الراتب واخر مايهمها هو الوطن والقدس والقضيه.. الامر تعدى حتى مفهوم ودور جيش لحد سابقا في جنوب لبنان..الموجود في بلاد التين والزيتون والزعتر اخطر بكثير من لحد وروابط القرى.. الامر يتعلق في هذه الحاله ببيع وطن كامل وقضية شعب كامل مقابل راتب ..الراتب وما ترتب عليه من عواقب وخيمه دمرت كيان ومعالم ووجدان القضيه.. عواقب وخيمه : وطن على وتر راتب!....التمجُق بالوطنيه والشعارات ما عاد ينفع ولا يشفع...حالنا سئ للغايه وسفينتنا تبحر في عرض البحر دون قبطان.. نحن ياسيداتي سادتي في حالة غرق مستمر..دوامة الراتب واكذوبة الانقسام الفصائلي تجرنا اكثر واكثر نحو مزيد من الغرق.. مجاذيفنا في ايادي الاحتلال والمانحين والممنوحين والشعب والارض صارا هوامش راتب....وجود او لا وجود..هذا هو الواقع..إما الراتب او ترتيب الاوراق..اوراق القضيه .. الخريف الفلسطيني الطويل في زمن الربيع العربي!!