أحدث الأخبار
الجمعة 03 أيار/مايو 2024
رؤى الواقع السوري .. دمشق، قبلتي الأولى!!

بقلم : كايد أبو الطيف* ... 04.04.2013

"نبني مجتمع ننشده وينتظرنا، وأبقى متفائلة لأنني أؤمن بالشعب السوري"، لينا العبد.
تختار لينا العبد، كل من أسماء كفتارو، و لينا شاشاتي رفيقات لها في مشوار الأسئلة الصاخبة في فيلمها الوثائقي "دمشق، قبلتي الأولى" (سنة 2012، مدة العرض 34 دقيقة، إنتاج وإخراج: لينا العبد). لتزجنا نحن المشاهدون الرجال في نفس الزاوية التي نركن/نركل فيهن كريماتنا عندما يطالبن بحقهن الإنساني في الحياة!.
الأولى مدرسة وناشطه إجتماعية وسياسية، تربي الأجيال على قيم الإسلام الحميدة برؤية طلائعية لا يتفق معها الكثيرون من الرجال ومن النساء اللائي يفكرن بمنطق الرجال، لكنها واثقة الخطى مؤمنة بما تفعله مرتكزة قواعد الدين. إنها السيدة أسماء كفتارو، حفيدة مفتي الجمهورية الراحل أحمد كفتارو وكريمة النائب محمد حبش.
أما رفيقة مشوار الأسئلة الثانية، فهي كما تدين أسماء بمكارم الأخلاق، فإنها تدين بالسلام. مع العلم انهن يعشن في عالم لا السلام والاخلاق فيه عادة مدعوره من غابر الزمان غير مرغوب فيها، سيدة أعمال مرموقه، وصاحبة بوتيك في أحد الأحياء الدمشقية الراقية. إبنة عائلة شاشاتي صاحبة النفوذ الكبير، وملاكة لاحدى كبرى المكتبات في سوريا، إنها لينا شاشاتي.
المخرجة الفلسطينية لينا العبد (نور الهدى 2010، توق 2011). كان لا بد لها من الخروج من دمشق سوريا، إلى بيروت لبنان التي شعرت في حينه بالضيق ولم يعد بوسعها التنفس براحة هناك. تعود طواعية لفكرها الذي رسمته دربا لها منذ فيلمها الأول. لتنجز عملها من نفس النقطة التي خرجت منها. عائدة بكاميرا الديجيتال ورزمة كبيرة من الأسئلة التي تؤرق مضجعها منذ نور الهدى. ولم تصل بعد للأجوبة كاملة.
للوهلة الأولى إختيار لينا العبد بطلتيها طبقة برجوازية تنئى بأميال عن الطبقة الوسطى في المجتمع السوري يستدعي الريبة والشك. هل المخرجة الثلاثينية التي رأت من الأضواء المبهرة والخافتة ما يكفيها، تقوم بإستلطاف الطبقة البرجوازية لتحظى بشيء من خيراتهم؟! هل لديها المناعة الفكرية لتقف صامدة دون الإنزلاق في وهج المال والأعمال؟! إن انزلقت لينا فلن تكون اﻷولى ولا الأخيرة، بالعكس فقد تحظى بما لا يحصل عليه "أزعم شارب في البلد كلها". والأمثله الحزينة في هذا الباب وافرة جدا ابتدأ من سويسرا التي تبعث ترسانات توثيق وفن وثقافة الى القبائل النائية في افريقيا وامريكا اللاتينية و.... الخ لجني كنوز وخيرات الأرض من المواد الخام التي استخرجت لتوها من الأرض باسم "الثقافة". نزولا إلى باريس وبرلين وفينيسيا وأمريكا بطبيعة الحال وهي سيدة المال التي تهنئ الا بالجشع. متابعة الفيلم ستفي لنا بصمودها وثباتها المتين ومصلحتها تفوق بكثير ما هو متعلق بالمال.
لينا العبد، التي ترعرعت في سوريا، وتعرف خبايا أمورها تأتي مع رزمة أسئلة ليست هينة أبدا في مناحي العيش والحراك لدى كل من أسماء كفتارو، و لينا شاشاتي بطلات الفيلم.
السيدة أسماء تريد حراكا، تطالب بالتغيير، تنشد التطور والإزدهار في مجتمع يجذبها على الدوام إلى الوراء، وإلى الصفوف الخلفية والمزوية عن أنظار الرجال، وأما هصا النحدي الشائك تحلم أن تكون سيدة ئوريا الأولى التي تذهب إلى عملها بدراجة هوائية (بسكليته)، وتأخذ حفيدة المفتي، إبنتها لتعلم الموسيقى. هل يوجد تناقض؟! وان كان موجودا فبأي حال، ومن وجهة نظر من تكون إنطلاقة حديثنا لنقلم له تطلعاته؟! هل استخدامنا هو.. هو البوق الذكوري الصارخ في هذه الحالات لمجتمع أبوي غاطس حتى أذنيه في العزوف عن الفكر والإجتهاد، متكئون بأريحية تامة لما أنجز قبل مئات السنوات في إجتهادات السلف الصالح. دون تمحيص لما كان مستشرفين به الحاضر والمستقبل. فالخزانة الإسلامية والعربية تنادي منذ قرون هلموا للعمل، فما الذي حدث لنا؟! لماذا الإجتهادات تعتمد بالأساس على الفروع وليس الأصول؟! هل هي سياسة مرسومة مسبقا، داخلية أم خارجية؟! من يتحكم في هذا الأمر؟! لماذا لم نشهد في الستة عقود الأخيرة رسالات بحث علمي في نيل الدراجات الأكاديمية العليا تحاكي الأصول وتعنى به عناية جدية وحقيقية؟! كل هذا يصب في مصلحة من؟! وبما أن مصادر التشريع الإسلامية المختلف عليها بين الجمعور والشيعة تقريبا هي نفسها بما بتعلق بالعقل والإجماع لكن ما يوحدنا متفق عليه بين جميع المسلمين وهو القرآن العظيم والسنة المشرفة. واقعنا اليوم وكل يوم نحن العامة، والخاصة وخاصة الخاصة انا فعلا نسير مغمضي العيون في طريق مرسوم لنا مسبقا، وقادة مسيرتنا هم المتنفعون إضافة لمزاجيات السلطة. الهذا الحد وصل بنا الهوان؟! إذن لماذا نتباكى انه تتكالب علينا الأمم؟!.
في المقابل تجلس لينا شاشاتي على أريكتها المريحة لتأخذ قسطا من والراحة أبان الذهاب أو العودة من مصلحتها التجارية، هنيئة بسيجارة مستوردة من بلاد الغلاء المعيشي، وفاغرة فاها للحلقة الدينية للشيخ في موعظته حول النساء غير قادرة على همس كلمة واحدة لما سمعته لتوها. والمخرجة لينا العبد لها بمرصاد من أسئلة هادرة متكررة، والسيدة شاشاتي تصرح أن زواجها الفاشل مرتين، هو حالة من حالات الإغتصاب المعترف بها كنسيا ومجتمعيا، مطلقة بذلك سيدة الأعمال قنبلة لا تقل عن تلك التي أطلقتها السيدة كفتارو التي أطلقتها آنفا بكل ما يترتب عليها كأنثى في مجتمع سلطوي فيه المرأة هي كومة من سواد تدب على الأرض من رأسها وحتى أخمص قدميها، وأنها لن تكون هذه المرأة أبدا، مترتبا ذلك في تربيتها النشأ في البيت والمدرسة، قائلا الله جميل يحب الجمال!. لينا شاشاتي تقول: الإنفصال يسمى طلاق، وأنا هي المطلقة في نظر المجتمع لا الزوجين، الذكر والأنثى.
وبما أن "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"، فلماذا الإكراه في الزواج؟! وإذا تحدثنا عن مجتمع يحتكم للحضارة العربية الإسلامية، فلا فرق إذن بين مسلم ونصراني ويهودي. لان المحرك العام هو المجتمع الذي يضمن الاستقالية العقائدية لكل مؤمن كائن من كان. لكننا نشهد نفس إنحناءة درب المنزلق في عدم التجديد أيضا لدى النصراني جار المسلم، فللأسف الكسل لا يفرق بين مسلم ونصراني ويهودي. والسؤال من يتحمل حالة الركود في الفكر المسيحي؟! بمسؤولية من تعلق؟! ومن مصلحة سياسة من الجمود الفكري؟! فكما أن السيد المسيح مؤيد بروح القدس كما جاء في سورة البقرة فلماذا لا نجد الحراك؟! ولماذا علم اللاهوت مقتصر على انجيل يوحنا المبشر؟! ماذا عن باقي الأناجيل؟! انجيل متى، انجيل مرقس، انجيل لوقا؟! لما كل هذا التباطؤ؟! لماذا سيد الموقف يكون القتل والعنف والتشريد والدمار؟! إسلام ونصارى متشبثين بالفروع تاركين الأصول، لماذا؟! في مصلحة من ولسياسة من؟!
بشائر الخير كانوا مع مفكرين قديرين، المفكر الدكتور يوسف زيدان والمفكر الدكتور عزمي بشارة. زيدان في مؤلفه اللاهوت العربي وأصول العنف الديني الذي يطرح فيه نظرة شمولية لواقعنا المركب من خلال علم اللاهوت المسيحي، وعلم الكلام الإسلامي. وفي تقديمه يبين الارتباطات المباشرة للدين والسياسة..والعنف!. بشارة في مؤلفيه الذين يعتبران بديلا أدبي وشعري في هذا الباب وهما "نشيد الأنشاد الذي لنا" و "فصول".
لينا العبد وأسماء كفتارو ولينا شاشاتي، يعين تماما أهمية دورهن في المجتمع، وخاصة من موقعهن المؤثر، وإستغلال ذلك في تحريك عجلة المجتمع قدما يد بيد مع الرجل ليس أمامه ولا خلفة، هن يعملن جاهدات من أجل تحقيق المراد، كما أن تركيب مفهوم شمولي للجمود الفكري هو ليس مقصور على فئة معينة بذاتها بل الحراك من كل اطياف المجتمع بكل طوائفه ومعتقداته.
جاء في كتاب الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه صاحب نهج البلاغة، لمالك الأشتر:
"ليكن نظرك في عمارة الأرض، أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة، أخرب البلاد وأهلك العباد.
استطاعت لينا العبد بحرفية وذكاء المخرج صاحب الرسالة والفكر بان تضع لنا كل هذه الاشارات على محور زمن الفيلم الشيق، فالمسؤولية هي مسؤولية الجميع في عمارة هذه الأرض.. أرض الله!
(جمادى الأول 1434، باريس)

*مدير عام مركز مجهول، دفيئة الثقافة من رهط النقب