أحدث الأخبار
الجمعة 03 أيار/مايو 2024
الأسود يليق بك’ لأحلام مستغانمي:عناق جبال الاوراس بالعناد الفينيقي!!

بقلم : الديار ... 17.04.2013

في روايتها الجديدة ‘الأسود يليق بك’ تواصل أحلام مستغانمي نسج حيوات أبطالها من لحم ودم محيطها القريب والبعيد. هو محيط لا يبخل في تزويد المبدعين للأدب بحكايات فيها من الألم فائض لا يحده شعور، وفيها رشّات متناثرة من الأمل يسعى إليها كثيرون.
انهمكت الكاتبة في رواياتها الثلاث، بتشريح مقطعي دقيق لمجتمعها الجزائري. خبرت في تلك الروايات اسلوباً منساباً يحرص على نقد تفصيلي للثورة، ما لها وما عليها. نعمها على فئة، وتنكرها لفئات. وفي جديدها تدخل الروائية إلى عالم الرواية العاطفية من باب أكثر اتساعاً، مع ربط طبيعي لشخوص الرواية بماضيها، بما فيه من تاريخ وجغرافيا، وعادات وتقاليد. إذاً جديد مستغانمي من بيئة تتعدى الجزائر، التي شكلت الحضن الدافئ والنبع المدرار لإنتاجها الروائي، الذي سبق ‘الأسود يليق بك’.
في رواية مستغانمي الجديدة محاولة لعناق بين جبال الأوراس وكبريائها، وبين ما يمكن تسميته بالعناد الفينيقي. هو بطل الرواية الثري الفينيقي ‘اللبناني’، الذي خضع لتحليل وتشريح الكاتبة، فتساءلت في جملة معبرة: هل أكثر فقراً من ثري فاقد للحب؟
عشرية الموت والقتل والإرهاب التي حكمت حياة الجزائريين في تسعينيات القرن الماضي كانت حاضرة بقوة في ‘الأسود يليق بك’. هالة الوافي ‘نجمة’ حكاية مستغانمي الجديدة صار الأسود محرمها، بعد قتل الارهابيين محرميها الأب والأخ. قتل والدها لأنه يحب الحياة، ويحب الغناء والعزف على العود. رصاصات اصابت رأسه وعوده وهو عائد من حفل زفاف. من ثم لم ينج أخوها من عقاب الموت نفسه، رغم خدمته في معسكر الإرهابيين كمتطوع طبي. حكايات معسكر الارهابيين وأساليب الموت التي استوطنته تقشعر لها الأبدان. كذلك يستوطن صفحات الرواية ذلك الأسى العميق من قانون العفو عن ساكني الجبال الإرهابيين.
درب العاطفة الذي سلكته رواية مستغانمي تمثل برجل ثري يطارد المغنية هالة الوافي بباقات التوليب، راسماً بهدوء ومن دون إلحاح من الزمن خطة اسقاطها في أسوار سطوته وماله. في أول وصف لهذا الرجل كان ‘خمسيني بابتسامة على مشارف الصيف، وبكآبة راقية..’ ومنذ اللقاء الأول في أحضان النيل انضمت هالة الوافي إلى ‘سلالة نساء الانتظار’. أما الرجل الذي يصنف نفسه ‘أنا سيد شهواتي’ فقد استدرجها رويداً رويداً وأقنعها بقوله ان ‘الجرأة ليست في أن تواجهي الإرهابيين، بل في أن تحاربي نزعتك لقمع نفسك، وإخراس جسدك، وتفخيخ كل الأشياء الجميلة بحروف النهي والرفض. الحياة أجمل من أن تعلني الحرب عليها.. حاربي أعداءها!
هالة الوافي نموذج أنثوي متمرد، تنتقم لكرامتها، حتى إن كان الآخر لا يفهم ‘تمردها على نعمته’. في ‘الأسود يليق بك’ توغلت رواية مستغانمي في ذاك الرابط الخفي الذي يجمع أهل الجزائر ببلاد الشام. وذاك التبادل في الزيجات والزيارات، خاصة الفنية منها. فحلب شكلت موئلاً ينهل منه فنانو الجزائر الاصيلين، كما والد هالة الوافي. تالياً كان لتداخل الانغام على أوتار العود، انعكاس على أوتار القلوب، فتشابكت. وهذا ما نلمسه توسعاً في المساحة الجغرافية لرواية مستغانمي بين الجزائر، الشام، حلب وبيروت.
لا بد من انتماء وموقف لكل رواية. وجدت مستغانمي في عشرية الموت الجزائرية مساحة أطلقت من خلالها جملة آراء وأفكار. كأن تقول: ‘ما دام القاتل على قناعة أنه يقتل بيد الله لا بيده’. وعادت لتقول في مكان آخر ‘لأن أمن الوطن لا يتحقق إلا على حساب العدل، عمّ السلام المدني، وأنفقد السلام الذاتي. فالضحايا ليست لهم صفة الضحية ما دام المجرم لا يحمل صفة المجرم.. وعلى آلاف المغتصبات أن يتحملن وحدهن عقاب ما أنجبن من لقطاء. وليبحث لاحقاً كل لقيط عن أب، فقد عفا القانون عن المغتصب!’.
قاسية ومؤلمة الاستنتاجات والتحليلات التي تثيرها أحلام مستغانمي عن عشرية الموت وقانون العفو. تترك في الأفق حيرة الموقف، لكنها تستدرج للاعتراف والموافقة على تعبيرها ‘جنون الغفران’. وعلى الضفة المقابلة كان الرجل الثري يواصل اشعال جنونه الموصول بمدى فاحش من الثراء. رجل متزوج وصاحب مرتبة مالية واجتماعية مرموقة جدا، يبحث عن نقص يعانيه في رجولته لكونه لم يرزق بولد، علّه يجده في المغنية هالة الوافي، التي لم تكن سهلة في سعيه لاستملاكها واجتياحها من دون وعد بالزواج. ومن خلال هذه العلاقة غير الندية أطلقت الكاتبة جملة حكم منها ‘لا أفقر ممن يفتقر إلى الخيال’. أوليس خيالنا نحن العرب واحدا من مصائبنا الكبرى؟ ومن حكمها كذلك ‘الشموخ أمر آخر، يوجد في رأس المرء… لا فوق رأسه’.
جذابة رواية مستغانمي، مشغولة بأنغام من حب، ووطن، وشباب يبحر بحثاً عن موت في قعر البحر، أو في فك حوت، أو يحالفه الحظ بالوصول إلى ضفة أخرى ليس كل ما فيها وردي. وأجمل ما في رواية ‘الأسود يليق بك’ هو تمرد هالة الوافي وكبرياؤها. فحيث ولدت ‘بمحاذاة الأوراس، تحتاج إلى أن ترفع هامتك لترضى بك جبال الأوراس صديقاً’. في حياتها المتقطعة مع هذا العاشق الثري اكتشفت هالة ‘خطر الثراء’. فأمسكنا كقراء لدى مستغانمي خيطاً تهكمياً مراً كررته في أكثر من مكان. وهي استنتجت بلسان بطلها ‘ألهذا يستنجد الأثرياء بالاخرين، كي يساعدوهم على ذلك التبذير الفاحش للمال، خشية أن يفتك بهم مالهم إذا أنفرد بهم؟’ إنما بطلة مستغانمي كانت من الكبرياء بمكان يليق بامرأة لها كيانها واستقلالها. رفضت رزمة مال الثري. هاج وماج وصار كإعصار ضرب بحراً. طير رزمة فلوسه في ارجاء المكان. ذهلت. تراجعت. انسحبت بخيبة من سلوك ثري نزق. ‘أنا امرأة من أنغام وأنت رجل من أرقام..’ وهكذا استحال اللقاء ثانية. هجرت احساس الحماية الذي عاشته لزمن قصير رغم انتظارها اعتذاراً منه لزمن، ولم يفعل. واستنتجت أنه فقط كان يريدها ‘مهرة داخل حظيرته..’ وها هي تعود لتحلق بعيداً عن أثره وعن إملاءاته.
رواية ‘الأسود يليق بك’ جديرة بالقراءة كلمة كلمة. هي مشغولة بمروحة من قضايا، ومغزولة بإيقاع لا لبس فيه من عشق الذات. وبنمط خفي أو جلي من سعي لاستعباد المرأة بما يحقق توازن طالب الحب الداخلي. تحسن مستغانمي نسج تشابكات روايتها من ضمن شروط الرواية المعروفة. وما يميزها حتى اللحظة هو حسها الوطني النقدي، وفيه تستحق التقدير. فالرواية ليست فقط من بطل وبطلة. هي تأخذ أبعادها كلما شرعت غوصاً في الوطني من الهموم، أو الاجتماعي أو السياسي. ولهذا الثلاثي المقيم بيننا بكل احباطاته مكانته الملحوظة في حرف الكاتبة، وكأن واحداً منها يناديها في كل مرة لتنفرد في تشريحه بقلمها وموقفها. وكما هو باد هي تكتب من صلب الحياة. والرواية بكل تأكيد ستحظى بالإعجاب لأن هالة الوافي ابنة الأوراس أعلنت كبرياءها وعنفوانها بمواجهة سطوة المال، وبمواجهة من تباهى أمامها يوماً قائلاً ‘أنا سيد شهواتي’.
‘الأسود يليق بك’ هي الرواية الرابعة لمستغانمي بعد ثلاثيتها ‘ذاكرة الجسد’، ‘فوضى الحواس′، و’عابر سرير’، ومعها بدأت تخط لغة جديدة لمسيرتها، وأخذت على عاتقها خوض أبعاد متنوعة للرواية. هي رواية مرفقة بقرص مدمج يحمل أغنيات أوراسية لم يتسن لي سماعها بعد. فهل صارت الأغنيات تنتشر مع الرواية أم العكس؟ ومن يستفيد من الآخر؟ تتألف الرواية من 344 صفحة من الحجم الوسط، صدرت عن دار نوفل في بيروت. جمعها غلاف أنيق وراق كما زهرات التوليب التي شكلت حضناً دافئاً للكلمات الثلاث التي باحت بالعنوان.