أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
عرب النقب واهمية دور الهويه الحضاريه والقيم الاجتماعيه!!!

بقلم : د.شكري الهزيل ... 4.12.05

بدايةً لا بد من القول إن المجتمع العربي في النقب قد مر بتطور وتغير سريع خلال فترة زمنية تُعد قصيرة نسبياً، تبعاً لظروف قسرية وسياسية غاب من فحواها الحفاظ على الهوية الحضارية لعرب النقب. وما جرى ويجري هو أن عرب النقب وخاصةً الأجيال الشابة قد عاشت ما يمكن تسميته بالفراغ الحضاري والثقافي، الذي يؤدي إلى ظاهرة الاغتراب الحضاري والثقافي، التي جعلت من الكثيرين -بوعي أو بغير وعي- يتقمصون عادات وقيم دخيلة على المجتمع البدوي. ولكن من وجهة نظر هؤلاء الذين يتأثرون بعادات وقيم ومسلكية الآخرين يبدو الأمر طبيعياً ومبرَّراً بحجة "التطور" أو غيرها من المبررات والعوامل، وهي عوامل كثيرة.
لا يمكن حصر القضية في هذه الظاهرة الاجتماعية أو تلك، ولا يمكن أيضاً -من منطلق العقلانية والمسؤولية الاجتماعية- أن تحمل هذه الجهة أو هذه الشريحة الاجتماعية مسؤولية بعض الظواهر الاجتماعية الدخيلة على المجتمع، وبالتالي يبدو لي أن السبب الرئيس لكثير من ظواهر دخيلة أو غريبة دخلت على المجتمع العربي النقباوي وأصبحت جُزءاً من المسلكية العامة للمجتمع هو غياب الوعي العام من قضية أهمية الهوية الحضارية والجذور التاريخية لمعالم وقيم المجتمع العربي في النقب التي لَم تُعطَ في كثير من الأحيان أي انتباه يُذكَر في تربية وتوعية الأجيال الشابة، ناهيك عن رؤية مغلوطة لمفهوم التقدم والتخلف ضمن الابتعاد أو الارتباط بقيم اجتماعية عريقة يعتبرها البعض سلبية والبعض الآخر إيجابية!!.
من المهم القول إن الأخلاق والقيم الاجتماعية ليست مجرد شعارات لا بل إنها مصطلحات علمية واجتماعية. والأخلاق تُشكّل شكلاً من أشكال الوعي الاجتماعي, وهي في الحقيقة مؤسسة اجتماعية تنظم سلوك البشر في ميادين الحياة المُتعددة داخل المجتمع وخارجه, وفي هذا الميدان تندرج التقييمات الأخلاقية للظواهر والمسلكيات الاجتماعية والسياسية, بمعنى أن مُستوى الوعي الحضاري والاجتماعي داخل المجتمع يلعب دوراًُ هاماً في ترسيخ أو رفض المجتمع للظواهر والمسلكيات الدخيلة على المجتمع... المُعادلة: مُستوى وعي المجتمع هو الأساس لقوة أو ضعف المقاومة الحضارية والثقافية ضد الغزو الحضاري وظاهرة تقمص عادات وتقاليد دخيلة على المجتمع!.
من المهم هُنا ذكر أن ما جرى ويجري من تطورات سريعة ودراماتيكية على أسلوب وفحوى حياة عرب النقب قد وضع عرب النقب بين مطرقة سياسة التهجين الإسرائيلية من جهة، وبين غياب مقومات اجتماعية وسياسية داخلية تضبط إيقاع تطور ومسلكية المجتمع العربي النقباوي من جهة ثانية، وبالتالي وبالرغم من لعب الدين دوراً ايجابيا محدود إلا أن غياب المُقومات والمؤسسات الاجتماعية بِالإضافة لسياسة الدولة الإسرائيلية ساهمت مساهمةً فَتَّاكة في تعطيل الكابح الحضاري والثقافي والاجتماعي الذي كان من المفروض أن يضبط إيقاع تطور المجتمع العربي النقباوي....
نتيجة غياب الوعي والمقومات الحضارية والكابح الاجتماعي الداخلي كانت دوماً سبباً مُباشراً في تَفَكّك المجتمعات من جهة وجعل المُجتمعات المُستهدفة هدفاً سهلا لجميع أشكال الغزو والتهجين الحضاري من جهة ثانية, وللأسف الشديد هذا ما جرى ويجري للمجتمع العربي النقباوي!.
رغم معرفة كاتب هذه المقالة لهول سوء الحالة الاقتصادية والسياسية والإنسانية لعرب النقب وانعكاس هذه الحالة على المسلكية الاجتماعية العامة, وتجلي هذا الوضع في ظواهر اجتماعية دخيلة وشاذة كحتمية لسلبية الحالة السلبية ونتائجها وعواقبها على المجتمع العربي النقباوي, إلا أننا جميعا مُلزمون بتحسين وضع وحالة الشباب العربي في النقب الذي يُعاني من مشاكل جمه وكثيره من بينها مشاكل إقتصاديه وإجتماعيه وتربويه, ومشاكل انتشار المخدرات وغيرها في المجتمع العربي النقباوي , وهذا بحد ذاته يشكل التحدي الكبير للمجتمع, وهذا التحدي يحمل في طياته سؤالاً جوهرياً وكبيراً وهو: هل بِإمكاننا السير على طريق الألف خطوة بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه من شبابنا وإعادة تأهيلهم لمفهوم وأهمية القيم الاجتماعية وضرر المخدرات مثلا والغربه الاجتماعيه والتقمص الحضاري؟؟ الجواب: نعم، وذلك بالرغم من قلة وشح الإمكانيات والموارد الاقتصادية، بالإضافة إلى غياب التخطيط الاجتماعي اللازم لبناء مؤسسات ونقاط وضعية تعالج مشاكل الشباب والمجتمع (يُعتبر المجتمع العربي النقباوي مُجتمعاً شاباً وناشئاً... نسبة الشباب تتعدى الـ60% في المجتمع)، والملاحظ هنا أن الدولة الإسرائيلية تهتم في تخطيط وبناء مدن التوطين والتنكيل الاجتماعي والاقتصادي لأسباب سياسية تخدم مصالح الدولة, ولا تعير أي أهمية للتخطيط الاجتماعي والاقتصادي مُعتمدةً على مقولة "فخار يكسّر بعضه" داخل مدن التوطين وداخل القرى غير المعترف بها! إلا أنه بِالإمكان الاعتماد قدر الإمكان على مسؤولية الواعيين والمُبادرين من داخل المجتمع العربي النقباوي في محاولة بناء مبادرات وأعمال تطوعية تقوم بها الجماعات والأفراد، كل حسب إمكانياته وتخصصه في مجال التوجيه التربوي والاجتماعي للمجتمع ككل، والشباب بشكل خاص. وبالمناسبة هُنالك الكثير من الجمعيات في أوروبا التي تعمل بشكل تطوعي وذاتي ودون مُقابل أو ميزانية اقتصادية, وتساهم مُساهمة جيدة في إرشاد الشباب ومساعدتهم على تخطي الصعاب وخاصة في فترة المُراهقة التي تشكّل مُفترق طرق بالنسبة لِمستقبل ومسلكية الشابات والشباب الناشئ.
يُعاني المجتمع العربي النقباوي وخاصةً الشباب من أزمة فُقدان الهوية ومعها كثير من القيم الاجتماعية والحضارية, وفقدان الأمل بسبب الأوضاع الاقتصادية كالبطالة والفقر, ولكن الأهم من هذا المعاناة من التهميش الاجتماعي والسياسي وعدم الاهتمام بأكبر شريحة داخل المجتمع. وقد سبق لي في مقالات سابقه أن حاولت لفت الانتباه لغياب مؤسسات ونوادي اجتماعية وترفيهية للشباب, ولا يُعقل ألا توجد مثل هذه المؤسسات والنوادي بشكل كافي في مدينة رهط أكبر تجمع عربي في النقب حتى يومنا هذا!!, ولا يُعقل أيضاً أن نُكيل النقد لبعض الظواهر السلبية والمسلكية دون أن نبحث في مُسبباتها الداخلية والخارجية. والسؤال المطروح هو: من أين لهذا الشاب أو الشابة المقدرة أن يتمسك بالهويه الحضاريه والقيم الاجتماعية في ظِل غياب وعي اجتماعي وجماعي عام لأهمية القيم والحضارة في التربية والبيئة التي يترعرع فيها الإنسان؟؟ بصراحة وحسب رأينا الشخصي والمتواضع: البيئة الاجتماعية والحضارية العربية في النقب بيئة مُشوهة ومُهَجَنَّة وضبابية إلى حدّ أن الناس لا تفرق بين الرصيد الحضاري وأهمية القيم الاجتماعية والعقيدة الدينية وبين الرصيد الاستهلاكي الآني والاستِعراضي المريض (شوفوني ياناس!)، بمعنى نكران الإنسان لواقعه حتى يبدو شكلياً مُتميزاً حتى لو كان ثمن هذا الجنح والإجرام والكذب والخروج عن القيم الاجتماعية... النتيجة: أن الصغار تحاكي وتقلد الكبار في مسلكيتها التغرِيبية الخاطئة بدلا من أن يكون تواضع قيم الكبار ومسلكيتهُم كمنار للشباب والصغار!!.
وأخيراً وليس آخراً على الجميع ألا يتوقّع من الدولة ومؤسساتها وحتى المدارس العربية الشبه الفاشله في تنفيذ مهام تربويه وتعليميه أن تعالج مشاكل المجتمع العربي النقباوي، ناهيك عن أن الدولة مسؤولة عما هو حاصل، وقد تكون معنية أيضاً بترسيخ هذا الواقع المر الذي يعيشه عرب النقب, وبالتالي لا بد من ترميم القيم الاجتماعية وعلى رأسها التضامن مع الذات والمجتمع العربي من منطلق المسؤولية الاجتماعية والحضارية، ومن منطلق أن الصحن ينضح بما فيه والمجتمع ينضح وينهض بِما فيه من قيم دينية واجتماعية وأخلاقية وحضارية!