أحدث الأخبار
الثلاثاء 16 نيسان/أبريل 2024
عرب النقب بين مطرقة التجهيل وسندان الأُميه الثقافيه!!

بقلم : د. شكري الهزًّيل ... 7.6.06

في كثير من الاحيان تبدو عملية المراجعة والتقصي للفكر الثقافي لمجتمع ما , عمليه صعبه وليست بالضروره بسيطه, ولكنها بحد ذاتها تُشكل حافزا لنًقْل وتطوير هذا الفكر والانتقال به الى مرحله اخرى , ولكن يبدو ان المجتمع العربي النقباوي ما زال يُعاني من شح الانتاج الفكري والثقافي اللذي ما زال في طور الانتاج المحدود والمُحدد في مواضيع مُعينه قد تكون مُنتقاه ومعدوده على اصابع اليد الواحده, وبالتالي ورغم ان قسم كبير من بين عرب النقب إنتقل الى حياة " المدنيه" القسريه اوالطوعيه إلا ان هذا لم يعكس نفسه على الانتاج والتطور الفكري اللذي لم يتطور ولم يُطور لهُ هويه ثقافيه لاسباب سياسيه تاريخيه وإجتماعيه وقبليه حالت دون تطور مجال التعليم والتربيه والثقافه اللذي عانى وما زال يُعاني من عيوب ومشاكل جمه أعاقت تطور المجتمع العربي النقباوي بشكل طبيعي وبصوره افضل من ماهو عليه الحال في الوقت الراهن!!
من الواضح ان الأُمْيه بمعنى القدره على الكتابه والقراءه قد تراجَعت نوعا ما واصبح هناك عدد اقل من الأميين من بين عرب النقب, ولكننا امام حاله وشكل اخر من الأميه في النقب وهي الاميه الثقافيه والسياسيه والفكريه اللتي تُعاني منها قطاعات كثيره وكبيره من المجتمع البدوي النقباوي لابل هنالك خلط وتقدير مغلوط لمفهوم التعليم والثقافه ومُصطلح المُتعلم والمُثقف, حيث ان ظاهرةالاميه الثقافيه في النقب لا تقتصر على الشريحه الأميه[ الكتابه والقراءه] لابل انها موجوده بكثافه بين الشريحه المُتعلمه في داخل المجتمع العربي النقباوي!!
لا تقتصر المغالطه والفهم الخطا لمصطلحات المُتعلم والمثقف على عرب النقب لابل انها تنسحب ايضا على المجتمعات العربيه ككل, ولكنها في النقب تأخذ منحى اخر وخاصة إذا اخذنا بالحسبان سياسة التجهيل المُبرمجه اللتي تُمارسها اسرائيل نحو عرب النقب من جهه ويُمارسها وكلاء اسرائيل من بين عرب النقب انفسهُم من جهه ثانيه وبالتالي ماجرى منذ عقود مضت هو ترسيخ مغلوط لكون ان كل مُتعلم مُثقف ومُسيًّس وكل مُثقف مُتعلم!!؟, وهذا بحد ذاته خطأ لابد من تصليحه وإعادة الامور الى نصابها والمياه الى مجراها الصحيح من ناحية التعريف والمفهوم العلمي الصحيح لمعنى المُتعلم والمثقف والفرق بينهُما!!
من هنا لا بُد من محاولة تعريف مامعنى التعليم والمُتعلمين , والثقافه والمُثقفين:
اولا.:.شريحة المُتعلمين : المُتعلمون هُم عباره عن شريحه إجتماعيه ينحدر افرادها بالاصل من مُختلف الطبقات والفئات الاجتماعيه, والميزه المُشتركه بين هؤلاء جميعا هي انهُم تعلموا وحصلوا على مؤهلات تأهيليه واكاديميه وغيرها تؤهلهُم لوظيفه معينه او إمتهان مهنه سواء إنتاجيه او إجتماعيه او طبيه او غيرها, وبالتالي تتوزع هذه الشريحه من المُتعلمين على مجالات عده, وبإمكانها ان تكون مُدافعه عن حقوق الطبقات الفقيره, ولكنها في اغلب الاحيان ترتبط بعلاقات المصلحه وخدمة الطبقات النافذه من خارج وداخل المجتمع اللتي تعيش في داخله حتى لو كان البعض منها ينحدر من طبقات فقيره ومُعدمه إقتصاديا وإجتماعيا, بمعنى واضح وبسيط: التعليم والمتعلم لايعني تلقائيا الثقافه والمثقف, وليس كُل مُتعلم مُثقف ومُسيس والعكس صحيح!!
ثانيا: شريحة المُثُقفين: المُثقفون هم الشريحه المُطلعه والعارفه فكريا وسياسيا وادبيا وحضاريا من خلال وعيها وإطلاعها الفكري والنظري, وتُحاول توظيف هذه المعرفه والاطلاع في إتجاه التأثير على تطور المجتمع فكريا وحضاريا وضبط إيقاع هذا التطور من خلال ربط قيَم و إنجازات المجتمع في الماضي بإنجازات الحاضر وتوجييهها نحو المستقبل والاجيال القادمه في أطر القيم الثقافيه والاجتماعيه اللتي تعكس في ما تعكس في طياتها الهويه الثقافيه والحضاريه اللتي تُحدد بدورها قُُدرة هذا المجتمع او ذاك على المقاومه الحضاريه والسياسيه في وجه الغزو الثقافي والسلبيه الثقافيه الداخليه..... اللامُبالاه ومُجارات ما يُسمى بالعصريه على حساب الهويه التاريخيه والحضاريه للمُجتمعات!!!..... اللذي جرى في النقب ولعرب النقب هو إختلاط الحابل بالنابل ومفهوم المثُقف بالمُتعلم والعصريه بالتخلُف والانكى من هذا وذاك ان اسرائيل فرضت التجهيل ومن خلاله النظره السلبيه الذي ينظرها الكثيرون من بين عرب النقب الى تاريخهُم ونمط حياتهُم الاصيل!!!.. السياسه الاسرائيليه فرضت الجهل حتى تزيده جهلا. وفرضت مستوى الهزيمه الحضاريه والثقافيه على من هو في الاصل مَهزُوم بالجهل, وحالت دون ان يكون للجهل والتجهيل بديلا ثقافيا سوى البديل الاسرائيلي التضليلي والتغريبي!!
ببساطه وبُلغه مُبسطه لا بُد من التفريق بين المُتعلم واالمُثقف, بمعنى انه ليس بالضروره ان يكون كل متعلم مُثقف وليس كل مُثقف مُتعلم, ولكن للأسف في المجتمع العربي ككل والمجتمع العربي النقباوي خاصه, هنالك خلط للمفاهيم والمُصطلحات وفهم مغلوط حيث يصبح المُتعلم بشكل تلقائي مثُقف لكونه تعلم مهنه مُعينه , وهذا بطبيعة الحال غير صحيح حيث أن الكثير من المُتعلمين هُم في الحقيقه جاهلين ثقافيا وسياسيا ويُعانون من الاميه الثقافيه والسياسيه, بينما في المُقابل هنالك من الاميين[ كتابه وقراءه] مُطلعين سياسيا وثقافيا ويُحاولون خدمة مُجتمعهُم ثقافيا وحضاريا اكثر بكثير من المُتعلمين والاكاديميين!!
من هنا لا بُد من الفصل والتمييز بين مفهوم التعليم ومعنى الثقافه والوعي السياسي والوطني, فهُنالك مُتعلم مأجور وجاهل ويُساهم في التجهيل والعصريه المُزيفه, وهنالك مُثقف واع وصادق[ ليست بالضروره ان يكون مُتعلم] يُساهم في توعية المجتمع والدفاع عن حقوقه المدنيه والتاريخيه!!
ألأميه بكل اشكالها ظاهره غير صحيحه ويجب محاولة محوها بكل اشكالها, ولكن انكى اشكال الأُميه هو الأميه الثقافيه وهي للأسف الأميه الذي ما زال يُعاني منها المجتمع العربي النقباوي وخاصة في مؤسسات التعليم والتربيه والمدارس!!,, وللمثال فقط وليست للحصر: فأُُمية المعلم الثقافيه تعكس نفسها حتما على التلاميذ والطلاب وتُساهم في تجهيلهُم ثقافيا وحضاريا وسياسيا ولها عواقب وخيمه على وعي المجتمع ككل وفي المقابل نرى للمثال ان ا الأُمي[ الذي لا يقرا ولا يكتب!!] المُثُقف والمُسيس عن طريق الاعلام المرئي والمسموع اكثر وعيا ونفعا للمجتمع من مُتعلم لا يقرأ ولا يتثقف لابل يُساهم في التجهيل والتهجين الجاري في النقب!!!... للأسف: من هذا الصنف المُتعلم الجاهل يوجد الكثيرون في النقب ومن بين عرب النقب أنفسهُم!!
تُعبر الأُميه الثقافيه في النقب عن ذاتها في صور واشكال وممارسات كثيره, سواء في سلك التعليم او التربيه افي تقمُص حضارة الاخرين او تقوقع الفئه المُتعلمه على ذاتها والإدعاء بالمعرفه خوفا من إكتشاف جهلهُم!! او في اشكال اخرى كثيره خاصة في مدن التوطين القسري الفاقده لكل فحوى وتوجيه ثقافي وسياسي يُسيطر عليه في كثير من الاحيان قوى التخلُف والجهل والقبليه المُتمترسه وراء وداخل مجالس عشائريه في ثوب بلديه!!
ترتكز سياسة التجهيل الاسرائيليه نحو عرب النقب على وكلاء محليين من بين عرب النقب انفسهُم , وفي كثير من الاحيان يكون هؤلاء الوكلاء من بين المُتعلمين الأُميين ثقافيا اللذين يرون في ان الوظيفه والمال اهم بكثير من مُستقبل الثقافه والهويه الحضاريه للمجتمع العربي النقباوي, بهذا المعنى وعلى هذا الحال المؤسف يُشكل التجهيل والتضليل الخارجي والداخلي[ من بين عرب النقب انفسهُم!!] تَحالُفا مُضادا مُوجهاً في إتجاه تشويه وخلخلة الجذور الثقافيه والحضاريه لعرب النقب!!
أخطأ من ظن ان التكنولوجيا والتقنيه العلميه والالكترونيه المُستورده من الخارج هي الرمز والمقاس الصحيح للتطور والتقدُم وتُشكل البديل لهوية وحضارة المُجتمعات, والحقيقه ان اسرائيل قد شيدت للبدو مدن توطين قسري تُشبه الى حد كبير غابات من الحجاره المبنيه على اعلى طراز معماري حديث وبدون اساس ثقافي وحضاري!!!.. إسرائيل كما يقول المثل البدوي جعلت من قضية ما يُسمى بتحضير البدوفي النقب " البحر مقاثي" ومن ثُم تركتهُم في مدن التوطين القسري "يُبلطون البحر" بعد ان حرقت مراحل تطور البدو النقب وإختزلتها في منظر وشكل عصري وفحوى تحمل في طياتها تكريث كارثة التجهيل وترسيخ الاميه الثقافيه!!!
الحاضر الدائم في النقب هو التجهيل والتحضير المزعوم اللذي يرتكز بالدرجه الاولى على الاميه الثقافيه,,, والغائب الغالي في النقب هو الوعي الفكري والثقافي والحضاري اللذي يُعاني من شحته بدو النقب وخاصة الاجيال الشابه اللتي تُعاني بشكل واضح من التجهيل والتَغريب اللتي تُمارسه الة الدعايه الاعلاميه الاسرائيليه وابواقها من عرب نقباويين وبالتالي ماهو جاري في النقب منذ عقود هو تغريب مُتعمد يهدف الى تحويل عرب النقب الى مُجرد مُستهلكين ومُتقمصين لثقافة الأخرين ومواليين للدوله من جهه وزرع مُتعمد لسُوسة نخر المجتمع العربي النقباوي ثقافيا من الداخل من جهه ثانيه وبالتالي محاولة إقتلاع عرب النقب من جذورهم التاريخيه والحضاريه والزج بهم في اتون التغريب والتقمُص!!!.. المؤسف ان هذه الاستراتيجيه نجحت الى حد لا يُستهان به!!
المُفارقه الغريبه في النقب هي ان الناس العاديين والبدو التقليديين ذوي مستوى التعليم المحدود او المعدوم هُم اللذين يُحافظون على رموزهم ومعالم هويتهُم الحضاريه, بينما تعيش في المُقابل النُخبه المُتعلمه أُميه ثقافيه ماحقه تتجلى في مسلكية وسلوك التقمُص والترويج لثقافة الاخر اللذي تُمارسه شريحة الاميه الثقافيه من بين عرب النقب انفسهُم!!
لا شك ان هنالك من المُثقفين والواعيين فكريا من بين عرب النقب, ولكنهُم في اكثر الاحيان يتعرضون الى قمع وإضطهاد فكري من عدة جاهات: من جهة الدوله الاسرائيليه, ومن جهة وبواسطة ثُلل الأُميه الثقافيه ورموزها, ومن جهة القبليه والعائليه المُتجذره في المجتمع البدوي النقباوي, وبالتالي يُعاني عرب النقب اليوم ليست من مطرقة التجهيل الاسرائيليه فقط لابل من سندان الأُميه الثقافيه المُتفشيه بين عرب النقب, ولكن من المؤسف ان تضرب الأميه الثقافيه جذورها في سلك التعليم والتربيه وخاصة بين المُعلمين ومدراء المدارس العربيه في النقب!!........نتمنى ان تكون الاوضاع افضل ولكن للأسف هذا هو الواقع الراهن!!