أحدث الأخبار
الخميس 02 أيار/مايو 2024
العرب الجدد وتهاوي قوة ردع إسرائيل!

بقلم : د.عامر الهزيل ... 12.8.06

يصنف الصراع العربي- الإسرايلي علمياً, من حيث طبيعته, على انه صراع وجود وليس صراع حدود . بمعنى ان الصراع الناشئ بين المسيطر والمسيطر عليه, خاصة اذا كان إستعمار مباشر, لا يأخذ طابع صراع النخب القابل لحل وصلح الحدود, وانما صراع المجتمعات الذي يكرس حالة الحرب المتواصلة على الكيان والوجود. صراع لا تصل فيه دبلوماسية السلام الى اقتراح حل إلا ليكون مدخلاً للحرب الدموية الأتية حتى يحسم طرف خصمه.
هذه الحقيقة التي ادركها الصهاينة منذ ان نفوا الوجود الفلسطيني بقولهم "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وقبلوا نهائيا بدور قاعدة الغرب المتقدمة لصد هجمات "الشرق البربري" على حد تعبير اكثر من قيادي صهيوني وغربي. من أجل هذا الهدف كان لا بد من بناء دولة ردع "جدار الحديد" على حد تعبير جابوتنسكي, الأب الروحي لأيهود اولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي. من هنا كان التكتيك والاستراتيجية الإسرائيلية هو التفنن في لعبة ادارة الصراع وتسويق الحل الى ابعد زمن, دون ان ينسوا للحظة الخطة المبيته لأفراغ فلسطين من باقي من تبقى عليها في أي مرحلة تستدعي فيها حاجة الدولة اليهودية ذلك.
فاشية حرب لبنان وفلسطين اليوم هي مرحلة تأجج الصراع بهذه الدموية بعد ما ظن الجميع ان إسرائيل اصبحت قاب قوسين او ادنى من ان تكون عضو في الجامعة العربية, لولا فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية ومعه عودة الصراع الى هناك عشية حرب الأيام السته حيث كان هدف الغرب واسرائيل خبطة عسكرية على الرأس تفرض الحل السياسي الإسرائيلي- الأمريكي على المنطقة برمتها. في نفس سياق مفهوم هذه الخبطة على الرأس يجب فهم حرب لبنان واجتياح غزة مع فارق كبير أن راية المقاومة انتقلت بالكامل من يد الحركة القومية العربية, الى سواعد الحركات الإسلامية, في وقت سقطت فيها كل أوهام السلام ليعود من جديد الى الواجهة بكل عنف وجودية الصراع هذه المرة على اساس ديني بحت. واقع عبر عنه رمز النظام الرسمي العربي رئيس الجامعة العربية عمر موسى بقوله: "عملية السلام ماتت", وكتب البعض تقبلوا تعازيها في كل بيت عربي. في هذا الصباح افتتحت مذيعة القناة العاشره الإسرائيلية البث بقولها: "امس الموافق 6.8.06 كان يوم قاسياً واسود على اسرائيل نفس الكلام قلناه بافتتاح يوم امس على ما سبقه من أيام وهذا ما نقوله منذ اندلاع هذه الحرب الدامية." في نفس الصباح ظهر ولأول مرة تقرير يبين دموع وصراخ وانهيار اعصاب ما تطلق عليهم الصحافة الإسرائليه "لاجئوا الشمال" ليسقط القناع عن كذبة صمود العمق الإسرائيلي الذي يشكوا هدم ودمار اكثر من 5500 بيت حتى الأن وعشرات القتلى ومئات الجرحى والدمار الاقتصادي, بعد سقوط اكثر من ثلاثة الاف صاروخ عليه. والشئ الواضح ان اسرائيل الدولة عجزت عن تأمين الظروف لاكثر من مليون ونصف نازح او قابع في الملاجئ. اي لم تفشل الدولة حتى الأن على جبهة القتال فقط وانما ايضاً على جبهة الداخل المدني لولا بعض المساعدات لرجال الأعمال.
صباح اليوم الأسود, حيث قتل اكثر من 12 جندي, تقول الصحافة الإسرائيلية ان جنود الإحتياط يشتكون من غياب الأهداف المحدده لهذه الحرب وان تجهيزهم وتدريبهم غير كافي للزج بهم في المواجهات. وابعد من كل هذا يقول اكثر المعلقون ان الجيش لا يعرف ماذا يفعل مع كل وقت اضافي يمنح له.
يعترف الإسرائليون منذ اليوم الأول ان الحرب على لبنان ليس هدفها استرجاع الجنود الأسرى بقدر ما هي حرب على إعادة هيبة وقوة الردع الإسرائلية التي هزتها عمليتا الوهم المتبدد والوعد الصادق.
في هذا السياق كتبت ميراب ارلوزوروب:
"الحرب في لبنان ليست بعملية محدودة, ولا حرب لنا فيها خيار آخر, انها حرب إسرائيل الأهم على وجودنا. نعم انها الحرب لظمان عدم تهددينا الاستراتيجي بواسطة اعادة قوة ردعنا لفرض الأتفاق على الفلسطينين, كما اجبرت قوت ردعنا مصر ,بعد حرب الغفران, التوقيع على اتفاق السلام معنا." (هأرتس 7.8.06)
ميراب ,وكثير من العامة والنخبة الإسرائيلية, هي عجينة نفسية وعقلية عسكرة المجتمع الإسرائيلي وثقافة العيش في دبابة لأن "لا حياة لنا في الشرق إلا على رؤوس رماحنا" على حد تعبير موشي دايان. نفسية اخذت بهم الى غرور وسكر القوة حتى الثمالة اوصلتهم حالة الهذيان ومسلكية الفاشية البغيضة التي كانوا هم ضحيتها.
انها نفسية العنجهية التي قالت في اول يوم للحرب الهدف "كسر وسحق حزب الله" واوهمت الشارع اليهودي انها مسألة ساعات حتى يقدم رأس حسن نصر الله خبراً على اطباق فطورهم. وكم تلهفوا لهذا الفطور الدسم الى أن خيب أملهم اداء العرب الجدد الذي وصف رمزهم فؤاد بن اليعزر,وزير الحرب السابق والبنى التحتية اليوم وعضو قيادة طاقم الحرب المصغر, بقوله : "اسرائيل ذهلت من عدم قدرة الجيش على إخضاع حزب الله بسرعة وسلاسة وبشكل قاطع. لم يعتقد احد في الحكومة ان ذلك سيستمر كل هذا الوقت, وأن يكون لحزب الله نفس طويل بهذا الشكل. في الحقيقة كنا نعرف عن كمية السلاح الكبيرة التي بيد حزب الله, ولكننا اعتقدنا ان ضربه لبيروت ستحل المشكلة." (اذاعة الجيش 5.8.06).
وحتى اليوم ال 27 للحرب تعتبر هزيمة إسرائيل نكراء على حد تعبير مقال الافتتاحية لجريدة هأرتس التي تطالب بخطف انتصار من مستنقع الهزيمة بقولها: "لا مكان للخطأ هنا, رغم كل محاولات رئيس الحكومة وقيادة الجيش تعداد المكاسب, تقترب الحرب من النهاية مع تكوين صورة وانطباع في المنطقة والعالم وعند الجمهور الإسرائيلي, اننا هزمنا هزيمة نكراء والتي ستكون لها أبعاد تدميرية ...الأن وفي هذه اللحظات الحرجة من الحرب على جيش الدفاع اختطاف انتصار من مستنقع الهزيمة المقتربه."(هأرتس8.8.06) ولعل لهذا السبب تندفع القيادة الإسرائيلية الى الأمام بأعلانها عن نيتها توسيع الاجتياح البري الى ابعد من نهر الليطاني لتثبيت الأهداف السياسية المعبر عنها في الصيغة الأولى لمظمون المشروع الامريكي –الفرنسي المقدم لمجلس الأمن. في هذا السياق كان جالب للانتباه أقوال المعلق روزين من القناة العاشره الإسرائيلية الذي وصف هذا المشروع المقترح بأنه اقتراح نصر لإسرائيل وكأن محامي إسرائيلي مختص صاغ بنوده.
لا يوجد احد في اسرائيل اليوم غير مقتنع بأن اسرائيل لا تستطيع حسم الحرب عسكرياً وفق اهدافها المعلنة الأولى. وعليه يجمع كثير من الاعلاميون والسياسيون في اسرائيل ان الحرب نفسها ليس اكثر من مقدمة لحرب سياسية طاحنة داخل اسرائيل ستدور رحاها حول الإجابة على سؤال ماذا حصل لنا في لبنان؟ مرة ثانية يعود الوزير بن اليعزر ليعكس هذا التخوف بالقول:"اذا ما انتهت هذه الحرب بالفشل سيكون مصيبة لنا. سيذبحون رئيس الحكومة ,وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان." وحينما سأل كيف تعرف النصر والهزيمة في هذه الحرب اجاب:"تطبيق كامل للقرار 1559, نشر قوة متعددة الجنسيات ذو قدرة على منع عودة حزب الله او تهريب السلاح له واعادة الجنود الأسرى. كل ما هو اقل من هذه الأهداف الثلاث يعتبر هزيمة لنا" (هأرتس 6.8.06)
نعم على الإسرائيلي الإقتناع تماماً, حتى لو استشهد حسن نصر الله, ان هذه الحرب انجبت من رحم الشهداء, الدمار والأشلاء بداية مرحلة العرب الجدد التي كشفت لهم تجربة وصواريخ المقاومة اللبنانية قواعد لعبة جديدة مفادها ان النمر ,اذا ما عمم نهج المقاومة اللبنانية كنموذج, ليس اكثر من نمر ورق. على الإسرائيليين معرفة ان منطقهم "العرب لا يفهمون الا القوة", والذي جبل عقليتهم وحدد مسلكيتهم في نفي الأخر كأنسان وحق, يضعهم في جحيم مرحلة مواجهات المستقبل. حتى مشروع دولتين لن يكون حل يحفض سفك الدماء من الطرفين على المدى الاستراتيجي, لا لشئ إلا لأن طبيعة الصراع ليست على الحدود وانما على الحق, العدالة, الكرامة والوجود من أجل اقامة الدولة الواحدة التي يجب ان تؤمن للجميع , في صيغة كونفدرالية او فدرالية, حق العيش بكرامة ومساواة جنباً الى جنب مع أهل الوطن العائدون الى ديارهم.
في هذه الحرب اتت الرياح بما لا تشتهي سفن اسرائيل والغرب المتغطرس. فلقد بدأت عقدة الردع الإسرائيلي في النفس العربية تتهاوى, لأن المقاومة كسبت الحرب الإعلامية بعد ما عجز اقوى رابع جيش في العالم,حتى اليوم,عن هزيمتها معنوياً وعسكرياً. في اواخر السبعينات قال زبيقينو بريزنسكي يجب انقاذ اسرائيل من نفسها قاصداً غرورها وسجودها مجتمعاً وحكومة للقوة. هذه الحرب فرصة المجتمع الإسرائيلي لإعادة النظر في هذه المقولة, خاصة بعد ما مزقت صواريخ المقاومة اللبنانية عقيدة جابوتنسكي دولة "جدار الحديد" ببعدها النفسي والعسكري. فيا آل إسرائيك كفاكم هذيان, لا جدار الحديد يحميكم, ولا هوس الطيران, للسلام العادل نناديكم قبل فوات الأوان, وقرع طبول الطوفان, بعد جيلٍ او جيلين, تسعين عاماً أو قرنين.