أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41122
في “دوالا” الكاميرونية.. النساء يفضّلن الصمت في مواجهة لكمات الأزواج!!
23.01.2015

دوالا (الكاميرون)- من بادو كيمي ـ 4 نساء من أصل 10 يتعرّضن للضرب من قبل أزواجهن في دوالا العاصمة الاقتصادية للكاميرون.. نسبة كبيرة بالنسبة لهؤلاء النساء اللاتي يتعرّضن للعنف في مناسبتين على الأقل شهريا من قبل شركاء حياتهن، ومع ذلك، يفضّلن الصمت على اللجوء إلى القضاء، لاعتبارات اجتماعية واقتصادية مختلفة. ملامح شاحبة، ونظرات واجمة تغطّي تقاطيع تشي بأنّ خطبا ما ألمّ بها.. كانت تلك “كريستين” سيدة كاميرونية في الأربعين من عمرها، غير أنّ الوجوم والعبوس المطبق على محياها كان يمنحها 10 سنوات إضافية. كانت تعرج وهي في طريقها نحو بئر مشتركة للتزوّد بالمياه في إحدى الأحياء المتناثرة حول مدينة “دوالا” الواقعة على الساحل الكاميروني.
كانت نظرات بقية النساء اللائي كنّ ينتظرن دورهن لملء دلائهنّ ترمقها، وشفاههن تتحرّك في الخفاء، لتثرثر عن أسباب عرج السيدة المفاجئ، وكانت معظم توقّعاتهن مصيبة هذه المرّة. ولتفادي تلك النظرات التي تكاد تخترقها وتزيد من حرجها أمام ذلك الجمع النسائي الذي لا يرحم، ملأت “كريستين”، مسرعة، قارورتها البلاستيكية صفراء اللون، قبل أن تحثّ الخطى عائدة، وضمّادة عريضة تغطّي وجنتها اليمنى، فيما برزت كدمات اكتسبت لونا أزرقا قاتما بفعل تحجّر الدم تحت مقلة عينها اليسرى.“لقد تعرّضت للضرب واللكم من قبل زوجها الذي تعيش معه منذ 19 عاما”، تقول إحدى جاراتها لمراسل الأناضول، بصوت هامس خشية أن تبلغ كلماتها إلى مسامع “كريستين”، مضيفة أنّ زوج الأخيرة “يشرب الخمر كلّ ليلة ثم ينهال عليها ضربا، وهي مع ذلك، تتحمّل تلك الإهانة، وتقول بأنّه إن قرّرت الرحيل، فإنّ طفليها البالغين من العمر 11 و15 عاما، سيواجهان الأمرّين، بما أنّ عائلتها لا تمتلك المال الكافي من أجل إعالتها”.
كانت الجارة تتحدّث ونظراتها تجوب أرجاء جسد “كريستين” باحثة عن آثار عنف أفلتت من عينيها المتفحّصتين. لم تكن نبرات السيدة لتحمل أيّ استغراب وهي تستعرض تفاصيل معاناة “كريستين”، فالأمر يعدّ مألوفا في المدينة بأكملها.أمّا “أنياس″، طالبة الماجستير، فلم تفلت هي الأخرى من العنف الزوجي.. ندبة عميقة ترتسم على كتفها الأيسر لتصل إلى حدود عنقها.. كانت تلك آثار ضرب صديقها لها. “إنّه أب ابني ذي الـ 5 أعوام، والذي أرافقه منذ ما يزيد عن الـ 7 سنوات”، تقول باستياء ممزوج بحرج ترجمته نظراتها المنخفضة.
المرّة الأولى التي تعرّضت فيها “أنياس″ للضرب من قبل صديقها كانت حين هدّدته بهجره، لأنّه رفض منحها المال الكافي لاصطحاب ابنها إلى المستشفى. و”منذ ذلك اليوم”، تتابع “أنياس″ ذات الـ 26 عاما، أصبح يضربني مرّة على الأقل في الشهر، من دون سبب واضح، في معظم الأحيان.. هكذا وبدون مقدّمات يقوم بصفعي، وحدث، في أحد الأيّام، أن أصابني بجروح بقارورة جعة كان يحتسيها قبل أن يكسرها على كتفي، وهو ما تسبّب في هذه الندبة”.
أمثال “كريستين” و”أنياس″ كثيرات في الكاميرون، بل إنّ عددهن يتجاوز الآلاف، ممن يعانين يوميا من عنف أزواجهن. ووفقا لأحدث التقارير الصادرة عن المفوضية المحلّية لوزارة النهوض بالمرأة والأسرة في منطقة الساحل الكاميروني، والتي تغطي الفترة الزمنية الفاصلة بين عامي 2011 و2013، فإنّ عدد ضحايا العنف الزوجي من النساء بلغ الـ 3 آلاف، حيث تتعرض 4 من جملة 10 نساء إلى الضرب مرّتين على الأقل شهريا من قبل أزواجهن في مدينة دوالا. رقم مثير للهلع، ومع ذلك، تفضّل النساء ملازمة الصمت، والأسباب في ذلك عديدة.
فإحساس النساء اللاتي يتعرّضن للضرب بضرورة أن يكنّ في حماية رجل، يدفعهن لتحمّل عنفه، في وقت يصعب فيه، على حدّ تفكيرهن، العثور على زوج، ولذلك، فهنّ يشعرن بوجوب البقاء مع الرجل الذي حصلن عليه، وإن كلّفهن ذلك حياتهن”، بحسب “إيف أوبام” المختصّ في علم الاجتماع، والذي أكّد، في تصريح للأأناضول، أنّ الفتيات ينشأن، في افريقيا عموما وفي الكاميرون بشكل خاص، منذ صغرهن على مبدأ أن “يكنّ نساء”، ومن هذا المنطلق، فإنّ عليهن تحمّل الكثير من الأشياء، بينها عنف الأزواج.ووفقا لأحدث مسح ديمغرافي وصحّي متعدّد المؤشرات، صدر في 2011 بالكاميرون، فإنّ 43 % من النساء في البلاد تعرّضن للعنف الزوجي، ونجم عنه آثار جسدية، فيما تعرضت 14 % من النساء الحوامل للضرب، غير أنّ جميعهن رفضن تقديم شكوى ضدّ أزواجهن، بينما لم يتسنّ لمراسل الأناضول الحصول على أيّ بيانات بشأن عدد النساء اللاتي يلقين مصرعهن جرّاء العنف الزوجي.
ولتشجيع أولئك النساء على كسر حاجز الصمت، تمّ انشاء أول مركز نداء مرفوق بوحدة للإقامة، مخصّصة لاستقبال ضحايا العنف من نساء دوالا، بالتعاون مع الأمم المتحدة. ويضع هذا المركز على ذمة ضحايا العنف الزوجي، منذ الثالث من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، موظّفين لـ “لاستماع إليهن على مدار اليوم وكامل الأسبوع، وتقديم النصح والإرشاد إليهن في كنف السرية المطلقة”، بحسب المسؤولين عنه. وقد وقع تدريب عدد من أعضاء منظمات بالمجتمع المدني وقوات الأمن وما شابه، للاضطلاع بهذا الدور بالغ الحساسية. لكن هل تجرؤ النساء على الاتصال بالمركز؟ سؤال أجابت عنه للأأناضول إحدى العاملات فيه وتدعى “فاني سوبو”، والتي أكّدت أنّه “لم يسجل سوى 59 اتصالا منذ افتتاح المركز إلى غاية 14 يناير/ كانون الثاني الجاري، حيث أنّ قلّة من النساء من “يتّصلن، فنحاول التحدّث إليهن، وإعادة الثقة إليهن!!

1