أحدث الأخبار
الثلاثاء 23 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41122
أجبان باجة.. صناعة تونسية من سلالة أغنام إيطالية !!
09.02.2016

تشتهر محافظة باجة التونسية بصناعة أنواع مختلفة من الجبن عن سواها من المحافظات الأخرى، معلنة بذلك تفردها وتميزها عبر رصيد هام من سلالات الأغنام القادمة أساسا من جنوب أوروبا، حيث يتولى موفرو هذه المادة رعايتها والاهتمام بها.
باجة (تونس) - منذ ما يزيد عن قرن استقر مزارعون إيطاليون بمحافظة باجة، شمال غرب تونس، وأسسوا صناعة أنواع رفيعة من الأجبان المحلية جلبوا لها معهم أغناما من سلالة فريدة تسمّى “صقلي سردي”.
ولا تزال “حارة الإيطاليين”، وسط مدينة باجة، شاهدة على أيام الإيطاليين في المدينة التي تعتبر المزود الأول للحبوب والمنتوجات الزراعية في تونس.
وفي فترات متأخرة من مرحلة الاستعمار الفرنسي، وإثر استقلال تونس سنة 1956، غادر أغلب الإيطاليين البلاد، إلا أن سكان باجة حافظوا على صناعة الأجبان وتوارثوها جيلا بعد جيل، حتى باتت مادة غذائية تؤثث أطباقهم اليومية.
وفي منطقة الرويقيبة (محافظة باجة) تحدث زياد بن يوسف (53 عاما)، وهو مزارع ومربي أغنام حلوب عن تخليه عن الوظيفة العمومية واشتغاله في تربية الأغنام. وأرجع ذلك إلى التنشئة الاجتماعية التي قوامها حب العمل وخدمة الأرض التي ورثها عن أجداده وتساعده في تربية الأغنام زوجته عاتقة.
بن يوسف يؤكد أن جميع من بقي من أفراد عائلته يمتهنون العمل الفلاحي، وحتى زوجته عاتقة يعتبرها ذراعه الأيمن، وهي مثال للمرأة الحديثة التي تهتم بتربية أبنائها ومساعدة زوجها.
عاتقة بدورها تعتبر تربية الأغنام الحلوب عشقا أبديا لا ينتهي، وهذا العشق هو القاسم المشترك بينها وبين زوجها، وهو دافعهما إلى تطوير قطيع الأغنام والمحافظة على سلالته ذات الأصول الإيطالية والتي تسمّى “صقلي سردي”، نسبة إلى جزيرتي صقلية بإيطاليا وسردينيا بجنوب فرنسا.
وقد واجهت هذه السلالات خطر الانقراض في باجة مع بداية القرن الحالي، إلا أن رغبة زياد وتمسكه بالاهتمام بقطيعه حالا دون ذلك ومثلا سدا منيعا ضد انقراضه واندثاره، حيث استطاع زياد الذي يملك ضيعة ورثها عن أجداده في مرحلة أولى، المحافظة على قطيعه وتطوير نسله. وفي مرحلة ثانية تمكن بن يوسف بمساعدة عدد من الفلاحين من تأسيس تعاونية تعنى بمربي الأغنام الحلوب، حيث تمكنت (التعاونية) من مساعدة عدد منهم على الاقتراض من بنك التضامن الحكومي للقيام بمشاريع صغرى واقتناء الأغنام وتربيتها، بالإضافة إلى توفير الدعم الكافي بخصوص تجميع الحليب وبيعه في السوق. وبفضل هذه التعاونية انتشرت تربية الأغنام بين صغار الفلاحين وأمكن تطوير قطيعها ليصل اليوم، بحسب محدّثنا، إلى ثمانية آلاف رأس غنم صقلي سردي، وأمكن أيضا لبن يوسف افتتاح مطعم سياحي في منطقة الرويقيبة، يحمل اسم “برج للاّ”، تخليدا لذكرى إحدى جداته في المحافظة واحتفاء بها لما قدمته من جهود في تربية هذه الأنواع من الأغنام، وعدم التفريط فيها رغم الأزمات.
ويقدّم مطعم برج للا أنواعا من “الأجبان الصقليّة”، ويمكن مشاهدة قطعان الأغنام من شرفة المطعم وهي ترعى، مرورا بعملية حلبها وصولا إلى مراحل صناعة الأجبان، التي يمكن متابعتها عبر حاجز زجاجي بالورشة المخصصة لذلك، والتي يشرف عليها عدد من الفنيين المختصين في هذه الصناعة البيولوجية.
ويمكّن المشروع المحترفين والزائرين من تذوّق الأجبان للتعرّف على جودتها والتمييز بين مختلف أنواعها، والتي نذكر من أهمّها الجبن الصقلي، الصقلي المطبوخ، الصفصاف، القوتة، الموتزاريلا.
أمّا أسعارها فتتراوح بين 14 دينارا (7 دولارات)، و30 دينارا تونسيا (15 دولارا) للكيلوغرام الواحد.
وغير بعيد عن منطقة الرويقيبة بمنطقة باجة الشمالية ينتشر عدد كبير من الفلاحين الصّغار، الذين يتكفلون بإنتاج حليب الأغنام وبيعه إلى مصانع الأجبان بالمنطقة.
حبيب غرايبي، مربي أغنام يهتم أساسا بزراعة نبتة الفصّة ثم جمعها وتقديمها كعلف بيولوجي للأغنام، حيث تتميّز بمردوديّة عالية في إنتاج الحليب، ويشاطره الرأي إسماعيل وشتاتي، وهو عامل مختص في حلب الأغنام. ويقول حبيب “هذه السلالة من الأغنام إذا حظيت بعناية مالكها تنتج يوميا بين لتر ولترين من الحليب الإضافي”.
أمّا كمال الوشتاتي (48 عاما)، فيدعو كل الفلاحين إلى تربية هذا النوع من الأغنام لمردوديتّه المالية، فثمن اللتر الواحد من هذا النوع يقدّر بدينارين (1 دولار)، يوفّر منهما الفلاح دينارا واحدا كربح صاف، ويستأنف قائلا “كنت أعمل بحظائر البناء في العاصمة، وحين سمعت بهذا المشروع عدت واقترضت من البنك، وسددت ما عليّ من ديون وأنا اليوم أملك 30 شاة، توفّر لي دخلا شهريا محترما يقدّر بألف دينار (500 دولار)”.
ويشاطر كمال الرأي محمد علي وشتاتي، وهو مربي أغنام وفني متقاعد في الإنتاج الحيواني. محمد علي يتحدّث عن تجربته قائلا “لو خيّروني بين الوظيفة وبين تربية هذا النوع من الأغنام لاخترت الثانية خاصة مع تأمين وضمان مسالك الترويج والبيع”.
وعن تطوير قطيع هذا النوع من الشياه، يقول وشتاتي “إن الأمر مرتبط أساسا بالطلب، فلا يمكن زيادة القطيع إلا بعد ضمان الترويج، حتى لا يتضرّر القطيع الحالي، ويتجنّب هؤلاء المربون الصغار بيع قطعانهم والإفلاس أيضا، وفي النهاية نحن نعوّل على مشروع ‘هيلفتراد’ الذي بإمكانه خلق طرق ترويج إضافية عن طريق التصدير، وقتها سنفكر في تطوير قطيعنا”.
وفي اتجاه مدينة باجة يتمركز مجمع التنمية الفلاحي لمربي الأغنام الحلوب، وهو عبارة عن وحدة صناعية تتولى شراء الحليب من الفلاحين وتحويله إلى أجبان، وتشغل هذه الوحدة خمسة فنيين يتولون أيضا الإشراف على تدريب عدد من الطلبة في اختصاص الصناعات الغذائية.

1