أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
1 2 3 41120
التكفيت فن يحفظ للدمشقيين أسرار هويتهم!!
15.07.2017

زخرفة الأواني والأسلحة ونقشها فن عرفه السوريون وبرعوا فيه منذ القديم، حيث استخدم الصناع والحرفيون المعادن المختلفة كالذهب والفضة والحديد والرصاص، واهتموا بالخلائط المعدنية للحصول على خصائص جديدة لتهيئة الصفائح المعدنية، فاشتهر السيف والخنجر الدمشقيان كتحف وتذكارات اقتناها العرب والأجانب.
دمشق - الزخرفة على النحاس والحديد واحدة من أبرز الحرف التي تميزت بها دمشق منذ أقدم العصور، إذ تضم المتاحف العالمية الكبيرة قطعا نحاسية فاخرة تشير إلى أنها صنعت في العتصمة السورية منذ قرون وهي تضم أباريق وصحونا وكؤوسا ومباخر وشمعدانات وثريات وغيرها مثل السيوف والخناجر، استعمل فيها الصانع السوري مختلف أنواع الرقائق المعدنية المتوفرة بأساليب إبداعية متعددة مثل الحفر والضغط والطرق والتطعيم والتكفيت والتفريغ والتنزيل.
ويتضمن التكفيت تركيب أسلاك أو رقائق معدنية من الذهب أو الفضة على سطح معدن آخر وذلك بحفر الرسم بمحفار صلب ثم ترصع هذه المحفورات بأسلاك الذهب أو الفضة بالطرق الخفيف.
يقول الباحث محمد فياض “يقصد بالتكفيت تطبيق أو تطعيم المعدن الرخيص كالنحاس الأصفر بمعدن أغلى قيمة منه كالنحاس الأحمر أو الذهب والفضة، وبتعبير آخر التكفيت طريقة من طرق الزخرفة على التحفة، حيث تملأ الشقوق الناتجة عن الحفر بالمعدن الثمين ليزيد من جمال التحفة وثمنها”.
ويضيف “يعد فن التكفيت وملحقاته واحدا من الفنون الزخرفية التي ترعرعت مع تطور الفنون اليدوية المصنعة من المعادن، ويتمثل هذا الفن باستخدام رسوم يدوية على السطوح المعدنية بعد تحويلها إلى نقوش بارزة أو غائرة، تترك إثر معالجتها أثرا واضحا للبعد الثالث عبر إسقاطات الأضواء والظل”.
وتتم عملية التكفيت بأقلام حفر فولاذية، ثم تحشى الأجزاء المحفورة بأسلاك رقيقة أو رقائق عريضة من الفضة أو الذهب، واستعمل النقاشون في ذلك طرقا متعددة.
ويشير الباحث الأثري عمار مهدي إلى أن “فن تكفيت النحاس وتطعيمه بالذهب والفضة من أهم وأصعب الحرف اليدوية، إذ يتطلب هذا النوع من الفنون الحرفية جهدا كبيرا لإنتاج قطعة واحدة ‘مكفتة’ ذات جودة عالية، والتكفيت هو الطريقة الأمثل للتطعيم، ففي متحف المتروبوليتان أربع قطع تمثل صناعة دمشق وبراعتها الفائقة في فن التكفيت، وهي عبارة عن مقلمة ومبخرتين وصحن، وكل واحدة من تلك القطع غنية بتكفيتها بالفضة والذهب”.
ويقول الحرفي أحمد الضعضي من دمشق “التكفيت أسلوب في زخرفة المعادن، يستخدم فيه خليط معدني تملأ به الخطوط المرسومة تارة والمنقوشة تارة أخرى على صفائح من معدن، حيث تأتينا ألواح نحاسية جاهزة فنقوم بقصها ونعمل منها أشكالا عديدة كالصواني والصحون والعلب بمختلف أشكالها وأحجامها، وبعد ذلك نرسم على هذه القطع رسومات عديدة، إما من مخيلتنا وإما حسب رغبات الزبون في حال أوصى على القطعة قبل البدء بها، أو نستلهم رسوما من التراث الإسلامي والعربي، كذلك نزخرف على هذه القطع آيات قرآنية كريمة وبعض الأقوال والأمثال والحكم”.
ويضيف “عملية الزخرفة والتحلية والتطعيم تتم عبر مراحل عديدة، حيث نقوم أولا بتجهيز الرسمة على الورق، ثم نحفر على النحاس بشكل يدوي وبأقلام الحفر، بعد ذلك نطليها بالفضة في حفر خاصة”.
وبيّن الحرفي جاد محمد السيد أن حرفة التكفيت بدأت في الموصل وانتشرت منه إلى بغداد ودمشق فالقاهرة حتى مراكش، ويقتصر العمل في الوقت الحالي في هذه الحرفة على دمشق فقط.
سيف بشهرة عالمية
بالإضافة إلى زخرفة الأواني والقطع النحاسية برع الدمشقيون في زخرفة السيوف والخناجر منذ القديم، فصناعة السيوف تعود إلى عصور اكتشاف المعادن المختلفة، وارتبطت في دمشق بحرفة التكفيت أي تطعيم القطع المعدنية بالذهب والفضة وهو نوع من الترف الفني انتشر في العصرين الأيوبي والمملوكي لحب الناس اقتناء القطع الثمينة حيث تم تطعيم السيوف بالمعادن الثمينة.
ولفت الحرفي فياض سليمان السيوفي إلى أن السيف الدمشقي له شهرة عالمية كبيرة اكتسبها من المعدن المصنوع منه وهو الفولاذ الأسود ذو الكربون العالي والفولاذ الأبيض ذو الكربون الأقل، إضافة إلى الطراز المشغول به حيث يتميز بأنه سيف له انحناء لسهولة القتال وحد قاطع وظهر سميك للفصل وثلثه الأول من الأمام بحدين.
وبين فياض السيوفي أحد أشهر صناع السيوف الدمشقية في العاصمة السورية، “أن صناعة السيف الدمشقي ارتبطت بحرفة التكفيت وهو فن دمشقي بحت حيث كانت تزين أنصال وأغماد السيوف من خلال تنزيل خيوط الذهب والفضة عليها برسوم هندسية مباشرة دون رسم أولي باستخدام خيوط ثخانتها واحد بالعشرة من الميلمتر حيث تصف الخيوط إلى جانب بعضها لتشكل الرسم المطلوب وبعد تعريضها للنار تظهر الرسوم قطعة واحدة”.
وتقول الأسطورة إن الإله “حدد” (أحد آلهة سوريا القديمة، إله الطقس والعواصف والأمطار) كان يضرب قاسيون بالبرق، فيترك ذاك البرق آثارا تتكون من نترات الحديد، فكان صناع السيوف يستخرجون من التراب تلك الآثار والمواد ليأخذوها ويبدأوا بها أولى الخطوات، فهذه النترات تعد العنصر الأول في صناعة السيف، وتخلط بمركبات سرية وسحرية غامضة، لا يعرفها أحد إلا كبير الصناع، والذي يعرف بـ”شيخ الكار”.
بعد ذلك تؤخذ العجينة وتوضع في بوتقة وتصهر بالنار حتى تلين، ويستطيع بذلك الصانع أن يدقها ويشحذها ويطوّعها بالصورة والشكل اللذين يريدهما، ويدخل في السيف تموجات تميزه عن غيره من السيوف، ثم يسنّ ويلمّع وتكتب عليه كلمات تتضمن صلوات وعبارات تشير إلى أن من يحمل هذا السيف لا يخسر حربا، وفي ما بعد بات تنقش عليه أبيات شعر، وبعد الإسلام صار تنقش عليه آيات قرآنية ويزين بالأحجار الكريمة.
يقول فياض “من التراث استفدت وأثريت تجربتي، حيث اعتمدت على طرق عدة في صناعة السيف وقمت بزخرفة شفرات الخناجر بآيات قرآنية، كما نقشت عبارات وحكما مثل “الدنيا ساعة فاجعلها طاعة” و”العز في الطاعة والغنى في القناعة” وعبارة “يا قاضي الحاجات” و”يا حنّان يا منّان يا مالك الملك” و”يا خفي الألطاف نجّنا مما نخاف”.
ومن المعروف أن العرب قد زخرفوا السيوف والخناجر منذ الجاهلية، ونقشوا على نصالها بعض الرموز والطلاسم كرسم الأفاعي وصورة السمكة التي وردت على شكل ذي النون.
وفي العصر الإسلامي زُخرفت السيوف، والخناجر بالآيات القرآنية والعبارات المختلفة وأبيات الشعر الحماسية، وأسماء الخلفاء والسلاطين وأسماء الصّناع الذين نفذوها، وبعض الطلاسم وغيرها.
ويقول فياض السيوفي”إن تسمية عائلتي بالسيوفي نسبة إلى عمل أجدادي بهذه المهنة التي تعلمتها عن طريق والدي الذي ورثها بدوره من جدي”، موضحا أن عائلته هي الوحيدة في مدينة دمشق التي تصنع السيوف وتقوم بتنزيل وتطعيم الذهب والفضة عليها، حيث تحولت هذه الصناعة في بداية القرن الماضي من صناعة حربية إلى قطع تراثية يسعى الأغنياء والسياح لاقتنائها.
ويضيف “منذ نعومة أظفاري اعتاد أبي اصطحابي إلى ورشته لأقف هناك أراقبه لساعات كيف يصنع السيوف إلى جانب جدي الذي كان يشرف على وضع الحديد في بيت النار وعمّي الذي كان يقوم بدقّها بمطرقته حتى يستوي متن السيف، كنت أجد متعة كبيرة في مشاهدة كيف تصنع تلك المعجزة وتتزاحم في رأسي كلّ القصص التي كان يقصّها جدي عليّ عن تاريخ هذا السيف الرائع الذي لا يُكسر، ويلتوي كالأفعى ثم يعود إلى حالته السابقة”.
ويقول “إنّ الشيء العجيب في هذا السيف الذي حيّر الشعوب لقرون طويلة هو أنّ تفاعل المعادن والمواد في نصل السيف الدمشقي يجعل خطوطا متموّجة تظهر على سطح النصل فتبدو وكأنّ شرائط معدنية قد رُصّت جنبا إلى جنب وكلّ شريط يحمل تموجا مختلفا عن الآخر، إلا أنّ ذلك لم يكن سوى نتيجة للتفاعل الغريب لتلك المعادن والمواد”.
ولفت إلى أن السيف الدمشقي له شهرة عالمية كبيرة اكتسبها من المعدن المصنوع منه وهو الفولاذ الأسود ذو الكربون العالي والفولاذ الأبيض ذو الكربون الأقل، إضافة إلى الطراز المشغول به حيث يتميز بأنه سيف له انحناء لسهولة القتال وحد قاطع وظهر سميك للفصل وثلثه الأول من الأمام بحدين.
ويقول السيوفي إن صناعة السيف الدمشقي كانت سابقا تتضمّن ترصيعه بالجواهر، والجوهر كناية عن كلّ أنواع الأحجار الكريمة الثمينة، لتتميّز سيوف القادة عن سيوف باقي المحاربين والفرسان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السيوف التي كانت تقدّم هدية للملوك والأمراء، الذين طالما أبهرهم تفنّن صانعيها بترصيعها بالجوهر، إضافة إلى انبهارهم بمضيّ هذا السيف، وقدرته على الطعن النافذ، بالرغم من نحوله وخفّة وزنه.
ويضيف أنّ عادة ترصيع السيف لم تعد رائجة، فبات الصناع يكتفون بزخرفته بآيات قرآنية، أو رسوم جميلة، كما أشار إلى أنّ سوقه لم يعد مزدهرا، وذلك بحكم بطلان استعماله، وقلّة إقبال السياح على شرائه.
الخنجر الجوهر
رغم أن صناعة الخنجر ونقشه انتشرت في بلدان عربية عديدة مثل اليمن وعمان والإمارات، فإن الحرفيين السوريين برعوا أيضا في هذا السلاح الذي أصبحت حيازته تقتصر على الزينة مع اللباس التقليدي وذلك لبراعتهم في فن النقش بأنواعه.
يقول عبدالرزاق الطويل، مختار حي القيمرية في دمشق، “إن آباءنا وأجدادنا القدامى اشتهروا بالاعتناء والاعتماد على الأسلحة التقليدية بأنواعها المختلفة ومنها السيف العربي والترس والرمح والخناجر بمختلف أنواعها وصفاتها كالخنجر البغدادي والمجدلاني والدمشقي”.
وكان الدمشقيون يضعون الخنجر على الطرف الأيسر من جسمهم حيث يوضع داخل الزنار الذي كانوا يلفونه حول منتصف قامتهم، ولا يرى إلا قسمه العلوي أي قبضته.
ويتألف الخنجر من ثلاثة أقسام ، القبضة والنصل والغمد. وتستخدم مواد مختلفة في صناعة كل قسم من الأقسام الثلاثة، ويمتاز “الخنجر الدمشقي” بطريقة صناعته والمواد المستخدمة في هذه العملية.
ويقول الحرفيون السوريون تتم صناعة نصل الخنجر الدمشقي عن طريق صهر مادتي الحديد والفولاذ وبعض المعادن الأخرى كالكربون والفوسفور لتشكل ما يعرف بـ”الجوهر” ومن ثم استخدام المطرقة لجعل سطح الخنجر أملس.
وهذه العملية تؤدي إلى تشكل تموجات على سطح الخنجر، وتختلف هذه التموجات باختلاف أنواع الخناجر حيث يتميز الخنجر الدمشقي بتموجاته الرمادية الجميلة.
ومن ثم تتم صناعة قبضة الخنجر وجعل تجويف في داخلها على شكل نصل الخنجر وبعد ذلك يقوم الصانع بعمليات التزيين للخنجر كالتطعيم والتنزيل والحفر والنقش، وتختلف طريقة التزيين حسب نوع الخنجر.
وحول مراحل تزيين الخنجر يقول الحرفي أحمد الشيخة “أول مرحلة في تزيين قبضة الخنجر عملية الصقل والتنعيم، وتهدف هذه العملية إلى تهذيب القطعة وإعطائها شكلا إنسيابيا ورونقا خاصا، ثم مرحلة التطعيم والتنزيل والحفر والنقش، فالتطعيم يكون بتنزيل النحاس والذهب والفضة في المكان المناسب ضمن القطعة، والتنزيل يكون بإدخال قطع من الأحجار الكريمة كالياقوت والزمرد والمرجان في مكانها المناسب على القطعة المصنعة، والحفر يكون بإخراج جزء من سطح القطعة بواسطة الطرق وتغطيته بزخارف متنوعة نباتية أو حيوانية أو هندسية”.
ويضيف “أما النقش فهو عملية إظهار بعض النقوش على سطح القطعة، ولكل قطعة من الخناجر وحدات زخرفية خاصة تناسب شكلها كالتوريقات والورود والأشكال الهندسية والنباتية، وأدخل أحيانا بعض مناظر الصيد الخاصة بالحرب أو المبارزات أو مناظر لبعض الحيوانات المفترسة”.
وبحسب صانع الخناجر فإن هذه المشاهد كانت تُنقش على الخناجر والسيوف لإهابة الخصم أو العدو، بينما كانت بعض الخناجر الثمينة تُصنع من الفضة الخالصة، ويستغرق نقشها فترة طويلة قد تصل إلى شهر كامل حسب نوعها.
ويختم قائلا “إن ندرة بعض المعادن المستخدمة في صناعة خناجر الجوهر الدمشقية وعدم وجود مصانع متخصصة بصناعتها، بالإضافة إلى التكلفة العالية، أدت إلى توقف تصنيع هذا النوع من الخناجر، حيث تعادل تكلفته ضعفين أو ثلاثة أضعاف تكلفة شراء خنجر قديم”.

1