أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
1 2 3 41120
زيت الأركان السحري ذهب سائل في المغرب !!
19.09.2017

كتب فيصل عبدالحسن: تستفيد الشركات الطبية والمختصة في صناعة مواد التجميل من تجارب الشعوب في التعامل مع الأعشاب والأشجار والنباتات المفيدة في العلاج خاصة، إذ يدخل المختصون أنواعا شتى من الأعشاب والنباتات إلى مختبراتهم ليثبتوا مدى صحة ما يعتمده الناس في التداوي، ومن بين النباتات التي دخلت إلى ميدان الطب والتجميل زيت شجرة الأركان التي يشتهر بها المغرب، فقد تهافتت الشركات الأجنبية خاصة على شراء هذا النوع من الزيوت الذي أصبح يعتبر بمثابة الذهب السائل لما له من فوائد في العلاج والتجميل وما يدره من مداخيل مادية.
الرباط - انتشرت في السنتين الأخيرتين الكثير من المحلات التي تبيع مستحضرات زيت الأركان الحر أو مستحضرات منه، في سوق السويقة بالرباط، ويزداد الطلب عليه كل يوم سواء من السيّاح أو من المغاربة.
وتزداد يوما بعد يوم أهمية شجرة الأركان، وتتنافس حاليا شركات ألمانية وفرنسية وأميركية وكندية ودنماركية في استثماره بإنشاء صناعات دوائية وتجميلية، مستخدمة الزيت الذي تستخرجه من ثمار هذه الشجرة.
وتعتبر هذه الشركات شجرة الأركان شجرة سحرية، وشجرة للحياة، لما وجدته مختبراتها العلمية من فوائد طبية علاجية ووقائية وغذائية لزيت الأركان وكل ما تنتجه الشجرة من ورق وأغصان، وما يتخلف من عملية عصر ثمارها لاستخراج الزيت الثمين.
ووجدت هذه الشركات أن لهذا الزيت عدة فوائد صحية، فهو يعالج الكولسترول، وسرطان الجلد، والأكزيما، والروماتيزم، وتساقط الشعر، ويقاوم ظهور التجاعيد، إضافة إلى معالجته العشرات من الأمراض المستعصية في الجهاز الهضمي كالتهابات القولون، والانزلاقات الغضروفية كالسياتيك.
واكتشفت الشركات الأجنبية الكثير من الفوائد التجميلية لزيت الأركان، كتنعيم البشرة، وتطويل الشعر، وترطيب الشفاه التي يعاني أصحابها من الجفاف.
وتنتشر كثر من 18 مليون شجرة أركان في منطقة تمتد بين مدينتي الصويرة وأكادير، وتغطي مساحة قدرها أكثر من ثلاثة أرباع مليون هكتار.
والأركان من الأشجار المعمرة، ويمتد عمرها إلى مئتي سنة، ويتراوح ارتفاع المثمرة منها بين 10 و12 مترا.
نفط المغرب
تنبت شجرة الأركان بشكل طبيعي، ولا يتدخل الإنسان في إنباتها أو الاهتمام بها، وعرفها المغاربة منذ سبعة قرون، واستخدموا زيتها في طبخ أشهى الوجبات الغذائية، كطعام الأملو والطاجين والكسكسي والعصيدة.
واستعملته النساء كمستحضر لزينة الوجه، ونضارة البشرة وإطالة الشعر، وكلما عرف العالم المزيد عن فوائد ثمرة هذه الشجرة ازداد التنافس في الهيمنة على أكبر منتوج من ثمارها، لتوسيع استخراج زيت ثمارها، وتسويقه لمختلف الأغراض الطبية العلاجية، والتكميلية كالصناعات التجميلية والوقائية.
وقد نعت الفرنسيون الزيت المستخرج من لبّ ثمار هذه الشجرة بـ”اللوز البربري”، و”ذهب المغرب”، و”نفط المغرب”.
وفي عام 1999 أعلنت منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم، التابعة للأمم المتحدة، مساحة الأرض، في منطقة سوس، التي تنبت فيها أشجار الأركان، جنوب المغرب محمية طبيعية.
وأخضعت غابة الأركان من مدينة أكادير وحتى مدينة الصويرة، للضوابط التي تضعها لحماية هذه الشجرة الفريدة من الانقراض.
في السويقة بالرباط، وقرب أحد محلات بيع الصابون والشامبو، ومراهم ترطيب الشفاه وزيت إطالة الشعر، يزدحم العديد من الزبائن، خصوصا من النساء لشراء السلع، علما وأن صاحب المحل كتب على الواجهة أنَّ جميع المنتجات تم تحضيرها من زيت الأركان.
السيدة لطيفة سعيد (35 سنة) موظفة، كانت مهتمة بالبحث في المحل عن بضاعة تحتاجها، فسألت صاحب المحل عن منتوجات “شركة أركان أكادير أس ار أل”، وهي شركة متخصصة في تحضير مرهم خاص من زيت الأركان يفيد في معالجة نوع من الأكزيما أصيبت به طفلتها.
ثمرة فيها سر الحياة
قالت لطيفة لـ”العرب”، “عانينا، أنا وحميد زوجي، كثيرا خلال مدة علاج طفلتنا الوحيدة سناء، ذات الأعوام العشرة، من مرض الأكزيما الذي أصاب جلدها عند منطقة القدمين، عندما كانت في الخامسة من عمرها. ولم نترك طبيبا مختصا في الأمراض الجلدية إلا وراجعناه، واستخدمنا أغلب أنواع المراهم الطبية والمضادات الحيوية لمعالجتها، لكن كل ذلك لم يفد إلا بشفاء جزئي”.
واستطردت لطيفة قائلة “تتمثل المشكلة التي عانينا منها كثيرا في أنّ هذا النوع من الأكزيما حتى بعد أن تتم معالجته يترك ندوبا لا تزول على مستوى منطقة الإصابة. وخفنا، أنا وأبوها، من أن يخلق ذلك عند سناء عقدة نفسية مزمنة من شكل الجلد المشوه عند القدمين. لكن قبل سنة أخبرتني إحدى صديقاتي في العمل بأن استخدام مرهم جديد تم إنتاجه من زيت الأركان يمكن أن يفيد في حالة ابنتي سناء. وبالفعل سارعت إلى شراء المرهم، وخلال شهر واحد بدأت الأكزيما تنحسر عن قدمي ابنتي”.
وأكملت السيدة سعيد، مبتهجة، “ومن المزايا التي أفرحتنا كثيرا بهذا العلاج أنَّه أزال كل أثر سابق أو ندبة ظاهرة على الجلد. ولذلك كلما نفدت الكمية التي لدينا في البيت أجدّد تأمينها، كما اقتني مستحضرات زيت الأركان سواء لتطييب الطعام أو لترطيب البشرة أو لاستعمالها كصابون”.
وأضافت سعيد معبرة عن سرورها بانخفاض أسعار مستحضرات زيت الأركان “وتتراوح الأسعار بين 5 و50 درهما (9.6 درهم يساوي دولارا) ثمن قطعة الصابون الواحدة أو علبة مرهم زيت الأركان أو قنينة الشامبو لغسل الجسم والشعر”.
طعم اللوز
إبراهيم الطالبي (30 سنة)، صاحب محل بيع منتجات الأركان في السويقة بالمغرب، قال لـ”العرب” متحدثا عن عمله في تسويق عبوات زيت الأركان لتجار الجملة والتقسيط بمدينة الرباط بالرغم من انشغاله بالعديد من الزبائن الذين كانت طلباتهم مختلفة، “أنا وأخي محمد، نشرف على بيع منتجات شجرة الأركان في السويقة، منذ أكثر من سنتين. نقوم بتسويق عبوات زيت الأركان الحر التي تختلف أسعارها بحسب حجمها، وتتراوح الأسعار بين 200 و250 درهما. وهناك منتجات أخرى يدخل زيت الأركان في صناعتها كالصابون ومرهم ترطيب الشفاه، وآخر لمعالجة التجاعيد، ولدينا شامبو للشعر”.
ويستطرد الطالبي قائلا “تتراوح أسعار الصابون والمراهم بين 5 و70 درهما. ومنتجات الأركان، التي نبيعها من محلنا كلها مضمونة، ومصنعة من قبل شركات معتمدة في مدينة أكادير والصويرة، وتملك شهادة السلامة الصحية”.
صيدلية الأركان
وأضاف، “من يقتني من محلنا بضاعة لأول مرة سرعان ما يعود مرة أخرى للشراء، لما يجده لدينا من جودة، وأسعار معتدلة. وهناك من يعمد إلى الغش التجاري في بعض المنتجات، ويدعي أنَّه تم إنتاجها من زيت الأركان الخالص، ولكن كم نسبة هذا الزيت في منتجاته؟ وهنا يقع الغش”.
ويكمل إبراهيم حديثه بقوله “زيت الأركان النقي من الزيوت الغالية، ويبلغ سعر اللتر منه 300 درهم. ومن صفات زيت الأركان أنّ له طعم اللّوز، وطعما حارقا في الفم، ويمكننا معرفة النوع المغشوش بسهولة، حالما نتذوقه”.
إبراهيم ومحمد لا يبيعان في محلهما منتجات زيت الأركان للتجميل فقط، بل إنَّ لديهما نوعا آخر من زيت الأركان يمكن استخدامه لطهي الأطعمة، وسعره أزهد من النوع الذي يستخدم للعلاج أو الوقاية أو التجميل.
وعن عمليات الغش التجاري في صناعة زيت الأركان بإنتاج زيت له المواصفات الذوقيّة والشكليّة ذاتها التي يتمتع بها زيت الأركان، لكنه ليس من ثمار شجرة الأركان، يقول الحاج إلياس يوسف (70 سنة) الذي عمل في مجال تحضير زيت الأركان لعدة سنوات بمدينة الصويرة، “في كل صناعة وتجارة هناك من هم بلا ضمائر، فما دامت البضاعة نفيسة وغالية، ولها زبائنها، فإن لها أيضا نوعين من الغش. الأول خاص بالتسويق، إذ يستغل الوسطاء فقر الناس في البادية، ويشترون منهم بضاعتهم برخص التراب، ويضعون فوقها ربحا مضاعفا عند البيع. ويكررون بيعها بينهم، وكل واحد منهم يضع عليها ربحا حتى يصل سعرها في السوق إلى أعلى سعر ممكن”.
ويضيف الحاج إلياس “والغش الثاني أسوأ، وهو أن يقوم البعض بتحضير زيت مشابه للأركان بخليط من الجنجلان (السمسم) وزيت الزيتون. ويتم تسخين المزيج وتكريره، لعدة مرات، وبعد ذلك يتم فصل الجنجلان عن الزيت، الذي يطفو إلى الأعلى، ويكون بنفس لون ومذاق زيت الأركان، لكنه لا يملك فوائده الكثيرة”.
ويقول شريف عمر (65 سنة) الذي يعمل في الجمعية التعاونية أملو لتسويق زيت الأركان، وهو صاحب محل لبيع زيوت أركان للطهي، لـ”العرب” “يتم قطف ثمار شجرة الأركان، وهي شبيهة بثمار المشمش. ثم نضع الثمار في الشمس لتجف، وبعد ذلك نزيل قشرتها الخارجية. والقشرة بالرغم من صلابتها هشة، وبعد ذلك نستخرج لب الثمرة، وهي في شكل حبوب بيضاء. ونقوم بتحميصها على نار الموقد ونقلبها، حتى يتحول لونها من اللون الأبيض إلى اللون الذهبي. وهذا النوع هو الذي نبيعه في محلنا وهو خاص بالطهي”.
فوائد صحية وجمالية مذهلة
ويضيف “أما النوع الذي يستخدم لتحضير أنواع مستحضرات التجميل أو العلاج أو الوقاية، فندفع اللب من دون تحميص إلى العصر، نضع اللّب المحمص في الرحى الحجرية. ونقوم بسحقه بين حجري الرحى، حتى يتحول إلى عجينة، وبعض الشركات الحديثة تستعمل ماكنة لرحي اللّب لتقليل عدد العمال، ولكن المغاربة يفضلون طحنه بالرحى بالرغم من التعب والجهد الذي يُبذل في هذه العملية، ويباع بعد ذلك للمختبرات لتحضير أنواع عديدة من مواد التجميل أو العلاج”.
ويوضح شريف متاعب العاملات في رحي لب ثمرة شجرة الأركان لاستخراج الزيت قائلا “يستغرق عمل العاملة على الرحى لتحضير العجينة الكثير من الوقت، فكل عاملة تعمل مدة يومين لاستخراج لتر واحد من الزيت، من عجين اللّب، الذي تخلطه بالماء لغرض عزل الزيت عن بقية مخلفات اللّب. فينعزل الزيت عن العجينة في ظاهرة فريدة. إذْ تمتص العجينة الماء، وتطرح زيتا صافيا يأتي بلون أصفر كالذهب، وتستخدم العجينة المتبقية علفا للأبقار”.
ويكمل شريف حديثه، بقوله “زيت الأركان الذي تنتجه جمعيتنا صالح للطبخ. وهو يضفي نكهة خاصة على الأطعمة، ويستخدم في تحضير طعام الكسكسي والطاجين والأملو، والعصيدة، وغيرها من الأطعمة الشهيّة. وسعر اللتر منه يتراوح بين 200 و220 درهما”
مخاطر الطريقة التقليدية
يقول الأخصائي في الأمراض الجلدية الدكتور هشام كيطوط لـ”العرب” عن مزايا زيت الأركان وصفاته العلاجية، “الكثير من الوصفات الطبية الخاصة بحساسية الجلد نصف فيها منتجات زيت الأركان. فهو يحتوي على مادة الستيرول ضد الالتهابات، كما أنَّه يمنع تأثيرات الكولستيرول المضرة، ويفيد في زيادة تأثيرات العصارات الهضمية، ويعالج العديد من أنواع الأمراض الجلدية كالاكزما، والبهاق، والثعلبة، والصدفية، وجدري الماء، والحصبة، والروماتيزم. ويمنع تساقط الشعر، ويلين البشرة، ويحتوي على فيتامينات مفيدة للجسم. ويدعم مناعة الجسم ضد الأمراض وخصوصاً أمراض الجلد”.
ويضيف كيطوط، “تقوم عدة شركات أجنبيّة حاليا بتصنيع الزيوت الطبية والتجميلية، ولكنْ للطب اعتراضا على طريقة التحضير اليدوية التقليديّة، ففي هذه الطريقة يتم عزل الزيت عن العجينة بخلطها بالماء، وهذا يساهم في تقصير عمر الزيت وفوائده. وقد وجد من خلال الفحص المخبري أنَّ زيت الأركان المستخرج بهذه الطريقة يتلف بعد شهر واحد. وتنبعث منه روائح كريهة. وفي حالة استخلاص الزيت من خلال آلات الرحي، يدوم الزيت مدة طويلة، ويكون ذا فائدة تمتد لأكثر من سنة".!!
*المصدر :العرب

1