أحدث الأخبار
الجمعة 01 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41133
"عواسة الكسرة" تعود إلى بيوت السودانيين بعد أن عز الرغيف!!
03.11.2017

تعود الكسرة في السودان بعد أن سجلت غيابا مثيرا عن المائدة السودانية في السنوات الأخيرة، وذلك لأسباب عديدة منها عدم إلمام الجيل الجديد بأهمية الدور الذي تلعبه تلك الوجبات السودانية الأصيلة، وابتعاد فتيات جيل اليوم عن تعلّم إعدادها بسبب انشغالهن بالتعليم والوظيفة. وتوجه السودانيون للوجبات المستوردة والساندويتشات، لكن أزمة الخبز تدفع بالعائلات الفقيرة والمتوسطة إلى العودة إلى الوجبة التقليدية التي كان يفضّلها السودانيون.
الخرطوم - طالب برلماني في السودان يدعى عبدالله البلال، عودة النساء إلى “عواسة الكسرة”، بعد أن أكد خبراء اقتصاديون أن السودان سيفقد فرص الاستفادة من البنك الدولي ومبادرات إعفاء الديون، هذا إضافة إلى عودة أزمة الخبز وعودة الصفوف الطويلة أمام المخابز وغلاء أسعاره.
والكسرة من أنواع الخبز الشعبي والمحبوب لدى معظم السودانيين، ويرجع تاريخها لعهد بعيد وبها عرفت مائدة السودان في الكثير من دول العالم وكانت في السابق وجبة رئيسية.
ويشتكي مواطنون منذ أسابيع في عدد من المحافظات ومناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم من ندرة الخبز والوقوف لساعات أمام المخابز، التي لجأ بعضها إلى تقليل حجم أرغفة الخبز ورفع أسعارها، استغلالا لحاجة المواطنين.
وتقول آمال خوجلي، “إن الكسرة تسمى ‘الرهيفة’ ولم تتغير طريقة إعدادها منذ قرون خلت، ولكن تراجع وجودها على المائدة في السودان يعود إلى توفر الخبز بأشكال مختلفة بعد أن كان نادرا”. وتوضح خوجلي، كيفية صناعة الكسرة قائلة إن هناك أنواعا عديدة من الذرة تستخدم في عمل الكسرة السودانية ومنها (الفتريتة – الهجين الصفراء، ود عكر، والفحل، والزريزيرة).
وتبدأ العملية بتخمير الدقيق ليلا في إناء مغلق، وعند الصباح يتم إضافة باقي الدقيق له ويُعجن ويتم تخفيضه حتى يصبح متماسكاً وجاهزاً لعمل الكسرة.
وتقول الخوجلي، إن صنعها يسمى “العواسة” والمرأة أو الفتاة التي تجيدها يقال لها “عوّاسة”. موضحة أن “العواسة” هي صب قليل من العجين على الصاج والذي يوضع على نار هادئة من الفحم على الكانون.
وقديما كانت تستعمل للعواسة “الدوكة” المصنوعة من الفخار على شكل مسطّح وهي مرتبطة “باللداية” وهي ثلاث كتل من الطين الجاف والتي توضع عليها على الأرض ويدخل الحطب من الجنبات.
ويمسح صاج العواسة غالبا بالزيت أو “الطايوق” وهو مادة النخاع الشوكي ذلك لأنه يساعد على قلع الكسرة بسرعة لكي لا تلتصق بالصاج وتحترق.
وبعدها توضع الكسرة متراصة على الطبق واحدة تلو الأخرى، والطبق هو عبارة عن إناء دائري مسطح مُحْكم ويمكن أن تحفظ فيه لعدة أيام. وتقول الحاجة بتول إن رجال الحارة والبعض من الأطفال يخرجون صباحا باكرا لشراء الخبز وإعداد فطور الصباح قبل دوام المدرسة، مؤكدة أن البلاد أصبحت تعيش أزمة خبز، فمن يتأخر عن الخروج يبقى دون فطور، مضيفة أنها فضّلت العودة لعواسة الكسرة بدلا من أن يضيّع زوجها ساعات طويلة واقفا في طابور.
وقالت إنها أصبحت تعتمد على الغاز، لأن بيتها لا يتسع لإعداد الكسرة على الدوكة والحطب، وتقول الحاجة إن الكسرة وجبة مشبعة ومفيدة للصغار قبل الكبار، لكن الجيل الجديد من النساء لايجيد العواسة، فأصبحت تباع في الأسواق والمخابز.
وكانت الفتيات المقبلات على الزواج في السودان يتعلمن صنع عواسة الكسرة كشرط من شروط الزواج، فالمرأة التي لا تجيد العواسة تعود إلى بيت أهلها لتتعلم أصول إعداد الكسرة، لكن اليوم حلّ محلّ الكسرة الرغيف، بعد أن خرجت المرأة السودانية للعمل وأصبحت تشتري الكسرة من السوق حين يشتهي أطفالها أكلها.
وبعد أن توقعت البعض من الدراسات غياب الكسرة عن الظهور في العام 2017، تعود إلى البقاء على الموائد، بعد توقع السودانيين العودة إلى أكل الكسرة بعد غلاء الرغيف وزيادة أسعار الوقود والكهرباء وتعويم الجنيه وانعكاس ذلك على معيشة أغلبية المجتمع السوداني، فأصبح خيار الفقراء العودة للخبز التقليدي المصنوع من الذرة.
وتعمل العديد من النساء المسنّات في إعداد الكسرة وبيعها في الشارع مرتديات طواق مصنوعة من السعف للحماية من هجير الشمس، تقول أم محمد، إن الكسرة ستعود إلى المائدة السودانية، كما ستنتعش تجارتها في أسواق الأحياء بعد الغلاء الذي يشهده الرغيف.
وتضيف أم محمد أنها بدأت العمل في بيع الكسرة منذ عشر سنوات بعد أن قدمت من مدينة الأبيض إلى العاصمة الخرطوم مع زوجها العامل في البناء، وقالت، إنها تعمل للمساعدة في مصروف العائلة وتربية أبنائها الخمسة الذين يدرسون في مراحل مختلفة.
زوج أم محمد يعمل لمدة يومين أو لأسبوع ليظل بقية الشهر دون عمل، لذلك تعمل زوجته كي تساهم في دفع رسوم المدارس وتشتري الاحتياجات اليومية للبيت.
وتقول، إنها تخمّر العجين في الليل وتسيقظ منذ الصباح الباكر وتبدأ العواسة حتى الساعة الحادية عشرة، وتقوم بتوزيعها على المطاعم والبقالات، وتترك جزءا منها في المنزل لأصحاب الحاجة.
وعن مدى الإقبال على شراء الكسرة تقول أم محمد، إن الإقبال يكون كبيرا خاصة في فترة الظهيرة، مضيفة، أن أغلبية النساء لا يحبّذن العواسة!!

1