أحدث الأخبار
الأربعاء 24 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41122
آخر سكان الكهوف التونسيين يتمسكون ببيوتهم في مدينة مطماطة!!
24.02.2018

توجد الكثير من المدن التاريخية على امتداد الوطن العربي وجميعها تتميز بخصائص معمارية لا نجدها في غيرها، إلا أن مدينة مطماطة في الجنوب التونسي تبقى من أكثر المدن تميزاً وغرابة بحكم طابعها المعماري الذي عرفت به على امتداد العصور وأخذت اسمها من إحدى القبائل البربرية التي استوطنت مناطق شاسعة من تونس قبل الفتح الإسلامي. وقد أصبح النمط المعماري المختلف لهذه المنازل المبنية داخل الكهوف ذا دور هام في جذب السياح، وهو أمر يحرص عليه سكان المدينة، من خلال حسن استضافة الزائرين الذين تراجع عددهم منذ سنة 2011.
مطماطة (تونس) – في الوديان القاحلة بالمنطقة الجبلية في جنوب تونس يعيش بعض السكان منذ قرون في بيوت تحت الأرض توفر لهم الوقاية من شدة الحر في فصل الصيف ومن الرياح في فصل الشتاء.
إلا أن هجرة أهل الريف من هذه المناطق في السنوات العشر الأخيرة أدت إلى تناقص أعداد من يعيشون في هذه البيوت المكونة من غرف منحوتة في جدران قاعة دائرية محفورة في الصخر. وتقول الأسر القليلة الباقية إنها متعلقة ببيوتها وبالأرض ولا مجال أمامها للنزوح من المنطقة.
تقول لطيفة بن يحيى (38 عاما) التي تعيش في كهف من خمس حجرات في إحدى القرى “مات أبي وماتت أمي وتزوجت البنات وأصبحت وحيدة، راحوا كلهم يعيشون حياتهم”، لكنها ما زالت صامدة متمسكة ببيت العائلة قائلة “إذا رحلت فسيضيع البيت”.
وعرفت مدينة مطماطة باسمها البربري “اتوب” وبنيت منازلها في كهوف مكونة من غرف منها ما يستخدم لحفظ المؤونة ومنها ما يستخدم للنوم وتربط بين ذلك جميعا ممرات أرضية، وكذلك تربط بين أفنية الكهوف سلالم محفورة في الأرض. والمثير للدهشة أن هذه الخصائص المعمارية الفريدة قد أوجدت للمدينة آلية تكييف طبيعية تمنحها الرطوبة في الصيف والدفء في الشتاء.
وقد بنيت المدينة في باطن الأرض للاختباء ولتجنب هجومات القبائل الأفريقية التي كانت تشن من المناطق المجاورة لها.
ولا تزال المدينة العتيقة الأصلية قائمة بسكانها رغم أن الكثير من أهل مطماطة قد اختاروا إنشاء بيوتهم من الحجر الحديث حول المدينة العتيقة التي تنتشر فيها أشجار النخيل وبساتين الزيتون.
وخلال الحرب العالمية الثانية تضررت بعض الأماكن في هذا المعلم الأثري بسبب قصف الحلفاء على القوات النازية المتواجدة في المنطقة، كما قامت هذه ةالأماكن بدور تاريخي هام في مقاومة الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسية حيث لجأ قادة المقاومة إلى كهوفها وبيوتها واتخذوها قاعدة لتنظيم الهجمات ضد قوات الاحتلال.
وتختلف بيوت الأمازيغ في مطماطة عن بيوت الحجر والإسمنت في المدينة الحديثة وإن كانت توجد كهوف مشابهة لها على الجانب الآخر من الحدود مع ليبيا. وفي أنحاء أخرى من المنطقة توجد بيوت ومخازن منحوتة في الصخر فوق الأرض.
وقد رحلت أسر كثيرة عن البيوت الواقعة تحت الأرض عندما بنيت مدن وقرى جديدة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي في إطار حملة التحديث التي قادها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
ويظن بعض السكان المحليين أن بورقيبة أراد خلخلة مجتمعات البربر في إطار مساعيه لدمجهم في الدولة بعد الاستقلال عن فرنسا.
ومن العوامل التي ساهمت في النزوح عن الريف أيضا نزاعات على المواريث وفترات من الجفاف أو من هطول الأمطار الغزيرة التي قد تتسبب في انهيار البيوت. وشيد البعض بيوتا حديثة على الأراضي المجاورة واستخدم البيوت التقليدية كإصطبلات أو ورش.
ويعتمد السكان في معيشتهم على زراعة الزيتون والسياحة بعد أن أصبحت المدينة وجهة سياحية منشودة إثر تحويل أحد كهوفها إلى فندق واستخدم في تصوير فيلم حرب النجوم في السبعينات.
وأشهر النزل المبنية في الكهوف نزل “مرحلة”، الذي يعود حفره إلى سنة 1961، ونزل “سيدي إدريس”، الذي تم فيه عام 1970 تصوير جزء من الفيلم الأميركي الشهير “حرب النجوم”، للمخرج جورج لوكس، وقد ساهم في زيادة شهرة المدينة، ومن ثم عدد المترددين عليها.
غير أن حركة السياحة في مختلف أنحاء تونس لم تسترد عافيتها بالكامل بعد التراجع الشديد الذي شهدته في أعقاب انتفاضة الربيع العربي عام 2011.
وتقول صالحة محمدي (36 عاما) “قبل الثورة كانت هناك سياحة. ومنذ ذلك الوقت لا يحدث الكثير، باستثناء بعض التونسيين الذين يأتون أيام الإجازات أو العطلات”. وتقول إنها مرتاحة في بيتها الذي تعيش فيه مع زوجها وأبنائها الأربعة وتسمح للسياح بزيارته مقابل بعض المال.
وأضافت “إذا حصلت على بيت آخر فسأعطيه للأولاد، فهذا البيت هو الذي عشنا حياتنا فيه”. وعلى بعد قرابة كيلومترين عن مركز المدينة، يوجد بيت عائلة توفيق بن ناصر، وهو محفور وسط مغارة.
تبلغ مساحة البيت 300 متر مربع، ويتخذ شكلا دائريا تتوسطه ساحة كبيرة، وبه 10 غرف منقسمة إلى طابقين، طابق علوي خاص بتخزين الشعير وبقية المؤونة، وآخر سفلي خاص بالسكن، وتتخذ الغرف لون الطين مع طلاء أبيض في مداخل معظم الأبواب.
عن بيته يقول توفيق بن ناصر (52 سنة)، “يبلغ عمره أكثر من 400 سنة، وهو منحوت داخل مغارة في الجبل مميزة بطين اللاّزمزة (نوعية من الطين الصلب والمتماسك) التي تمنع سقوط البيت”. وعادة ما يستغرق حفر مثل هذه المغارة مدة شهرين أو ثلاثة، ويبلغ عمقها قرابة 30 مترا.
ويدير هادي علي كيال (65 عاما) متجرا صغيرا في إحدى القرى وهو من القلائل الباقين الذين يعرفون أساليب بناء هذه البيوت والحفاظ عليها، وكان آخر بيت جديد حفره في السبعينات، أما الآن فهو يخوض معركة وحده لإنقاذ ما تبقى منها.
ويقول “كلما تسربت مياه الأمطار إلى هذه البيوت أتيت لإزالة ما تجمع من هذه المياه، فأنا لا أريد لهذه البيوت أن تختفي”.

1