أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
1 2 3 41120
جني التمور في الجنوب التونسي: موسم فرح على أشواك سعف النخيل !!
10.10.2018

*تعد التمور أحد أهم المنتوجات الفلاحية التي لا تزال مطلوبة من قبل الأسواق الخارجية لكن هذا القطاع مهدد بسبب عزوف الشباب عن العمل فيه بسبب مخاطره وعدم حصولهم على الضمان الاجتماعي والتغطية الاجتماعية، كما أن الحكومات المتعاقبة تهمل القطاع الذي يعد مصدرا دائما للعملة الصعبة، لذلك يقترح المهتمون بزراعة النخيل في تونس على السلطات حلولا عملية لإنقاذ القطاع قبل فوات الأوان.
توزر (تونس) - بدأت الاستعدادات لجني محصول التمور في الجنوب التونسي؛ ففي توزر إحدى المحافظات التي اشتهرت بواحاتها، يحتفل في كل خريف بهذه المناسبة التي تبدأ في منتصف شهر أكتوبر رغم ما يشاع عن تراجع صابة التمور هذا الموسم، وخاصة دقلة النور التي تعد من أجود أنواع التمور المطلوبة في الأسواق الخارجية.
والاحتفال بجني المحصول يشمل كل المنتوجات الفلاحية ويشارك فيه الفلاحون ومالكو الأراضي في ربوع تونس، لأن هذه المنتوجات تعود عليهم بالرزق والبركة، فتتحول الواحات إلى خلايا نشيطة تمتلئ بالعمال والغناء، غناء العمل وإيجاد إيقاع بين سلسلة العمال من أعلى النخلة إلى الذين يجمعون المحصول على الأرض ويصنفونه.
يقول الطيب بن عبدالسلام سلطان (53 عاما) الذي امتهن العمل الفلاحي داخل واحات توزر القديمة صحبة والده منذ نعومة أظافره متنقلا من ضيعة إلى أخرى، “اندمجت في الواحة حتى صارت قطعة مني وأنا قطعة منها”.
ويضيف لوكالة تونس أفريقيا للأنباء ( وات) “خدمة النخلة مباركة تتطلب صبرا وجهدا وفيها فوائد، فهي شجرة ارتبطت منذ الأزل بالإنسان وهي هبة الله لأرض الجريد منها بنيت مسكني وعشت مطمئنا بفضلها ونجحت في تربية أبنائي فتخرج ثلاثة منهم في الجامعة وأنتظر تخرج رابع وخامس”.
ويعمل في جني التمور “القطاعة” وهم العمال المتمرسون العارفون بفن تسلق النخلة، يتموقعون في أعلى النخلة لقطع عراجين التمور متعرضين لشوك السعف الذي يدميهم، ثم يسلمونها إلى المتسلقين الذين يسمون “الرقايا” ويشترط في عملهم الذي أصبح بمثابة الاختصاص أن يحسنوا الصعود والنزول على جذع النخلة ويحتاجون إلى تركيز دائم لأنهم يظلون طوال فترة عملهم معانقين الجذعَ بيد لينقلوا العراجين إلى المتسلق الآخر باليد الأخرى.
ويصل عدد المتسلقين في النخلة الواحدة إلى ستة عمال، تنتقل بينهم شماريخ التمور إلى أن تصل إلى العاملين على الأرض والذين يسمون “اللقاطة”.
وقدّر المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية بتوزر، يوسف العزابو، حجم المنتوج الإجمالي لصابة التمور بمحافظة توزر للموسم الحالي بنحو 58 ألف طن منها حوالي 43 ألف طن من صنف دقلة النور، مقابل 68.2 ألف طن خلال الموسم المنقضي مسجلة تراجعا بنحو 16 بالمئة، ورغم هذا النقص فإن منتوج التمور لهذا الموسم تميّز بالجودة العالية.
عملية الجني لا يقوم بها إلا العمال العارفون بتقنيات تسلق شجرة النخيل السامقة، فهي مهنة المخاطر التي هجرها الشباب بعد قصص الحوادث القاتلة التي يعرفونها أو يسمعون بها، بسبب سقوط القطاعة أو الرقايا المفاجئ من النخلة، كما يرون في شوارع المدينة وقراها مقعدين يتسولون ويروون أحيانا حكاياتهم الطويلة مع الواحة التي أصبحت بدورها مهددة بالانقراض بسبب الإهمال.
يقول العم عبدالفتاح متحدثا عن الشاب معز الذي أجبرته ظروف الحياة على العمل من أجل إعالة أهله وإخوته، معز شاب طيب لم يفارق قرية رأس العين لأن والده ووالدته فقيران يحتاجان إلى من يعمل من أجلهما ويرعاهما، يزاول مهنة جني التمور مقابل عشرين دينارا في اليوم (ما يعادل ستة دولارات ونصف الدولار)، “هل يكفي هذا المبلغ لإعالة أسرة”، مضيفا أن معز سقط من أعلى النخلة لتتم عملية نقله إلى مدينة صفاقس التي تبعد حوالي 300 كيلومتر لإسعافه، لكن المستشفى هناك رفض قبوله فرجع ثانية إلى مستشفى توزر، “لا نعرف ما هو مصير معز؟ هل سيعود إلى العمل أم سيبقى مقعدا يعيش على حسنات الناس.. في ماذا ستفيده الأجرة البسيطة”.
ويطالب عبدالفتاح الحكومة بالاهتمام بقطاع التمور والعاملين فيه وتأمينهم، فالتمور مصدر دائم للعملة الصعبة في ظل تراجع السياحة التي أصبحت تقتصر على الزوار الذين لا يدفعون ما يكفي من المال للنهوض بالقطاع، و”كأن تونس أصبحت سوق السائح الفقير، ومع ذلك تدعم الحكومة أصحاب المشاريع السياحية وتؤمّن العمال في القطاع السياحي اجتماعيا وهو ما لم يحصل مع عمال القطاع الفلاحي”.
العم عبدالفتاح يتحدث عما جناه من العمل في الواحات عكس ما جناه الطيب قائلا “قضيت كل عمري اشتغل في النخل، ولم أجني منه غير الفقر وإصابات وكسور أقعدتني عن العمل، وأنا اليوم أعيش من خير الناس وإحسانهم، في حين أنه كان على الحكومة أن تؤمن لي راتبا يغنيني عن سؤال الناس، ألم يكن النخل وعماله سند تونس منذ الاستقلال، فمن يكون سندي اليوم؟”.
من نجا من مخاطر العمل في جني التمور هجر الواحات إلى المدينة، لكن هناك من جبل على حب الواحة، فلا يستطيع فراقها رغم متاعبها، وهو حال محمد النوري (44 عاما) الذي يقول “بدأت العمل مبكرا في سن الـ13 لأني كنت الولد الوحيد لعائلتي، فوجدت نفسي مضطرا إلى العمل لأساعد والدي على إعالة أخواتي البنات، لم أزر المدارس مثل بقية الأطفال، لم ألعب معهم الكرة في العطلة المدرسية”، لكنه لم يجن غير المتاعب، وعن ذلك يقول “سقطت من قمة النخيل ثلاث مرات، ومنذ 8 سنوات لم يعد بإمكاني التسلق، ولكني لم أهجر الواحات، أفضل أن أشتغل في الفرز وتجميع الصابة على العمل في الحضائر”.
الحكومة لا تكترث لأهم مصادر العملة الصعبة الحكومة لا تكترث لأهم مصادر العملة الصعبة
محمد النوري يعد واحدا من بين المئات من العمال الذين سقطوا من قمم النخيل ولم تلتفت إليهم السلطات الجهوية ومالكو غابات النخيل الذين يجنون ولا يعملون كما يقول النوري.
ومع عزوف الشباب عن العمل بالواحات وعجز كبار السن عن الاهتمام الدائم بالنخيل، تعاني أيضا الواحات -وخاصة القديمة التي لم تدخلها المكننة- من مشاكل عديدة.
ويرى عارف الناجي رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة أنه بالنظر إلى الإشكاليات العديدة التي تعاني منها الواحة القديمة -من بينها عزوف اليد العاملة- على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها بتشجيع الشبان على العمل الفلاحي وتوفير اختصاصات جديدة بمركز التكوين المهني الفلاحي في زراعة النخيل وتوفير المنح التشجيعية لاستقطابهم، وهي حلول ستساهم في إعادة الاعتبار للواحة والعمل فيها وتعصيرها.
ويضيف أن الواحات القديمة الموزعة في محافظة توزر تمسح 3600 هكتار، وتشكو شيخوخة الآبار وغلاء تكلفة مياه الري وشحها ونضوب العيون الطبيعية، هذا إضافة إلى تجزئة الواحة وتشتت الملكية حتى أن بعض غابات النخيل لا تمسح سوى ربع هكتار فيستحيل تعصيرها وتجديدها بعد أن أصبحت مهملة من طرف الورثة.
من جانبه يعتقد شاكر بردولة -فلاح في الواحة القديمة ورئيس نقابة الفلاحين- أن البدائل لتحسين إنتاجية الواحات القديمة وتعصيرها متعددة، أبرزها المكننة، فضلا عن إسناد الأعمال الفلاحية إلى شركات صغرى في شكل لزمة مع تشجيع إحداث شركات متخصصة في الخدمات الفلاحية.
وتساءل عن دور الجهات المعنية من وزارات وهياكل في بعث صالونات دولية للنخيل توفر الفرصة للتعرف على الآلات التي تتماشى مع العمل الفلاحي داخل الواحة.

1