أحدث الأخبار
الخميس 18 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 4 51121
توسير الصقور.. مهنة دقيقة توارثتها الأجيال منذ القدم في السعودية!!
09.03.2024

الطائف (السعودية) ـ تحتل مهنة “توسير أجنحة الصقور”، أي إصلاح الريش المكسور أو التالف، واستبداله بريش آخر صالح ومناسب للطير، مكانة موثوقة ومتميزة بين أبناء محافظة الطائف.وعرفت مهنة “توسير ريش الصقور” في محافظة الطائف منذ زمن، حيث تبدأ مهام هذه العملية بعد عودة الصقارين من رحلات “القنص” وتوفير أصحابها الرعاية الطبية اللازمة لها، إذ تتعرض صقورهم خلال وقت القنص أو التدريب لحوادث تسبب لها كسرا أو تلفا في الريش، حيث يقوم مختصون ذوو مهنة دقيقة ومتوارثة جيلا بعد الآخر، على علاج أو إصلاح الريش باستخدام دعامات تساعد الصقر على التحليق مرة أخرى وبشكل طبيعي دون اختلاف أو خلل قد يصيبه.وأكد لوكالة الأنباء السعودية المهتم بالتوسير مسعود الجعيد أن السعوديين اعتادوا منذ القدم على اقتناء الصقور وأحبوا تربيتها وحرصوا على رعايتها وعلاجها من الأمراض وتجهيزها ورفع مهاراتها ولياقتها استعدادا لموسم القنص الموروث التقليدي القديم الذي تتوارثه الأجيال، حيث يتهافت إليه الصقارون بحلول شهر أكتوبر سنويا، ومن خلال هذا الموسم خرج الاهتمام بالصقور بمهنة “توسير الريش” التي تعد من أهم المهن الدقيقة والضرورية لتغيير الريش التالف أو المعطوب بريش جديد لطير يحمل لونا مشابها إلى لون الصقر المراد توسيره.
وأكد أن عملية التوسير لا تستغرق في أيدي المهرة سوى أربع إلى خمس دقائق، وبأدوات بسيطة ومعروفة تتمثل في أعواد الشوي من نوع الخشب، وأسلاك نحاسية خاصة وبسمك محدد، وكذلك غراء لاصق، وبودرة بيضاء أو رماد الحطب الذي يؤدي مفعولا ذا أثر على الطير من خلال تثبيت الريشة المضافة حديثا، موضحا أن عدم توسير الصقر ومعالجة الريش المكسور، يتسبب في إخلال توازنه أثناء التحليق، حيث لا يقتصر التوسير على عمر محدد للطير بل يشمل جميع الأعمار، مشيرا إلى أن هواية التوسير اكتسب تعاليمها من خلال سياحة الصقارين الذين يرافقهم في حلهم وترحالهم.وشرح الجعيد مفصلا، أن ريش التوسير يحصل عليه بعد العملية السنوية المعروفة “بطرح الريش للطير” التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي بنهاية شهر سبتمبر، يقوم خلالها الصقر باستبدال ريشه القديم عن طريق طرحه (حذفه) لينمو محله ريش جديد، وهنا نستفيد بجمع الريش وحفظه في مكان معتدل لاستخدامه في التوسير، وبأحجام مختلفة، موضحا أن جناح الصقر يتألف من 22 ريشة، ومنها 10 ريشات تدعى أو تسمى بالابتدائية وتقع على الجهة الخارجية للجناح و12 ريشة تدعى بالثانوية وتقع على الجهة الداخلية للجناح، حيث تستغرق فترة حذف ونمو الريشة الواحدة ما يقارب من 3 إلى 8 أسابيع، اعتمادا على طول الريشة.
وتوسير الطير هي عملية استبدال الريش المكسور للطائر من طائر آخر، ويطلق عليها الريشة المانحة من تساقط سابق لنفس الطائر أو من طائر آخر من نفس النوع أو من نوع مختلف، وما يُوسّر في الغالب هي الطيور الجارحة خاصة الصقور المستخدمة بالصقارة، وقد تُوسَّر الطيور البحرية والغرابيات وأنواع أخرى من طيور مراكز إعادة التأهيل. وهي ليست مؤلمة للطائر، لأن الريش هيكل ميت يتكون من الكيراتين وهو ما يتكون منه شعر الإنسان وأظافره. ولا يمكن التوسير إلا في حالة انكسار الريش جزئيا أو حين يكون تالفا، وليس للريش المتساقط.ويرتبط التوسير بمهنة الصقارة، التي تعد هواية ورياضة تجمع نحو 500 من الصقارين في منطقة الجوف، يشرفون على تربية أكثر من 1000 صقر من مختلف الأنواع، حيث تعد صحاري الجوف وشمال المملكة من المناطق المفضلة، كطريق، لهجرة الطيور من آسيا وشرق أوروبا نحو أفريقيا والشرق الأوسط في موسم الشتاء، وتجذب هواة القنص والصيد بالصقور.
يقول الصقار خالد عبدالرحمن الربيع “تمتد فترة ‘المقيض’ نحو 7 أشهر من مارس إلى أكتوبر، ويستبدل الصقر خلالها الريش القديم عبر عملية تسمى ‘القرنسة’، ويحتاج خلال هذه الفترة إلى العناية والتغذية والعيش في مكان مناسب، ليبدأ الاستعداد لموسم الصيد مع مطلع شهر أكتوبر من كل عام، وهي مرحلة تسمى ‘نقلة الطير'”.ويضيف “تكمن أهمية فترة ‘نقلة الطير’ في تجهيز الصقر لموسم الصيد واستعادة لياقته كونه يمضي في المقيض بضعة أشهر من الخمول دون تدريب أو خروج للصيد، وينطلق موسم الصيد في بداية نوفمبر ويستمر حتى نهاية يناير فيما تتخلل الفترة ما بين فبراير ومارس بعض الأنشطة والمسابقات الداخلية والدولية، إلا أن بعض الصقارين يواصلون النشاط مع طيورهم لعدة أشهر حرصا على الاستمتاع بممارسة هوايتهم لأطول فترة”.
ويلتقي عشاق الصقور بشكل يومي في مكان يسمى “مدعى الطيور”، ويحتاج ذلك إلى حمام و”ملواح” من أجل الحفاظ على لياقة الصقر والرفع من كفاءة أدائه، وتشتهر عدة مواقع على مستوى منطقة الجوف بأنها أمكنة لتجمع الصقارين خلال الموسم، مثل موقع “مدعى الصقور” شرق سكاكا، حيث يلتقون لممارسة هوايتهم ونقل هذا التراث إلى الناشئة والشباب، كما يتطلعون إلى إقامة مهرجانات خاصة بالطيور في المنطقة.و”الصقارة” ترمز للشجاعة والقوة عند العرب، حسبما ذكر الصقار فواز نايف العويضة، مبينا أن هذه الهواية نشأت منذ زمن قديم، وعرفت في الجزيرة العربية وبلاد الرافدين وآسيا وأوروبا، وهي بمثابة مسابقة رياضية، لها أنظمتها في بعض الدول.ويقوم الصقارون بصيد الصقر نفسه أحيانا، ومن ثم يتم ترويضه حتى يشعر بالألفة ويأنس إلى الصقار، تلي ذلك مرحلة تدريب الصقر على الصيد، وبعد اكتمال ترويضه وتدريبيه، يُترك له المجال للتحليق بحرية.ويقول الصقار عبدالمصلح فايز النادي “تصطاد الصقور طرائد متنوعة تشمل الحيوانات الصغيرة مثل الأرانب، وكذلك الطيور كالحباري وغيرها، وهناك عشرات الأنواع من الصقور عالميا”.وكما هو الحال مع العديد من الطيور الجارحة، تتمتع الصقور بقدرة استثنائية على الرؤية، تم قياس حدة البصر لأحد الأنواع وكانت بمعدل 2.6 مرة مقارنة بالإنسان العادي.
وتعيش الصقور في قارّات العالم الست الرئيسيّة، ومعظم أنواع الصقور تعيش على الأشجار، حيث تبني أعشاشها في أعاليها، وبعض أنواع الصقور تعيش على الأرض، وتحديدا في المساحات العُشبيّة، مثل صقر المستنقعات، وتوجد أنواع أخرى من الصقور تعيش في المناطق المنحدرة، وتنتشر الصقور أيضا في الأراضي الرطبة والجبال والغابات ومصبات الأنهار، ويمكن أن تتواجد أنواع منها في مناطق التايغا وفي الصحراء، وتتخذ بعض أنواع الصقور من المناطق الحضريّة موطنا لها، فتقطن في المزارع والمتنزهات والحدائق والمدن المزدحمة، أمّا المكان الوحيد الذي لا توجد فيه صقور فهو شمال الدائرة القطبية الشماليّة والقارة القطبية الجنوبيّة.وتعتمد الصقور في نظامها الغذائي على اللحوم، فهي تتغذى على الثدييات الصغيرة مثل الأرانب البريّة والقوارض والسناجب، وتتغذى أيضا على مختلف أنواع الحشرات مثل الصراصير والجنادب والعث والزواحف مثل السحالي والثعابين، وتتغذى على اللافقاريّات الأرضيّة والبحريّة مثل جراد البحر والجمبري، بالإضافة إلى بعض أنواع الطيور مثل الطيور الطنانة. تمتلك الصقور أساليب خاصّة تمكّنها من البحث عن طعامها، ولكن طريقتها الشهيرة في الصيد هي الالتقاط السريع للفريسة أثناء الطيران بعد مراقبة حركتها، وبمجرد أن يتمكّن الصقر من فريسته بمخالبه القويّة، يقوم بتقطيعها بمنقاره القويّ.