أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 47282
الشهيدة ماجدة عبيد.. الصائمة العابدة التي لفظت أنفاسها الأخيرة بين يدي ابنتها!!
30.01.2023

جنين .. علي سمودي - على صوت الانفجارات وأزيز الرصاص خلال هجوم الاحتلال على مخيم جنين، استيقظت اللاجئة الستينية ماجدة عبدالفتاح عبيد، مذعورة، ولسان حالها يتضرع لرب العالمين، ليحمي المخيم وأهله وشبابه المقاوم، بعد أن عاشت تجارب سابقة أدركت من خلالها أن ما يجري هو عدوان جديد.وبعدما استرقت عبيد النظر نحو أزقة المخيم من نافذة الطابق الرابع بمنزلها الواقع في حي جورة الذهب، توجهت للصلاة والدعاء، لكنها لم تعلم أن تلك النظرة ستكون الأخيرة، بل والوداع لمخيمها الذي ولدت وعاشت فيه منذ لجأت اليه أسرتها بعدما شردتها العصابات الصهيونية من مدينتها حُدَيرا أو ما تعرف باسم "الخضيرة"، في نكبة عام 1948.في ذاك اليوم الذي شهد مجزرة مروعة راح ضحيتها 10 شهداء، استشهدت الحاجة "أم زياد" وهي صائمة في يوم ترفع فيه الأعمال لرب العباد، ولكنها لم تكن تعلم أن هذا اليوم الأخير لها في حياتها، سيكون يومًا عظيمًا، ترتحل فيه شهيدةً، وهي تؤدي أحد أعظم العبادات في دين الإسلام الحنيف.تقول "كفاية" كريمة الشهيدة ماجدة عبيد، إن والدتها استهدفها قناص أثناء وجودها داخل المنزل، برصاصتين أطلقهما بعد لحظات من وقوفها بجانب النافذة لمعرفة ما يجري في المخيم.ووصفت كريمة التي وصلت إلى والدتها وشاهدتها وهي مصابة قبل أن تلفظ أنفاسها، ما جرى بـ "الجريمة البشعة التي لا تغتفر للاحتلال الذي حرمها والدتها دون سبب".وقالت: "أمي لم تكن مطلوبة أو تشكل خطرًا على الأمن الإسرائيلي ولم يتواجد في شقتها مطلوبين، فلماذا أعدموها وبأي ذنب قتلت ، أين العدالة وحقوق الإنسان؟".في بيت العمر الذي دمره الاحتلال خلال مجزرة مخيم جنين وأعيد بناءه مرة أخرى، عاشت "أم زياد" في كنف رفيق دربها اللاجيء عمر عثمان عبيد، وخاضا معًا غمار معارك الحياة ورزقا بستة بنات وولد، وقد حافظت على علاقة وثيقة مع أسرتها وأقاربها وجيرانها، وقضت عمرها في المخيم كمحطة انتظار كما قالت كريمتها كفاية "بانتظار العودة لأراضينا التي احتلت عام 1948".وتستذكر كفاية مناقب والدتها، فتقول: "أمي كانت حنونة وطيبة القلب وقدمت الكثير لتربيتنا وتعليمنا ووقفت مع والدي لنعيش حياة كريمة .. أحبت المخيم وأناسه الذين بكوها بحسرة وألم عندما سمعوا خبر استشهادها".بعد رحلة العمر بتفاصيلها الحلوة والمرة، سيبقى الألم يلازم "كفاية" التي حرمها الاحتلال من سماع صوت والدتها وهي تناديها إلى مجلسها لتستمع إلى أحاديثها الشيقة "فقد حكم رصاص الغادر بتفريق شملنا وفراقنا للأبد، وتوقفت نبضات قلبها قبل وصولها للمشفى لأن رصاصهم كان قاتل .. وفتح في قلوبنا وحياتنا جراح لن تندمل أبدًا". كما تقول.
وعن ما حدث في ذاك اليوم، تقول الابنة المفجوعة بوالدتها، "كان يومًا صعبًا، شعرنا أن رصاص الاحتلال ينفجر داخل منازلنا ولم نستوعب ما يجري من هول الانفجارات، وحينها قررت تأجيل خروجي للدوام في مكتب وزارة العدل في جنين عندما وصلتني أخبار الاقتحام الكبير للمخيم وسقوط شهداء .. صعدت لشقة والدتي التي كانت تسأل بقلق عما يجري، وشرحت لها ما وصلني من أخبار، ولم أتوقع حتى في اسوأ كوابيس حياتي أنها ستكون الخبر القادم والعاجل على وسائل الإعلام".غادرت "كفاية" شقة والدتها التي كانت تتلو القرآن وتؤدي الصلاة وتدعو للمخيم ومقاوميه، وبعد دقائق معدودة سمعت صوت رصاص داخل المنزل.تروي "كفاية" وهي تشير لرصاص القناص الذي اخترق النافذة الصغيرة التي كانت قد فتحتها والدتها قبل أن يصيبها مباشرة: "ركضت بسرعة مذعورة، فوجدت والدتي ممددة على الأرض مضرجة بالدماء، وأبلغتني شقيقتي التي كانت معها، أنها أدت الصلاة ووقفت خلف النافذة وفجأة وقعت أرضًا".وتضيف: "سريعا مرت الصور والمشاهد، و لم أصدق ما شاهدته في ظل نزيف والدتي الشديد، فقد غمرت الدماء الأرض، وأمسكت رأسها ويديها ونحن نستغيث طلبًا للنجدة، ولم نكن نعلم أن الاحتلال منع الطواقم الطبية من دخول المخيم وانقاذ الجرحى .. بذلت كل جهد مستطاع لانقاذ والدتي التي نطقت بالشهادتين، ثم توقفت عن الحديث حتى وصل مسعفين متطوعين، وعندما عملوا على نقلها كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة".خلال العدوان، لم يكن الطريق من منزل عائلة عبيد وحتى مستشفى الشهيد خليل سليمان الحكومي سهلاً، في ظل اغلاق الاحتلال للمخيم ونشر الدوريات والقناصة، فعاشت لحظات قلق مع بصيص أمل صغير، أن يتمكن الأطباء من اعادة النبض والحياة لروح والدتها، ورغم إعلان استشهادها، فقد أخفى الجميع الخبر عن كفاية وأسرتها، حتى وصلت للمشفى وعاشت فاجعة العمر.وتقول: "لم أعلم كيف وصلت المشفى، فقد شاهدت في الطريق الكثير من الدمار الرهيب جدًا الذي صنعه الاحتلال في المخيم والذي لا يتخيله عقل .. عندما وصلت للثلاجة، احتضنت والدتي وودعتها، وقلت لها: نيالك مبروك عليك الشهادة، رب العالمين اصطفاك وأنتِ صائمة".ودعت كفاية وشقيقاتها والدتهن بالأهازيج والدموع، ورغم وجعها الكبير، عبرت عن اعتزازها باستشهاد والدتها وأنها أصبحت ابنة شهيدة.
**المصدر : "القدس" دوت كوم

1