أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
1 2 3 4961
صحافة : فورين بوليسي: مخاوف انتفاضة أذرية في إيران وراء تغير الموقف من النزاع حول ناغورو- كاراباخ!!
16.10.2020

قال الخبير في الشؤون الإيرانية أليكس فاتنكا إن الحرب الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورو- كاراباخ في داخل الأراضي الأذرية يمثل كابوسا لإيران.
ووجه الخوف كما جاء بمقاله بمجلة “فورين بوليسي” نابع من وجود أقلية أذرية داخل إيران وانتقال الحرب إلى داخل الحدود الإيرانية.
فقد اندلع النزاع في وقت سيء لإيران التي تعاني على الصعيد المحلي من وضع اقتصادي مزر، والفضل في هذا يعود للعقوبات الأمريكية. أما على الصعيد الخارجي، فهي متورطة في عدد من المغامرات الجيوسياسية غير المكتملة- من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن، حيث استثمرت الكثير فيها خلال السنوات الماضية. وربما كانت طهران راغبة بالمشاركة في نزاع جنوب القوقاز الذي لعبت فيه دور الوسيط في السابق إلا أن هذا ليس مرتبطا بكونها قريبة جغرافيا من ساحة الصراع بل بأسباب أخرى.
فلم تعد إيران تملك الإستقلالية التي تمتعت بها في التسعينات من القرن الماضي عندما كان بإمكانها التوسط بين الطرفين. وبدلا من ذلك جلست إيران في المقعد الخلفي تاركة الساحة لتركيا وروسيا والغرب لتشكيل مسار النزاع. إلا أن عدد الأذر في إيران البالغ 20 مليونا يهدد بوصول النزاع بين أذربيجان- أرمينيا إلى داخل إيران وبشكل يضع ضغوطا أمنية داخلية.
وطهران لا تريد خسارة هذا النزاع لكن موقفها ضعيف. وانتظرت ثلاثة أيام لتكتشف أن النزاع الذي اندلع في 27 أيلول/سبتمبر بين أرمينيا ذات الغالبية المسيحية وأذربيجان ذات الغالبية الشيعية المسلمة، مختلف هذه المرة عن المناوشات السابقة.
ورغم توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في نهاية الحرب التي امتدت من 1988 إلى 1994 إلا أن البلدين انخرطا في عدة جولات من القتال وكان آخرها واحدة بداية صيف هذا العام. وبعد 4 أيام من الأعمال الحرب واكتشافها أن هذه الجولة لن تنتهي كما انتهت جولات سابقة قررت طهران تغيير نبرتها وزعمت بأنها تدعم أذربيجان. وفي الأول من تشرين الأول/أكتوبر أصدر ممثلو المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في أربعة مناطق تعيش فيها جماعات إثنية أذرية بيانا مشتركا دعموا فيه أذربيجان. وأكد البيان أن الإقليم المنفصل ناغورو- كاراباخ يمت وبدون شك إلى أذربيجان. إلا أن البيان صدر وسط تقارير عن فتح طهران مجالها الجوي أمام الطيران الروسي لنقل الأسلحة والمساعدات إلى أرمينيا. واندلعت التظاهرات ليس في الإقليم الإيراني شرق أذربيجان بل وفي العاصمة طهران حيث هتف المتظاهرون “كاراباخ لنا وستظل لنا”. فمجرد ذكر مساعدة إيران أرمينيا وإن بطريقة غير مباشرة ستتحول إلى قنبلة متفجرة ولهذا السبب سارعت الحكومة لنفي التقارير. وأكد الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف ورئيس البرلمان على أكبر ولايتي ومستشار المرشد أن ناغورو- كاراباخ هي جزء من أذربيجان وعلى القوات الأرمنية التي تحتلها منذ 1994 الخروج منها. وبشكل متهور قدم حسين نور همداني النزاع من خلال رؤية دينية “ناغورو- كارباخ هي جزء من العالم الإسلامي ويجب أن تعود إلى البلد الإسلامي وتحريرها”. وكان الزخم وراء الوقوف إلى جانب باكو كبيرا بدرجة لم تهتم فيه طهران للتعاون الوثيق بين أذربيجان وإسرائيل. فأذربيجان ذات الغالبية الشيعية تقيم علاقات قوية مع الدولة اليهودية التي تعتبر عدوا لإيران. ولكن العلاقة هذه تمتد على عقدين وتعلمت إيران التكيف معها. والعامل المهم اليوم هو أن إيران لا تستطيع تجاهل مواقف أقليتها الأذرية. وعلى خلاف بداية التسعينات عندما انهار الاتحاد السوفييتي الذي فتح الباب أمام الأذريين الإيرانيين لإعادة علاقاتهم مع إخوانهم في أذربيجان في الشمال الذين كانوا تحت الحكم الروسي/السوفييتي منذ بداية القرن التاسع عشر. وأصبح أذر إيران أكثر وعيا بالديناميات التي تقف وراء النزاع بين أذربيجان وأرمينيا ويدعمون والحالة هذه موقف باكو. وهذا يشكل تحد كبير أمام إيران، فهي في النهاية بلد متعدد العرقيات وليست مؤهلة لمواجهة انتفاضة أذرية وغيرها من الأقليات المظلومة. وأصبحت المناوشات بين الحكومة والجماعات العرقية جزءا من الحياة اليومية، ففي جنوب- شرق البلاد هناك الجماعة البلوشية السنية “جيش العدل” ذات العلاقة مع تنظيم القاعدة وتواصل عملياتها ضد قوات الأمن الإيرانية. كما أن التشدد المعدي لطهران هو جزء من الحياة في مناطق الغرب التي يعيش فيها الأكراد قرب الحدود مع العراق. وربما كانت مبالغة لو قلنا إن إيران تقف على برميل بارود ينتظر الإنفجار إلا أن من البساطة بمكان القول إن التغير في لهجة إيران من الحرب الأخيرة في كاراباخ جاءت بسبب مخاوفها من انتفاضة بين الأقلية الأذرية. ولا يمكن استبعاد تحول واسع في الموقف الإيراني من الناحية الخطابية والمادية حال تطورت الحرب الأخيرة. فرغم علاقات الصداقة مع يريفان منذ استقلال أرمينيا في 1991 إلا أن علاقات إيران مع أذربيجان توسعت في السنوات الأخيرة وشملت على تعاون في مجالات مثل السياسة والتجارة والتعاون العسكري وإمكانية تصدير السلاح إلى باكو. وهناك تركيا التي تراقبها إيران عن كثب وظهرت كطرف ثالث في الجولة الأخيرة. واتهمت طهران أنقرة بتشجيع أذربيجان على استعادة ما تستطيع من أراضيها قبل القبول بالحل الدبلوماسي. إلا أن علاقات البلدين متشابكة في سوريا حيث تدعم كل منهما طرفا في الحرب. ولهذا تحاول طهران تجنب التصعيد مع تركيا في النزاع حول ناغورو – كاراباخ. كما أنه هناك عاملين يجعلان إيران تفكر بحذر عند التعامل مع تركيا، فهذه الراغبة بإقامة علاقات وثيقة مع كل الشعوب التركية قد تندفع وتحرض على انتفاضة بين الأذريين الأتراك في إيران. العامل الثاني، تعتبر تركيا رغم الشكوك المتبادلة بين البلدين شريكا تجاريا مهما.
وبسبب عزلة إيران والعقوبات الأمريكية عليها فهي ليست راغبة بانضمام تركيا إلى قائمة الدول الأعداء لها. ومهما كان لدى طهران من أوراق في النزاع القوقازي الأخير فهي في موقف ضعيف وأضعف مما كانت عليه في نهاية القرن الماضي. ولم يعد أحد يهتم بالوساطة الإيرانية أو موقف طهران. وهذا بسبب المواجهة مع واشنطن. وفي الوقت الذي تراقب فيه طهران تركيا وروسيا وهما تديران الحرب بين أذربيجان وأرمينيا فهي تريد نهاية سريعة لها قبل أن تنجر إلى حرب إقليمية ليست مستعدة لها ولا تريدها أصلا.