أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 4968
صحافة : التايمز: الحرب السورية نشرت الرعب في الغرب وغيرت مسار العالم للأبد!!
12.03.2021

نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا في ذكرى مرور عشرة أعوام على الثورة السورية أعده مراسلها في الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، وتساءل فيه: “كيف نشرت الحرب في سوريا الإرهاب في الغرب وغيرت العالم للأبد؟”. مشيرا إلى أن الفلسفة السياسية كانت على أجندة نقاش بشأن سوريا دار في أيار/ مايو 2013 بين مجموعة لحقوق الإنسان في الرقة.
وتناقش المجتمعون حول كيفية تحويل سوريا نفسها إلى بلد يلتزم بالديمقراطية ويمنح الحريات المدنية، وهل يمكن لأرسطو أن يرشد في هذا، قال أحد المشاركين الذين درسوا في الجامعة. واتفق الجميع على أن أوروبا يجب أن تكون نموذجا. وكما قال أحد الحاضرين، فإن سوريا قد تتقدم من أثينا إلى الإتحاد الأوروبي بدون أن تمر في 2500 عاما بينهما.
وستحل الذكرى العاشرة للثورة السورية يوم الإثنين المقبل، حيث عُقد النقاش هذا في السنوات الأولى للثورة. وكان المعارضون لنظام بشار الأسد قد سيطروا على مناطق تمتد من حلب في الشمال إلى درعا في الجنوب، إلى الرقة ودير الزور في الشرق. وكان النظام يترنح في وقت ضغط فيه الغرب على الرئيس بشار الأسد للتنحي جانبا أو التفاوض مع المعارضة حول انتقال سياسي للسلطة.
وفي إطار آخر، كانت الانتفاضة نقطة تحول، حيث بدأ الأسد يقصف بالبراميل المتفجرة حتى استعاد معظم المناطق التي خرجت عن سيطرته.
وستتحول الرقة التي جرى فيها النقاش حول “سوريا ديمقراطية” إلى مضرب المثل في حملة جهادية قامت بتصوير عملية قتل جماعي وقطع رؤوس. وكانت نقطة تحول لبقية العالم أيضا، ولم تتحول سوريا إلى بلد مثل الغرب، ولكن الغرب هو من استورد النزاع السوري، وهجماته الإرهابية، والاستقطاب السياسي ونقاشاته الطائفية الشرسة حول الدين والهوية الوطنية.
ووصل ساسة شعبويون مثل نايجل فاراج في بريطانيا إلى السلطة مستغلين مشاهد ملايين السوريين الذين فروا إلى الشمال والغرب. وأدى النقاش حول ما يجري في سوريا وبخاصة الهجمات الكيماوية إلى ظهور مصطلح “أخبار مزيفة” واستخدم في الاستغلال السياسي.
وفوق كل هذا، أدى فشل الانتفاضة السورية إلى انتشار عدم الثقة بفكرة الديمقراطية نفسها، مما عزز النظام المدعوم من روسيا والصين. وقال جيمي شاهينيان من الرقة، والذي شارك في أيام الانتفاضة الأولى واعتُقل وعُذب أكثر من مرة: “أصبحت سوريا ساحة للقوى الدولية للتنافس عليها”. وفرّ شاهينيان في النهاية بعد سيطرة تنظيم “الدولة” على الرقة وأنشأ ديكتاتوريته الخاصة وتبع خط المهاجرين إلى ألمانيا. وقال: “أنا سوري وبلدي سوريا وانتمي إليها”. و”أنا سوري معتدل بعيدا عن انتمائي العرقي أو الديني وأنا فخور بهذا، لكن سوريا الآن مهشمة وحزينة ومفككة”.
ولكن ليست سوريا وحدها هي التي تعيش أزمة، بل العالم كله، كما أشار رامي، الناشط السابق والذي يعيش في أستراليا، حيث قال: “في سوريا حصلنا على شرف السبق”. وقبل الحرب كان قلة في الشرق الأوسط قد سمعت بالرقة، فهي عاصمة محافظة على نهر الفرات، وسيطر عليها المعارضون قبل شهرين من جلسة النقاش التي أشرنا لها في الأعلى. وتُعرف مدينة الرقة في سوريا بأنها مدينة ليبرالية رغم وجودها داخل المجتمع المحافظ في شرق البلاد. وكان فيها كازينو وحانة وكنيسة ونساء يخرجن بدون حجاب. ونظر المثقفون الذين التقوا في أيار/ مايو 2013 في المدينة لأنفسهم بأنهم طليعة التقدم. ولكن بذور ما تبع ذلك كانت موجودة. وكما في المدن الأخرى، فقد سيطر على الانتفاضة جماعات الناشطين، متعلمون درسوا في أنظمة منفتحة على العالم الخارجي. وكانوا يعتقدون بإمكانية التغيير عبر الإقناع ورفضوا حمل السلاح.
ويقول شاهينيان: “أنتمي إلى مدرسة السلمية لا العنف، وعارضت دائما عسكرة الثورة”. وسيطر المنشقون عن جيش النظام السوري على المعارضة المسلحة، ومع مرور الوقت حازوا على دعم ناشطين في مجال الإسلام السياسي، سواء كانوا من المعتدلين مثل الإخوان المسلمين، أو الجماعات الجهادية المتشددة. ومع إطلاق النار على المتظاهرين واعتقال ناشطين مثل شاهينيان أو هروبهم للمنفى، بات النزاع أكثر عنفا وتطرفا. وتحول حس الاستقطاب إلى عنصر أساسي في السياسة العالمية، وليس من المبالغة القول إن هذا بدأ في سوريا. وفي الوقت الذي غذى فيه اليمين المتطرف واليسار المتطرف بعضهما البعض في الغرب، فقد حدث كل هذا هناك، حيث بدأت تتكشف الثورة وبقوة لا تقاوم.
فقد انشق تنظيم “الدولة” عن القاعدة، وسيطر على الرقة بحلول 2014، وبدأ بممارسة نفس الأساليب على السكان كتلك التي مارسها النظام، واستهدف نفس الشباب المعارضين الليبراليين والمثاليين. وبالتأكيد فقد كان الجلاد الأكبر أو مدير مخابرات تنظيم “الدولة” في الرقة هو علي موسى الشواخ (أبو لقمان) وبدأ حياته كعنصر في شرطة الأسد السرية، قبل أن يتحول إلى التنظيم بعد معاناته من التعذيب في سجون الأسد.
وكان تنظيم “الدولة” قوة متمردة من نوع ما، واستهدف قوات النظام، وسجل عمليات القتل والذبح على الفيديو. ولكنه سيطر على معظم أراضيه من المعارضة السورية لا قوات النظام. وكان هدف التنظيم هو زرع الخوف في قلوب الغرب وليس الإطاحة بنظام الأسد. وفي تحد للغرب، قام التنظيم بذبح عمال الإغاثة والصحافيين ودعم عمليات إرهابية في الخارج، مما استدعى تدخلا غربيا لردعه. وربما لم يكن هدف التنظيم إنشاء خلافة، ولكن تحريض المسلمين وغير المسلمين على بعضهم البعض في الغرب الذي تعيش فيه كثافة سكانية مسلمة كبيرة.
وكانت أهم لحظة في الحرب السورية هي الهجمات الكيماوية على الغوطة الشرقية في ضواحي العاصمة دمشق، في آب/ أغسطس 2013. وهي المنطقة التي كانت تحت سيطرة المعارضة. وكردٍ على الهجمات، صوت البرلمان البريطاني في اقتراع غير مسبوق على عمل عسكري، حيث عارض زعيم العمال إد ميليباند القرار الذي تقدم به رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، ودعا فيه إلى تشريع استخدام القوة ضد النظام السوري.
وأنهى البرلمان الاعتقاد السائد عن دور الحكومة بتحديد السياسة الخارجية وأرسل رسالة صادمة لواشنطن. وردّ الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بالتخلي عن الحل العسكري بمفرده، مما سمح للنظام السوري باجتياز الخط الأحمر الذي وضعه أوباما في حال استخدمت دمشق السلاح الكيماوي. وترك ذلك أثرا كارثيا، حيث التزم الرئيس دونالد ترامب الذي تعهد بالخروج من حروب الشرق الأوسط بشكل عام، بالحذر. وأصدر أوامر بضرب أهداف للنظام مرتين بعد هجمات بالسلاح الكيماوي نفذتها قوات الأسد. وكان تخلي أوباما عن خطه الأحمر بمثابة فرصة لروسيا كي تسيطر على قصة الحرب.
وجاءت معظم الأدلة على استخدام الأسلحة الكيماوية من النظام نفسه، فالمصادر المفتوحة ولقطات الفيديو التي وضعها جنود النظام على مواقع التواصل وصور الصواريخ التي لا يستخدمها سوى النظام كانت وبشكل متناقض دليلا على ارتكابه جرائم كيماوية. ولمواجهة هذا، بدأ الإعلام الروسي بضخ قصص متناقضة ونشر نظريات غريبة عن قيام المعارضة بترتيب أعمال مسرحية للهجمات الكيماوية.
وولد مصطلح “الأخبار الزائفة” واستخدم كوسيلة في النقاش السياسي. وقال إليوت هيغنز الذي صنع اسمه من خلال فحص تسجيلات الفيديو والتأكد من مصداقيتها منذ بداية الحرب السورية: “أثارت الحرب السورية الانتباه لأهمية محتويات الفيديو وكيفية استخدام المصادر المفتوحة للمحاسبة”. ويدير هيغنز الآن “بيلينغكات” وهي مصدر مفتوح، وكان من بين الأخبار الحصرية التي حصلوا عليها، تحديد عامل الغاز السام “نوفيتشوك” الذي استخدم في محاولة اغتيال العميل المزدوج سيرغي سكريبال في مدينة سالزبري البريطانية عام 2018. ولكنه تعرض لحملة نقد لاذعة على الإنترنت اتهمته بالعمالة للدولة البريطانية، وهي حملة لعبت لاحقا في دفاع ترامب عن دور الروس في الانتخابات الأمريكية عام 2016.
ووجد اليمين واليسار في الغرب راحة في نظرية المؤامرة عن “الدولة العميقة” التي تحاول تشويه سمعة روسيا وحلفائها، ولا تزال تسهم في النقاش ببريطانيا وأوروبا عامة. ويقول رامي إنه كان في وقت الهجوم الكيماوي في الغوطة، حيث كان طالب القانون يؤدي امتحانه الأخير بجامعة دمشق، وكان موضوع الامتحان عن المبادئ الدولية لحقوق الإنسان.
والمفارقة أن رامي مثل عدد كبير من السوريين، لا يتطلع إلى الأمام أو ينظر إلى الوراء للاحتفال بالثورة، ويشعر بالذنب لو شجبها، خاصة أن عددا كبيرا من زملائه الذين لم يحالفهم الحظ ماتوا وعذبوا. وفي الوقت نفسه يشعر بالذنب للاحتفال بثورة فشلت ومات فيها الكثير من الناس. ولا يعرف إن كان سيعود إلى سوريا أو كيف ستكون الحياة فيها، فقد نجا النظام ولكن بثمن باهظ: فالبلد مقسم وهناك كانتونات تديرها تركيا وهيئة تحرير الشام، وآخر تابع للأكراد في شمال- شرق سوريا. وتفشت الميليشيات وأمراء الحرب في كل مكان من البلاد. وفي المناطق الخاضعة للنظام، انهار الاقتصاد وانتشرت الطوابير الطويلة للحصول على الخبز حتى في الأحياء التي كانت راقية في دمشق وحلب.