أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
1 2 3 4961
صحافة : فايننشال تايمز: انتخابات ألمانيا تفتح الباب أمام الحديث عن استقلالية أوروبا وجيش موحد!!
29.09.2021

قال الكاتب جدعون رتشمان إن الانتخابات الألمانية يجب أن تكون بمثابة صحوة لأوروبا وتفتح بابا لإمكانيات جديدة. وجاء بمقالته التي نشرتها صحيفة “فايننشال تايمز” إن المفاوضات التي ستجري على تشكيل ائتلاف حاكم بعد الانتخابات الألمانية ستكون صعبة.لكن وبنظرة إلى مانفستو الحزب، فالحكومة الألمانية المقبلة ستكون ملتزمة بجيش أوروبي. وكل الأحزاب تدعم هذه الفكرة والحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي فاز بهامش ضيق ميال لها.
وفي الوقت نفسه يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقوية النفوذ الأوروبي بعدما وصفها “الطعنة في الظهر” من العالم الناطق بالإنكليزية والصفقة الثلاثية بين أمريكا وأستراليا بريطانيا.ويرى الكاتب أن الخطاب المتكرر حول السيادة الأوروبية والاقتصاد الاستراتيجي والجيوش الأوروبية فيه قدر من الفانتازيا. فالحقيقة الصعبة هي أن الاتحاد الأوروبي لا يزال بعيدا عن تحقيق قوة الإنفاق والبنى أو الرؤية لتحويل هذه الأفكار إلى واقع. وهذا لا يعني أن الاستقلال الاستراتيجي هو فكرة سيئة أو أن أوروبا مكتوب عليها أن تظل بلا أهمية استراتيجية. فمنظور اتفاقية تجارية مع أوروبا أو التهديد بالعقوبات الأوروبية يمكن أن يشكل سلوك الدول حول العالم. وتظل القوة الاقتصادية والضغوط الأخلاقية ليست بديلا عن القوة العسكرية. وكما قال ستالين مرة: كما فرقة عسكرية لدى البابا؟ وعندما يتعلق بالأمن فدول الاتحاد الأوروبي الـ 27 لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة. وفرنسا محقة في الحديث عن تقوية أوروبا. وأكدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن صبر الولايات المتحدة في تقوية الدفاع عن الأثرياء في أوروبا قد نفذ. كما ولم يعد الاستقرار السياسي في أوروبا أمرا مفروغا منه، فهي بحاجة للدفع من أجل استقلالية استراتيجية كحماية لها ضد ظهور ترامب جديد، والذي كان معاد للاتحاد الأوروبي والقيم الديمقراطية الليبرالية، وبريطانيا بريكسيت أكثر عرضة لهذه الإمكانية. ومع ذلك تظل الوقائع الاستراتيجية والسياسية التي تعلم هذا غير محتملة. فدول الاتحاد الأوروبي لا تنفق إلا أقل من 200 مليار يورو (228 مليار دولار) سنويا على الدفاع مقارنة مع 700 مليار دولار تنفقها سنويا الولايات المتحدة على الشؤون الدفاعية. كما أن النفقات الدفاعية الأوروبية موزعة على عدد من الميزانيات الوطنية، ويعني تكرار الكثير من الوظائف في وقت تغيب قدرات مثل النقل الجوي. والأخطر من هذا هو غياب الرؤية السياسية الموحدة التي تدفع باتجاه الاندماج الدفاعي. وعادة ما تنقسم أوروبا أثناء الأزمات الدولية الكبرى. ففي 2011 شاركت فرنسا وبريطانيا في الحملة الجوية ضد معمر القذافي في ليبيا، ووقفت ألمانيا جانبا. وفي أثناء غزو العراق انضمت فرنسا وألمانيا إلى روسيا لمعارضة الغزو الأمريكي، أما إسبانيا وهولندا والدنمارك وإيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي في المستقبل مثل بولندا دعمته.
ولأسباب تاريخية وجغرافية ظلت أولويات الدول الأوروبية متباينة. فتجربة الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة جعلت دول مثل وسط أوروبا تعتقد أن الضمان العسكري يأتي في النهاية من واشنطن. وكما قال سياسي تشيكي للكاتب: “تعلمنا شيئا واحدا منذ 1938 – لا مزيد من الضمانات الأمنية من فرنسا”. ولا تزال هذه تجلب مجموعة من المشاكل إلى الطاولة الأوروبية، فهي العضو الدائم الوحيد في مجلس الأمن ولديها قوتها النووية. وتدعم الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا مقعدا دائما لكل أوروبا، لكن الرد البارد من فرنسا دليل على معارضتها للفكرة. وعلى ما يبدو تتعامل فرنسا مع بقية الدول الأوروبية كفرقة أجنبية تستدعيها عندما تحتاج لاستعراض عضلاتها وتحقيق أهدافها الدولية. ويشتكي الساسة في أوروبا بأن فرنسا لا تعامل إلا ألمانيا بقدر من الاحترام، وحتى الساسة الألمان عبروا عن انزعاجهم من طريقة فرض فرنسا أفكارها على الأوروبيين. فتصريحات ماكرون عن الناتو بأنه ميت لم تتقبلها برلين.
ومن جانبهم عبر الفرنسيون عن انزعاجهم من الثقافة السلمية لألمانيا. فرغم الدعم القوي للجيش الأوروبي الموحد إلا أن قلة في برلين فكروا بما سيحدث لو انقسمت أوروبا حول نشره. فهل يمكن إرسال القوات الألمانية للقتال في معركة تعارضها الحكومة الألمانية؟ ولا يزال الاتحاد الأوروبي بعيد جيلا أو أكثر عن هذه القضية الوجودية. ويرى أورليك فرانك، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن غرام ألمانيا بفكرة الجيش الأوروبي نابعة من عدم ارتياحها من الجيش الوطني والفكرة الغامضة عن السلام الذي يعبر عنه الاتحاد الأوروبي. ولا تزال المعوقات البنيوية والمالية والسياسية نحو أوروبا مستقلة كبيرة. ولكن الفرنسيين والألمان رغم إحباطهم من بعضهم البعض لديهم حس مشترك للعمل معا. وفي داخل الاتحاد الأوروبي فموقف مشترك فرنسي- ألماني يترك أثره الكبير. وستؤدي مرحلة ما بعد ميركل في ألمانيا لفتح الكثير من الإمكانيات. وستكون فرنسا متحفزة من جديد حول فكرة أوروبا المستقلة، ولن تتحرك القارة نحو هذا الخيار إلا في ظل أزمة عميقة مثل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.