أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
1 2 3 4961
واشنطن بوست: ديكتاتورية مصر تسحق ما تبقى من ثروات بشرية!!
23.11.2021

أكد عز الدين فشير، الباحث المصري المحاضر في جامعة دارتموث الأمريكية، في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أن الديكتاتورية المصرية تقوم بتبذير ما تبقى من أرصدة للدولة المصرية.
وبدأ فشير مقالته بقرار محكمة أمن الدولة يوم الأربعاء سجن كل من زياد العليمي وحسام مؤنس وأربعة آخرين من الناشطين الشباب بمدد تتراوح ما بين 3-5 أعوام بعدما ظلوا في الاعتقال أكثر من عامين بدون محاكمة. ولم تجرِ محاكمتهم على “جريمتهم” الأصلية وهي التآمر لتقويض أمن الدولة بالترشح في الانتخابات النيابية عام 2020، وبدلا من ذلك جرت محاكمتهم على تهمة “نشر الأخبار الزائفة وتهديد الأمن القومي ونشر الذعر”.
واستندت الأدلة على مقالات لكل متهم نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي والتي انتقدوا فيها سجل حقوق الإنسان والسياسات الاقتصادية في البلد. وبدأت المحاكمة بعد يوم من تقديم الاتهامات، ولم يُسمح لمحامي الدفاع بالتشاور مع موكليهم ولا حتى الحصول على نسخة من قضيتهم.
وعندما استمر المحامون بالاحتجاج على هذا التجاهل الصارخ للأحكام القانونية، بدا القاضي الشاب متحيرا و”قرأ” الأحكام الصادرة، وهذه لا يمكن الاستئناف عليها أو إعادة النظر فيها.
ويعلق فشير أن هذا التجاهل الصارخ لحكم القانون أصبح شائعا في مصر إلى درجة أنه لم يعد يثير اهتمام الأخبار. لكن القضية تقدم لمحة واضحة عن الوسائل العديدة التي تستخدمها ديكتاتورية عبد الفتاح السيسي في تبذير الأصول المحدودة التي لا يزال البلد محتفظا بها، والاعتماد المتزايد على القمع بشكل يؤدي لتراجع أي منظور لتحول مصر إلى دولة فاعلة.
ويقول فشير إنه عمل مع مؤنس عندما أدار في 2014 حملة حمدين الصباحي ضد السيسي. واتهم الثوريون الذين كانوا يريدون كل الرموز الداعية للديمقراطية مقاطعة الانتخابات، مؤنس بأنه يضفي شرعية على محاولة الجيش الاستيلاء على السلطة، لكنه رد أن السياسيين الناجحين يستخدمون كل مساحة متوفرة لديهم لدعم قضيتهم. وعمل فشير مع العليمي أيضا، أولا في 2011 خلال الربيع العربي القصير. ومرة ثانية عندما كان يقوم بتشكيل ائتلاف “الأمل” الانتخابي.
وفي المكالمات الطويلة بينهما، قال العليمي إنه يحاول قطع الطريق على النظام من خلال تجنب الخطاب الراديكالي والالتزام بالشروط التي وضعها النظام للعملية الانتخابية والحصول على دعم الأحزاب المصرح لها بالعمل. وقال مازحا: “نقوم بعمل كل شيء بشكل مفتوح وهم يسمعوننا”. وطلب من الكاتب أن يكتب “مانفيستو” الائتلاف، ولم يحصل هذا بسبب اعتقال العليمي في اليوم التالي للمكالمة.
ويرى فشير أن العليمي ومؤنس هما موهبتان تتطلع أي منظمة سياسية لأن يعملا معها. فهما ذكيان وبعقلية تجارية وبراغماتية ولديهما قدرة على التكيف، وينظران إلى الفرص في الوقت الذي يبحث الآخرون عن العقبات. وبأصابع على نبض المصريين العاديين، قاما ببناء شراكات تبتعد عن الانقسام الأيديولوجي، وعلى خلاف الديمقراطيين العرب، لديهما القدرة على الفوز في الانتخابات. وبدلا من التعامل معهما على أنهما رأسمال بشري لا يمكن الاستغناء عنه ومن أجل المستقبل، رماهما الديكتاتور في السجن.
ذلك أن الديكتاتوريين لا يحتاجون أو يتسامحون مع المواهب الخلاقة المستقلة. ومن أجل البقاء في السلطة يقومون بتربية المتملقين، كمنبر الشباب العالمي الذي يدعمه السيسي. ولا يمكن لأي دولة أن تتقدم سياسيا واقتصاديا في الوقت الذي تقوم فيه بقتل رأسمالها البشري.
وبعيدا عن انتهاك حقوق المواطنة وتضييع المواهب الثمينة، فهذه الأحكام الصادرة والأخرى المشابهة لها، تعمل على تآكل ما تبقى من استقلالية ووظيفية للقضاء المصري. وما عليك إلا التفكير في القاضي الشاب الذي ترأس المحكمة والمدعين العامين وكل من شارك في مهزلة العدالة هذه، كيف سيواصلون عملهم؟ وكيف سيؤثر هذا على حكم القانون فيما يتعلق بحقوق المواطنين المصريين أو المناخ والمصداقية الضرورية للاقتصاد؟
وهذا يؤشر إلى مشكلة الديكتاتورية العميقة، فهي تحاول التأكد من الطاعة الكاملة وقمع كل المعارضة من المواطنين والمؤسسات أيضا. وعادة ما تقوم الديكتاتوريات الناجحة بتدمير استقلالية اللاعبين حولها وتخلق حولها فراغا لكي تصبح الخيط الذي يربط البلاد جميعا ومصدرا للإلهام والقرار. أي الشيء الوحيد الذي يقع بين البلد والفوضى. ولكنهم -أي الديكتاتوريون- ينتهون بالسقوط ويجلبون معهم الفوضى التي خافوا منها لحين ظهور الديكتاتور التالي.
وبهذه الطريقة أصبح السيسي ديكتاتورا بعد عدة سنوات من حسني مبارك، وبهذه الطريقة أيضا سيحل محله ديكتاتور آخر. وحتى تخرج مصر من هذه الحلقة الجهنمية، أو تتاح لها فرصة في المستقبل لكي تتحول إلى دولة فاعلة وغير مختلة وظيفيا، فيجب تقييد هجمات ديكتاتورها على رأس المال البشري واستقلالية مؤسساتها.
وتتحمل إدارة جو بايدن التي دعمت قبل فترة ديكتاتورية مصر بمليار دولار، المسؤوليةَ لوقف هذه الهجمات الوقحة والمدمرة. ورغم تقديم الإدارة الأولويات الأمنية الإقليمية المباشرة على حقوق الإنسان، إلا أنه يجب عليها اتخاذ الخطوات للتأكد من أنها لا تقوم بتمويل تآكل فرص مصر وتعافيها في المستقبل.