أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
1364 365 366 367 368 369 370961
صحافة: فورين بوليسي: في أزمة أوكرانيا تكرر واشنطن أخطاءها وتشدد الناتو أفشل محاولات نزع الفتيل!!
25.02.2022

تحت عنوان “الغرب يسير مثل النائم في حرب أوكرانيا”، قال استاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد والكاتب في مجلة “فورين بوليسي” ستيفن وولت إنه ليس من السهل فهم الطريقة التي ترد فيها الولايات المتحدة وأوروبا على العدوان الروسي.
وانتقد وولت في البداية التعليقات والمقالات في الغرب التي تمحورت حول رؤية تتعامل مع الوضع الأوكراني من خلال منظور أبيض- أسود، طبعا مع وجود استثناءات. فهناك اجماع تقريبا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو أصل المشكلة وأن تظلمات روسيا لا قاعدة شرعية لها أيا كانت وأن الحل المنطقي هو رفض الغرب تقديم أي تنازلات وبدلا من ذلك الوقوف أمام موسكو وحشد المزيد من القوات في أوروبا، وليس أوكرانيا وفرض عقوبات اقتصادية صارمة حالة مضي روسيا بالغزو. و”بطرق ما أتمنى لو أنني كنت مع هذا الرأي لأن سيسمح لي التوقف عن هذه المجموعة من الموضوعات المعقدة والإنضمام إلى الكورس. ولكنني لا أستطيع عمل هذا لأن الكثير من الملامح الرئيسية لهذه الازمة تحيرني. ولا أزال اسمع ترددات هذه المعتقدات والمجازات والأرثوذكسية الراسخة التي قادت الولايات المتحدة إلى طريق منحرف في الماضي، وجعلت هذه الإستجابات الإنعكاسية الوضع سيئا ومن المحتمل أن تتسبب بضرر واسع لأوكرانيا والمصالح الأمريكية الأوسع”.
وعبر الكاتب عن دهشته من العزيمة التي قدمتها الولايات المتحدة والناتو من جهة والموقف الدبلوماسي الذي تبناه التحالف، فقد كان الرئيس الأمريكي جو بايدن واضحا في أن أمريكا لن ترسل قوات إلى أوكرانيا ولم يعبر أي بلد أوروبي عن التزام مماثل. بل وأرسلت الولايات المتحدة رسالة عكسية من خلال سحب المسؤولين العسكريين الأمريكيين ونقلت دبلوماسييها إلى مكان آخر. وبعيدا عن بعض الرؤوس القاسية فلا أحد في مؤسسة صناعة القرار الأمريكية يريد خوض حرب حقيقية من أجل أوكرانيا، وهو اعتراف تكتيكي، بأن أوكرانيا لا تمثل، في الحقيقة، مصلحة قومية أمريكية حيوية.
وبالمقارنة، عبرت روسيا عن استعدادها لاستخدام القوة حتى تحقق أهدافها الجوهرية، والتي تقوم على منع أوكرانيا من الإنضمام للناتو وليس الآن ولكن في المستقبل المنظور. وعبرت عن استعدادها هذا عام 2014، لكن بايدن يرى أن الروس يريدون شن حربا بالإختيار الآن. وكما في 2014 فتحريك القوات الروسية نحو إقليم دونباس أمر غير قانوني ولا أخلاقي ولا يمكن الدفاع عنه من وجهة النظر الغربية، لكنه تم على أية حال. وحتى لو لم يقرر الروس شن غزو عبر الحدود (وقد فعلوا الآن) فإن الحرب تسببت بأضرار اقتصادية لأوكرانيا. و”هذا هو ما يحيرني، ليس عدم التوازن الهام في العزيمة، أي ما بين ما تراه روسيا مصلحة حيوية، ويجب القتال من أجلها، وهي أقل حيوية للغرب ولا حاجة للقتال من أجلها. وهناك عدم توازن في القدرات العسكرية المباشرة. فالولايات المتحدة والناتو قد تكونان أقوى عدة وعتادا من القدرة العسكرية الروسية الإجمالية، لكن أوكرانيا قريبة من باب روسيا وبالتالي أكثر عرضة للغارات البرية والجوية”.
ورغم هذه الفجوة الهائلة في القدرات والتصميم، فلم تتزحزح الولايات المتحدة وبالتالي الناتو قيد أنملة في القضية المركزية التي تقسم الطرفين. فالموضوع هو اصطفاف أوكرانيا الجيوسياسي. و”إذا لم يفتني أي شيء، فالناتو لا يزال مصمما على أن أوكرانيا لها الحق بالإنضمام إلى التحالف عندما تتوفر شروط العضوية. مع أن أحدا لا يتوقع انضمام أوكرانيا في وقت قريب. وهي نقطة يحاول الغرب تكرارها مع موسكو على أمل التقليل من مخاوفها. ولكن الناتو لم يرض التنازل عن هذه الفكرة المجردة”.
هذا كل ما في الأمر، وبالمناسبة، فسياسة “الباب المفتوح” التي تبناها الناتو قبل عدة سنوات ليست قانونا كونيا. وناقش الكاتب قبل فترة أن تردد الناتو سحب إعلانه عام 2008 أن أوكرانيا وجورجيا يمكنهما الإنضمام إلى التحالف، مرتبط بالرغبة المفهومة وهو عدم تقديم تنازلات لموسكو عبر فوهة البندقية. و”لكنني لا أفهم الطريقة التي يفكر فيها الغرب لحل الأزمة بدون منح روسيا بعضا من الأمور التي تريدها في الموضوع الجوهري. وهناك سبب قليل يدعو للإعتقاد قبول بوتين ببعض التنازلات الثانوية في مجال الرادارات الدفاعية أو نشر الأسلحة الأخرى. وعندما يكون لدى منافسيك تفوق عسكري محلي ويهتمون بالنتيجة أكثر منك، فحل النزاع يحتاج منك بعض التكيف، وهذه مسألة لا تتعلق بالصواب أو الخطأ ولكن بالنفوذ”.
وأضاف أن عدم القدرة للتعاطف مع المنطور الروسي في هذه الأزمة أمر محير أيضا. وكما قال الباحث في الشؤون الدولية ماثيو وولدام في عام 2014 فإن “التعاطف الإستراتيجي” لا علاقة له بالموافقة مع موقف عدوك، بل عن فهمه حتى تكون قادرا على تشكيل رد مناسب عليه. ومهما كان موقفك من توسعة عضوية الناتو، فإن القادة الروس عبروا عن قلقهم منذ البداية واشتكوا منه أكثر من مرة. وزادت معارضة روسيا مع استعادتها قوتها وزحف الناتو شرقا.
وفي ضوء الميل الأمريكي للإنغماس في أسوا التحليلات، والنظر إلى المشاكل في المناطق البعيدة كمخاطر وجودية، وعلينا ألا ننسى استعدادها لاستخدام القوة لحل هذه المشاكل، فربما اعتقد الواحد أن مجتمع السياسة الخارجية سيكون لديه وعي في ميل القوى الكبرى المبالغة في التهديدات والشعور بالحساسية القريبة من مناخها الأمني المباشر. ولو حاولت الإشارة لهذا فسيتم شجبك على أنك اعتذاري لبوتين.
والكاتب هنا أقل حيرة بشأن الطريقة التي سقط فيها الإعلام وبات أسيرا للمجازات المستخدمة في مؤسسة السياسة الخارجية. فلو قرأت واشنطن بوست، أتلانتك وموقع أنتلانتك كاونسل وحتى فورين بوليسي فستعثر على مادة دسمة تحمل مواقف صقورية وبدون أصوات معارضة إلا في النادر. وتم تصوير بوتين كشخص مسؤول عن الأزمة وقدم كأدولف هتلر، وجوزيف ستالين وصدام حسين وفيديل كاسترو وبشار الأسد ومثل رجال النخبة الإيرانية الحاكمة وشي جين بينغ وأي شخص يعارضه الغرب بشكل جاد.
رغم علاقة واشنطن مع عدد من دعاة الحرب لكنهم من المؤيدين لأمريكا، إلا أن الغرب يصر على التعامل مع الأزمة الحالية ليس على أنها عن صدام معقد للمصالح، ولكن كمسرحية أبدية بين الخير والشر. وكالعادة أخبر المجتمع أن الرهان ليس اصطفاف أوكرانيا الجيوسياسي، بل ما هو على المحك هو مسار التاريخ الإنساني بالكامل. وهناك يأتي الحديث المتكرر كما في ميونيخ وأن بوتين مجنون إبادي هدفه الرئيسي غزو كل أوروبا كما حاول هتلر عمله مرة.
ويرى الكاتب أن الواحد يمكنه مقت كل ما يقف من أجله وما عمله، وهو موقف الكاتب، لكن الواحد يمكنه رفض النبرة الفزعة التبسيطية. وهذا الميل خطير بدرجة خاصة لأنه يؤدي إلى تأطير النزاع عبر رؤية أخلاقية ويصبح فيه التنازل لعنة والنتيجة الوحيدة المقبولة له هو استسلام الطرف الآخر. وفي هذا المناخ، تصبح الدبلوماسية مجرد عرض جانبي، فالسياسة الغربية هي مألوفة: التصريحات المعروفة عن العزيمة والحسم والتحركات الرمزية بنشر القوات لتطمين الحلفاء وفرض العقوبات. كل هذا بدون التفكير بتنازلات قد تؤدي نزع فتيل الحرب.
وهناك ما يدعو للتفكير أن هذا الميل موجود عند الطرف الآخر. وللأسف، فلو كان هدف الولايات المتحدة إجبار موسكو على التنازل وتقديم دعم تكتيكي لانضمام أوكرانيا إلى الناتو في يوم ما، فسيخيب أملها. وهناك صدى للأمس، فمؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية كشفت مرارا عن عجزها فهم محدودية القوة الأمريكية ووضع أهداف واقعية لتحقيقها.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، أقنع قادة الولايات المتحدة أنفسهم أنهم قادرون على على خلق نظام ليبرالي عالمي وتحفيز الصين لكي لتصبح شريكا مسؤولا، بشكل يدفعها لتبني القيم الغربية، بالإضافة لتحويل كل من العراق وأفغانستان ودول أخرى لديمقراطيات ليبرالية وتخليص العالم من الشر ودفع كل من كوريا الشمالية وإيران التخلي عن برامجهما النووية وتوسيع الناتو لأكبر مدى ممكن بدون أي رد عدواني من روسيا أو التقريب بين موسكو وبكين. وانفقت تريليونات الدولارات لمحاولة تحقيق هذه الأهداف وغيرها بدون أي نتيجة. ورغم الفشل المذل، فقد أظهرت الأزمة الحالية أن هناك استجابة انعكاسية تفترض أن الولايات المتحدة لديها الحق، المسؤولية والأهم من كل هذا القدرة على فرض ترتيبات سياسية في كل أنحاء العالم وحتى في المناطق المهمة للآخرين أكثر منها للغرب. ولم يكن لدى الولايات القوة في عز القطبية الواحدة وبالتأكيد ليس لديها تلك القدرة اليوم.
كل هذا لا يعني أن الولايات المتحدة أصبحت عملاقا عاجزا ومثيرا للحزن وليست قادرة على مواصلة سياسات تحقق لها الازدهار والإستقرار. فالولايات المتحدة لا تزال أعظم قوة في العالم رغم ما تسببته لنفسها من نكبات وما تعانيه من انقسامات عنيدة في داخلها، لكن هناك محدودية لما يمكن أن تنجزه ويحتاج النجاح لتحديد الأولويات والبحث عن أهداف يمكن تحقيقها.
وهناك ملمح يثير الخوف في هذه الأزمة، وهو قيادة الولايات المتحدة عملية الرد في ضوء عدم قدرة حلفائها في الناتو التعامل معها بأنفسهم. وهناك كم كبير من البيروقراطية وذاكرة استعراض العضلات، فتقوية وتطمين أوروبا من التهديدات النابعة من الغرب هي راية ترفعها واشنطن دائما.
وفي نهاية مقاله قال وولت إن نجاح الولايات المتحدة والناتو بعبور الأزمة الحالية بدون حرب (وهو ما لم يحدث) سيعزز الفكرة عن عدم قدرة أوروبا معالجة مشاكلها الأمنية بنفسها وأنه ليس مطلوبا منها المحاولة، لأن العم سام سيحميها عندما تقتضي الضرورة. وستفقد الجهود لتعزيز الدفاعات الأوروبية زخمها وسيعيد حلفاء أمريكا فتح صنابير الغاز من روسيا. وستواصل أوكرانيا وجورجيا الدق على باب الناتو. وستواصل أمريكا التزامها بدعم الديمقراطيات الثرية في أوروبا التي تخلت عن نفقاتها الدفاعية بشكل تسبب بانحسار قدراتها. وفي النهاية فالمنتفع من الأزمة الحالية معروف ولا حاجة لذكره.