أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
كف المقاومة الجامد في مواجهة «الجرف الصامد»!!
بقلم :  سهيل كيوان ... 24.07.2014

صمدت المقاومة في قطاع غزة، صمدت وحققت انتصارات ومفاجآت لم تتوقعها الآلة العسكرية الإسرائيلية الهائلة التي مُرّغ شرفها بالوحل عندما راحت تقتل المدنيين بلا شرف ولا أدنى مشاعر إنسانية منتقمة للخسائر التي تتكبدها في الميدان، كان هذا واضحًا في مجزرة الشجاعية يوم الأحد التي أتت مباشرة بُعيد معركة شرسة أصيب خلالها قائد لواء النخبة (جولاني) وقتل فيها عدد من الضباط والجنود وأسر آخر حيًا أو ميّتا.
المقاومة ردّت على العدوان المبيّت ضدها، صمدت وتصدّت،وفشل إعلام الغزاة الذي حاول وما زال يحاول تأليب الحاضنة الشعبية على المقاومين، وزعم أن المقاومة تستخدم المدنيين دروعًا بشرية لتحتمي بالناس،وتستخدم المدارس والمساجد والمستشفيات كمخازن لأسلحتها، وهذا كذب واضح، فمن لديه هذه الشبكة من الأنفاق تحت الأرض، التي يقال إنها غزة أخرى تحت غزة، وفشلت الإستخبارات العسكرية بكشفها قبل الحرب، ليس بحاجة ولا يمكن أن يخزن أسلحته في الأمكنة العامة المعروفة والمكشوفة.
لقد ارتكبت مجازر وهدمت بيوت على من فيها ومحيت عائلات كاملة بسبب انتماء أحد أفرادها للمقاومة وهذا عكس ما ظن الغزاة، وقد شكل هذا مصدر قوة للمقاومين لأنه فضح زعم المحرضين أن القادة يحاربون من الفنادق وهو ما يردده بعض التافهين من العرب ليكونوا أبواقًا للغزاة، فالمقاومون وعائلاتهم مستهدفون وقوافل شهدائهم تشهد. وقد اعترف قادة من جيش الإحتلال السابقون والحاليون أن رجال المقاومة لا يهربون ولا ينسحبون، العكس هو الصحيح، فهم يبادرون للصدام مع الجنود، بل ويخرجون في عمليات بطولية من خلف خطوط الغزاة،وقد وجه المراسل العسكري للقناة العاشرة الإسرائيلية صفعة للإعلام العبري وللقادة العسكريين عندما قال «إن من خرجوا من الأنفاق خلف الخطوط مكثوا في إحدى البلدات التعاونية ساعات وهم ينتظرون قدوم دوريات الجيش لمواجهتها،ولو أرادوا قتل مدنيين لفعلوا ولكنهم انتظروا واشتبكوا وحاربوا بضراوة وقتلوا ضباطًا وجنودًا وانسحبوا، وفي المرة الثانية قاتلوا حتى قتلوا (استشهدوا)!
في هذه معركة «البنيان المرصوص» أثبت إعلام المقاومة مصداقية أمام شعبه والعالم، وهذا تأكد في قضية الجندي المفقود، ففي البداية ولمدة أربع وعشرين ساعة أنكر الجيش فقدانه تمامًا رغم أن (أبا عبيدة) الناطق باسم المقاومة أطل بنفسه وأعلن عن أسر جندي، كذلك فقد صدقوا في تقدير أعداد المصابين من جنود الإحتلال بدون مبالغات وفي بعض الحالات ذكروا العدد والرُتب بدقة، بينما صاروا في الجانب الإسرائيلي يشكون بمصداقية إعلامهم ويبحثون عن الحقائق لدى مواقع أجنبية أو يتناقلون الأخبار بين بعضهم البعض من خلال شبكات التواصل الإجتماعي.
المقاومة المحاصرة منذ سنوات والتي لم تتنفس الصعداء إلا في (عام مرسي) الذي أسرع لوقف العدوان على القطاع عام 2012 وله خطاب تحذيري واضح في هذا الشأن جعل نتنياهو يوقف عدوانه خشية من العواقب على العلاقة مع مصر، ما يجري في هذه الأيام هو العكس، فنتنياهو يتخذ من «المبادرة المصرية» غطاء لمواصلة عدوانه وحتى التفكير في توسيعه، وهي في الواقع مبادرة نتنياهو ولا تحتاج لوسيط،»التهدئة مقابل التهدئة»، وقد أتت بدون استشارة لأصحاب الشأن الذين يقاتلون ويستشهدون، بل جاءت بصيغة تآمرية، وقد تلقفها نتنياهو وأعلن لمن ضغطوا من يمينه في الحكومة مثل ليبرمان أن ينتظروا فهناك أمور لا يستطيع الإعلان عنها، وكان واضحًا أنه ينتظر رفض المقاومة لمبادرته التي سُميت «المبادرة المصرية»كي يستأنف عدوانه.
إلى جانب موقف المشير السيسي تحول بعض الإعلام المصري الرخيص إلى مرجعية لدى الإعلام الإسرائيلي، وصار المعلقون والمحللون في القنوات الإسرائيلية يستشهدون بتعليقات بعض التافهين من تجار إعلام حاقدين على الفلسطينيين ويعرضونهم كما لو كانوا يمثلون المزاج المصري العام الذي يريد تصفية الحساب مع حماس بصفتها ذراعًا للإخوان المسلمين، وهذا في الواقع غير صحيح،ومن يتابع مواقع التواصل الإجتماعي يجد التعاطف المصري الشعبي الواسع مع قطاع غزة وأهله ومع المقاومة، رغم النقد لحركة حماس ولكن ليس لدرجة الحقد والتحريض على قتل المقاومة إلا القلائل.
أما الجرائم التي ارتكبها الغزاة بحق المدنيين فقد اتخذوا لها غطاءً أخلاقيًا من عند العرب، فمعظم المعلقين والمحللين تحدّثوا عن أن القتل بعشرات الالاف الذي يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وادعوا أن إسرائيل تقف اليوم في جبهة واحدة مع العرب ضد الإرهاب»،وفي كلمته في مؤتمره الصحافي مع بان كي مون السكرتير العام للأمم المتحدة يوم امس الأول زعم نتنياهو أن حماس هي داعش والقاعدة وبوكو حرام، وهذا يتماشى مع التحريض الذي مورس ضد الثورات العربية ووضعها كلها في خانة الإرهاب حتى صار هتاف»الله أكبر»والصلاة على النبي إرهابًا.
للأمانة فالسلطة في رام الله قدّمت حصتها من التحريض قبل بدء العدوان العسكري الأخير على غزة وساوت بين المعتدي والضحية، بين الغاصب وبين من يدافعون عن أنفسهم، وعندما حانت اللحظة تلقف نتنياهو الفرصة، فهو يشعر الآن بوجود سند عربي قوي،وهذا السند العربي يتيح له المناورة على صعيد دولي، وبدأ يتحدث عن نزع سلاح المقاومة أسوة بنزع كيماوي بشار الأسد الذي تم بصفقة بين أمريكا وروسيا على حساب دماء السوريين.
حكومة الإحتلال تريد خصي المقاومة كي تكون»عاقلة مثل بقية العقلاء والمتزنين»، تريد حدودًا آمنة مع قطاع غزة مثل الحدود الآمنة مع الأردن وسوريا منذ عشرات السنين، تريد لمن يكون مسؤولا هناك أن يحفظ أمنها وأن تحاسبه إذا ما انطلقت رصاصة من هناك ولو بالخطأ، مثلما تحاسب وتعاقب النظام السوري إذا ما أهمل مرة في حراسة الحدود مع أرضه المحتلة.
أما في الضفة الغربية فهذه مهمة التنسيق الأمني في قمع أي مظهر من مظاهر مقاومة الإحتلال. نتنياهو بدعم السيسي يسعى الآن لمنح أبو مازن دورًا في إدارة المعابر ومراقبتها، ويبدو أنهم يحلمون بتنسيق أمني في القطاع، هذا يعني استمرار الإستيطان في الضفة الغربية حتى ابتلاعها تمامًا وإبقاء عباس ليقوم في مهام الخدمات البلدية، شرط أن لا يتوجه بطلب لتحقيق دولي في محكمة جرائم الحرب التي يرتكبها الإحتلال وأن لا ينضم إلى ما يسمى بمعاهدة روما 1998، وإلا فلن يكون شريكا مرضيًا عنه، بعد أن يتمم بيبي نتنياهو هذا الجزء من أحلامه سيلتفت إلى الداخل الفلسطيني لتصفية الحسابات مع عرب 48 وتحقيق رؤية يهودية الدولة، هذه هي حسابات حكومة اليمين المتطرف. المقاومة في قطاع غزة الآن تدافع عن الأمة العربية كلها وليس عن نفسها ولا عن فلسطين فقط، بصمودها تحوّل «الجرف الصامد» إلى «كف جامد» للإحتلال والمتواطئين معه، رغم التضحيات الباهظة وخصوصًا من المدنيين والأطفال. سوف تفشل هذه المخططات على صخرة المقاومة الصلبة، وسوف يعرف نتنياهو والمتخاذلون معه من العرب والعجم أن الأحلام شيء وميدان الواقع الذي روته المقاومة بدماء أبنائها الزكية شيء آخر.

1