أحدث الأخبار
الثلاثاء 23 نيسان/أبريل 2024
ما الذي حققته المقاومة بصمودها..!!
بقلم : سهيل كيوان  ... 14.08.2014

حالة «الفوضى الخلاقة» أنبتت في نهاية الأمر فوضى في الأمارة والخلافة، فما عدنا نعرف الخلفاء وأمراء المؤمنين من رؤساء العصابات وتجار الممنوعات والنصابين، وضاع الفارق بين النبيل والحقير، واختلطت دماء المجرمين بدماء الضحايا، فالضحية نفسه قد يكون مجرمًا أو ضحية لمجرم آخر في الآن ذاته، وحتى ضحية لنفسه، وفي مشاهد غرائبية نرى المجرم القاتل مصاص الدماء يبكي ويعول ويلطم ويشهق بحرارة على ضحاياه، وقد نرى العمالة والخيانة والتخريب يمارس كعمل وطني لا مناص منه، والشهيد الموقن أن مصيره الجنة يرى آخرون أن مصيره النار، يتعلق الأمر كيف وأين ولماذا استشهد أو قتل نفسه! فقد اشتبكت صيحات «الله أكبر» التي تعني أنا إرهابي أقتل وأغتصب وأسبي النساء بصيحات «الله أكبر» التي تعني الصمود ومقاومة العدوان ونكران الذات والتضحية بالروح والدم لأجل الوطن وأبنائه والقيم السامية.
وكما رأى الجميع سالت دموع كثيرة على أهل غزة مثلما سالت وما زالت تسيل على سوريا والعراق، وللأسف أو لحسن حظ البعض أنه لا ألوان للدموع، ولو أن لكل دموع من حزن وفرح وعهر لونًا آخر لما جرؤ كثيرون على البكاء لأن دموعهم ستفضحهم.
ومثلما أن خيمة عن خيمة تفرق عند (أم سعد) في رواية غسان كنفاني فدمعة عن دمعة تفرق على أطفال غزة.
هناك دموع كلما اشتدت غزارة انجلت من تحتها النوايا الخبيثة، دموع سوداء تدور وتلف
لتحميل المقاومة مسؤولية جرائم الاحتلال بحق الطفولة، دموع رمادية تريد القول إن نهج الاستسلام والتفريط أكثر سلامًا وأمانًا، دموع تقول إنه لا حول لنا ولا قوة في مواجهة هذه القوة الهائلة، دموع تريد القول «ماذا يمكننا أن نفعل سوى الإستسلام، فالإستسلام أهون من الموت احتراقا أو اختناقا أو كليهما تحت أنقاض البيوت والمصانع والمدارس.
هناك دموع وقحة حرض أصحابها على المقاومة وأباحوا دمها وانتظروا رؤية شيوخ المقاومة بملابسهم الداخلية رافعين الراية البيضاء، وعندما خيّب جيش الاحتلال ظنهم، وبدلا من تحقيق حلمهم بتحطيم المقاومة ارتكب مجازره ضد المدنيين وهرب من مواجهة الرجال انفجروا في البكاء على أطفال ونساء ورجال وبيوت ومدارس ومساجد غزة.
اختلطت صورة العدو بالشقيق بالمتحالف والمتآمر، والمجاهد بالمنسّق الأمني مع المحتل.
أطلق البعض نداءات تدعو المجتمع الدولي لمعاقبة مجرمي الحرب، أطلقها ونسي نفسه، «أتأمرون الناس بعقاب المجرمين وتنسون أنفسكم»! فهم على أوثق الصلات بهؤلاء المجرمين. وفي حين يسحب البعيد البعيد جدًا من أمريكا اللاتينية سفيره ويضع دولة الاحتلال على قائمة الإرهاب فصاحب الدعوة العربي لا دخل له بإجراء حقيقي على أرض الواقع، وكل موقفه وهمّه يهدف لامتصاص غضب الشارع والميادين خصوصًا ذلك الذي يتجلى بعد صلاة الجمعة، والحفاظ على ماء الوجه الذي كشفته المقاومة بصمودها، المهم أن بعض الدول العربية لم تستنكر ولم تندد بالعدوان حتى هذه اللحظة، وبعضهم طالب بمحاسبة «المسؤولين» عن المجازر دون أن يوضح من هم المسؤولون بالضبط .
صمود المقاومة قال الكثير، ووجه رسالة للكثيرين وأولهم الاحتلال، قال لإسرائيل إنه ليس كل ما يفكر به قادتها قابلا للتنفيذ، وأن هناك من يستطيع إحباط مخططاتهم ولو بسلاح وعدد قليل، صمود المقاومة جعل من تهديدات ليبرمان باجتياح واعتقال قادة المقاومة مثارًا للسخرية، صمود المقاومة منح السلطة في رام الله قوة ما كانت لتحلم بها قبل هذا العدوان، فقد ازدادت الأصوات في دولة الاحتلال التي تطالب بإعادة الاعتبار لأبو مازن ومنحه شهادة حسن سلوك واعتباره شريكًا والعمل بسرعة على رفع قيمته بعيون شعبه من خلال منحه شيئا أو إنجازًا على الأرض كي يرى الناس أن طريق المفاوضات مثمر في نهاية المطاف، وواجب السيد عباس أن يستثمر هذه القوة التي منحها إياه صمود المقاومة وعدم التلكؤ بالإنضمام لإتفاقية روما 1998 والبدء بمحاكمة مجرمي الحرب من قادة العدوان على غزة، عليه أن يستثمر قرار الأمم المتحدة بتعريف فلسطين دولة تحت الاحتلال، وأن لا يكون ضحية لألاعيب قادة الاحتلال وضغوطهم بعد كل هذه التضحيات.
بعكس ما يظن النظام المصري فمصلحة مصر العليا هي مقاومة فلسطينية قوية، قادرة على حفظ الحدود مع قطاع غزة، والقضاء على المقاومة لا سمح الله وكما قال السيد إسماعيل هنية سيؤدي لنشوء أمارة إسلامية في كل حي من أحياء القطاع، وسيكون أرضًا خصبة للدواعش وأشباههم.
صمود المقاومة قال إن العرب قادرون على المواجهة وعلى خربطة حسابات الحركة الصهيونية في تجليها الأكثر تطرفًا وحسابات من يدعمها من أمريكا والعالم، وإن ما تخطط له ليس منزلا وبالإمكان إحباطه، وهذا مصلحة كبيرة خصوصًا للدول المحيطة بفلسطين.
صمود المقاومة جعل الحلقة تضيق حول عنق هذا الكيان العنصري داخليًا وخارجيًا، وها هم سكان مستوطنات (غلاف غزة) يرفضون العودة إلى مستوطناتهم حتى إيجاد حل دائم ومستقر لهم.
صمود المقاومة أيقظ العالم من نعاسه، الذي ما عاد ينتبه إلى ما يحدث في سوريا، فخرج مئات الألوف للتضامن مع القطاع وصار الإسرائيلي يشعر بأنه منبوذ أينما ذهب بسبب عدوانية قيادته وارتكابها جرائم حرب.
المثير للسخرية أنه لم يبق لهذا الاحتلال من أصدقاء سوى بعض الأنظمة العربية علنا وسرًا التي التقت مصالحها مع الاحتلال في مواجهة الشعوب العربية التواقة للحرية وبضمنها الشعب الفلسطيني.
صمود المقاومة ثبّت اللُحمة في حكومة الوحدة الوطنية ورفع معنويات الشعب الفلسطيني وجدد له الأمل في كل أماكن تواجده، في المنافي أو داخل فلسطين. صمود المقاومة شد من أزر عرب 48 الذين يتعرضون للتمييز والاعتداءات العنصرية، باتوا يشعرون بأن المقاومة هي الصخرة التي يتحطم المد العنصري المتغوّل فوقها بما فيه مخطط يهودية الدولة.
في الوقت ذاته يشعر الإسرائيليون بشبح محاكمات مجرمي الحرب يحوم فوق رؤوسهم، بل ويعترف بعضهم أنه لن ينقذهم من ورطتهم هذه سوى الفيتو الأمريكي.
لقد أخطأ الاحتلال حساباته عندما ظن أن انشغال العرب ببعضهم هيأ له فرصة تاريخية للإجهاز على القضية الفلسطينة، أخطأ بسبب عدم معرفته حجم قوة المقاومة وتقصير مخابراته في الموضوع، وأخطأ عندما لم يحسب أن هناك شعوبًا عربية رافضة للاحتلال وتعتبر فلسطين قضيتها الأولى في رؤية تاريخية واعية وعميقة، المقاومة بصمودها أحيت هذه الروح المقاتلة والمضحية لدى أحرار العرب أينما كانوا وشدت من عزائمهم ونفوسهم التواقة لنيل حريتها. أخيرًا بغض النظر عن نتائج مفاوضات التهدئة الجارية الآن، وسواء اتفقوا أم لم يتفقوا والأرجح تمديد التهدئة بشكل أو بآخر، فالدنيا لن تكون كما كانت قبل هذه الجولة من الصمود الملحمي الذي سطرته حفنة من المجاهدين المستندين إلى حاضنة شعبية لا تقل عنهم استعدادًا للتضحيات رغم فداحتها.

1