أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
جنس وحوريات ثوار وشياطين..!!
بقلم : سهيل كيوان  ... 11.09.2014

كلنا نذكر قبل بضع سنوات العمليات الإستشهادية التي سُميت تفجيرية أو إنتحارية أوتخريبية أو إرهابية، كلٌ حسب موقعه وفكره، كذلك حسب العملية وما استهدفته من عسكريين أو مدنيين، والتي ظهرت كتعبير عن حالة اليأس والإحباط التي وصلها الفلسطينيون أمام قمع وإذلال وحشي ونهب لأرضهم وممتلكاتهم ونكث للاتفاقات وحرمانهم من حقهم بكيان مستقل مثل بقية البشر.
كانت تلك العمليات سلاح الضعيف، ولو ملك الفلسطينيون قنابل نصف طن موجهة بالأقمار الصناعية و300 رأس نووي وتدعمهم أمريكا ودول غنية أخرى لحصلوا على استقلالهم دون حاجة لمثل تلك العمليات.
الإعلام العبري «اهتدى» إلى تفسير ظاهرة الإستشهاديين وزعم أن من يقومون بها يطمحون بسبعين حورية في الجنة المخصصة للشهيد في العقيدة الإسلامية. وراحوا يبنون على هذه الأساس نظريتهم الإعلامية فاختزلوا رد المقاومة على العدوان والإحتلال والبطش ونهب الحقوق والتشريد بأنه طمع بالحوريات وليس أكثر.
تجاهل السياسيون الإسرائيليون سوى قلائل منهم الأسباب الحقيقية التي يمكن أن توصل شاب أو شابة للإقدام على قتل نفسه ليأخذ عددًا من أعدائه بمعيته إلى الآخرة.
التحليل السخيف تبناه في حينه بعض المثقفين العرب طمعاً باسترضاء جهات ما لأسباب تخصّهم، ومنهم الشاعر أدونيس ومثله كثيرون، وراحوا يدبلجون المقالات التي تسخر من طمع هؤلاء الشبان بالحوريات! مصطفّين في تلك المسألة إلى جانب الإعلام الصهيوني المشوّه لحقيقة ومنبع ودوافع تلك العمليات.
هذه الفرية لم تتوقف في فلسطين، فقد حاولت أجهزة الإعلام السورية الرسمية وحلفاؤها اختزال ثورة الشعب السوري الإجتماعية السياسية إلى طمع الثوار بالحوريات،ولكنهم لم يصبروا للآخرة، فانتشرت قصص ما يسمى جهاد نكاح، تناسوا ملايين المتظاهرين المطالبين بالحرية،تجاهلوا عشرات آلاف الضحايا من السوريين،وركزوا على غرباء جاؤوا من آخر الأرض للتمتع وإطفاء نار رغباتهم الجنسية، حتى تصور بعض المتأثرين بالدعاية أنه لا قتال ولا دماء هناك، بل أسرّة وخمور وشبق وحسناوات، علما أن الإعتداء الجنسي صفة ملازمة للأنظمة الدكتاتورية القمعية، فالقمع لديها لا يكتمل إلا بالإخضاع والتحقير والإغتصاب الجنسي ليس للنساء فقط، بل حتى للرجال.
الشيطنة الجنسية استمرت،واستمر تجاهل المسببات الحقيقية التي جعلت الناس يلجأون للعنف لنيل حقوقهم، وتحولت المنطقة العربية إلى ساحة صراع للنكاح ومغرياته ومشتقاته، وكأن الشعب يرفع شعارات»الشعب يريد النكاح»..»فليسقط الحرمان الجنسي في فلسطين» نعم للنكاح لا للإحتلال»…إمنحوا الأسرى الحوريات» «دعوا الشعب السوري يتناكح بحرية»!
ولم يسلم الإخوان المسلمون في مصر من الشيطنة بما في ذلك الجنسية، وركزت الدعاية السلطوية على مصادر «الإرهاب» في مصر بأنها طمع بالسلطة والمال والنفوذ وتعدد الزوجات وملك اليمين،ورأينا في بعض الأفلام والمسلسلات سطحية في تناول الوضع الإجتماعي الذي يوصل الشبان لليأس، فاختزلت قضيتهم بالحرمان الجنسي والشهوة، فلا يجد شيوخ الإرهاب مشكلة بتجنيد شبان يضحون بأنفسهم بمجرد وعدهم بحوريات الجنة، ولا يجد الشاب المؤمن رداً مناسباً على مشهد إغراء أنثوي سوى قتل أكبر عدد ممكن من الناس.
في المقابل ركزت دعاية بعض التنظيمات الإسلامية على الراقصات والممثلين والفنانين والاختلاط بين الجنسين، معتبرة أنها أهم عوامل تخلف الأمة وضعفها، وأحد الدوافع التي يجب أن يثور الشعب لأجلها، وهذه أيضا عوامل تم تضخيم أهميتها، وكأن الاختلاط في الجامعات والأمكنة العامة هو المصيبة الأساسية لشعوبنا وليس الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة والقمعية، وانخرطت في هذه الحرب الفتاوى والفتاوى المضادة، بين مسموح وممنوع ومرغوب وغير مستحسن، الأمر الذي شوّه الهدف الأسمى الذي انطلقت لأجله الثورات فأثبط عزائم الكثيرين، بل وتمكنت السلطات من اللعب على هذا الوتر لتجنيد مناصرين لها من الشعب الثائر الذي يطمح للعيش بحرية دون أي رقابة سلطوية أو دينية.
أما بالنسبة ل «داعش» أو «تنظيم الدولة» فلم يجد الإعلام المعادي له صعوبة باستعداء أكبر عدد ممكن من الناس.
نعم شعوبنا تحتاج للوحدة وتريدها، لا تريد حدودا وجدرانا بين بعضها البعض خطها «سايكس-وبيكو»، ولكن كيف ومتى وما هي مقومات هذه الوحدة وما الذي سيحل مكان هذه الدول إذا انهارت! الإنسان بغريزته يفضل الرديء على الأردأ، ولن يستجير من رمضاء القمع والدكتاتورية بنار قطع الرؤوس والخنق والصلب والسبي، هذه الممارسات الداعشية منحت أنظمة القمع فرصة الظهور بمظهر الأقل وحشية، وصار بعضها يطمح بأن يكون شريكا في الحرب على «الإرهاب».
لقد ارتعب الناس من فكرة «الدولة الإسلامية» كما ترجمها تنظيم الدولة، من جز الرؤوس والسبي وبيع النساء والصلب إلى الإرغام على اعتناق الإسلام بالقوة، واصطفت أنظمة كثيرة في حلف ضدها، أنظمة مارست إرهابا قد يزيد عن إرهاب «داعش»،ومنها أنظمة سوريا وإسرائيل وأمريكا، لم تجف آلة إسرائيل الحربية بعد من دماء حوالي 500 طفل فلسطيني، وهي جريمة لم تبلغها»داعش» حتى الآن، لكن إسرائيل أوكلت هذه المهمة لقنابل النصف طن وليس للسيوف.هذا الأمر ينطبق على ضحايا النظام السوري من الأطفال والمدنيين سواء بالكيماوي أو تحت الردم الذي سببه ويسببه القصف العشوائي وحصار المدن والمخيمات، كذلك أمريكا التي حاصرت العراق وقتلت مئات الآلاف من أهله من بينهم عشرات آلاف الأطفال مرضا وسوء تغذية ثم حربا بحجة سلاح صدام الكيماوي الذي تبين أنه كذبة، أمريكا التي تقيم الأحلاف الدولية لتحارب «داعش» لم تجد في مقتل 500 طفل فلسطيني سوى القليل جدا من النقد الخفيف لإسرائيل كنوع من رفع العتب.
«داعش» هدم بيوت عبادة ومزارات كثيرة، وإسرائيل هدمت أكثر من 160 مسجدا خلال عدوانها في خمسين يوما، ولم يقصر النظام السوري بهدم المساجد بالمئات، وفي الوقت ذاته لا أحد ينكر أن بعض القوى المتطرفة تسلقت الثورة السورية، وباسم الدين قتلت وبوحشية، وهدمت أماكن عبادة ومزارات، منها مدسوس خدمة للنظام ومنهم من فعل هذا بقناعة ذاتية، ومنها ما جاء كرد فعل على جرائم النظام.
الآن ننتظر حلقة جديدة من حلقات المسلسل الدموي ،حلقة جديدة من حلقات الخراب، الذي منبعه كله الديكتاتورية والاحتلال ومصالح الكبار، بينما قضية العرب الأساسية «فلسطين» تراوح في مكانها،بل وهناك مسعى على قدم وساق لشيطنة حركة المقاومة حماس،من قبل إسرائيل، ومن قبل عرب يرون بالمقاومة خطرا عليهم، كذلك من قبل مسؤولين فلسطينيين يلعبون كما يريد لهم أعداء شعبنا وطموحه أن يلعبوا.

1