أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
«محمد» يا كايدهم…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 25.09.2014

كتبت إحدى الأمهات من جليل فلسطين في حسابها على ال «فيسبوك» قبل أيام، أن موظفة في وزارة الداخلية واجهتها عندما أتت لتسجيل وليدها الجديد بتساؤل استنكاري «لماذا تسمينه محمد! نحن اليهود لنا نبي اسمه «موشيه» ولكنْ، قليلون منا يسمون «موشيه»! وكانت هذه محاولة يائسة من الموظفة لثني السيدة عن إطلاق اسم «محمد» على وليدها القادم من ظهر الغيب مباشرة من المصنع إلى ساحة المعركة. السيدة العربية أصرّت على اسم «محمد» وأضافت في منشورها « كان ورائي في الطابور ثماني نساء أخريات ينتظرن تسجيل أسماء مواليدهن باسم «مُحمّد»..اللهم صلي وبارك على سيدنا محمد».
وكانت دائرة الإحصاء المركزية قد أخفت عن الجمهور الإسرائيلي أنّ اسم «محمد» هو الأكثر انتشارا بين العرب واليهود في داخل مناطق 48 وذلك بين مواليد السنة العبرية التي يحتفلون بانصرامها في هذه الأيام.
دائرة الإحصاء حجبت «محمد» ونشرت اسم «يوسف» على أنه الأكثر انتشارا بين مواليد السنة المنصرمة، علما أن «يوسف» هو اسم مشترك للعرب واليهود، ولكنه في السنوات الأخيرة في تصاعد طردي لدى اليهود مع موجة الأصولية اليهودية العارمة.
بلا شك أنه ليس مُرضيا لملايين الصهاينة أن يحتل اسم»محمد» المكان الأول في أرض قالوا إنها «بلا شعب»،وليس في هذه السنة فقط، بل في كل عام، فإذا ما ناديت في ساحة ما في مدينة مختلطة مثل عكا «يا محمد» التفت إليك أربعة من الواقفين أمام كشك بائع الفلافل أو ستة من الواقفين في محطة سيارات الأجرة، ويكاد لا يخلو بيت مسلم من هذا الإسم، وقد تجد في البيت الواحد محمدين وحتى ثلاثة محمدات، فالجد محمد وأكثر من واحد من الأحفاد يحمل اسمه، حتى اليهودي الذي لا يعرف اسمك يتوقع ذلك منك، ويناديك دون سابق معرفة..ب (محمد أو أحمد أو حمودي أو محمود).وكثيرا ما يصيب..
في الحياة اليومية تجري محاولات للتخفيف من التأثير الصادم لإسم محمد، فاستبدله البعض في أماكن العمل ب»حمودي»، وذلك أن محمد بتركيزه العادي العالي جدا يسبب الحساسية! وفيه شحنة استفزاز قوية للعنصريين خاصة، بغض النظر عن طبيعة وأخلاق حامل هذا الإسم، فالإسم ليس شهادة براءة، بل أن هناك عملاء يحملون اسم محمد، وفي تاريخ العرب لدينا الكثير من «محمدات» سيئي الذكر، وأعرف شخصيا «محمدات» كفاكم الله شرهم. ورغم ذلك فإسم «محمد» يعني حالة قومية ودينية، يعني هذا الذي يجري الصراع معه على الأرض والماء والسماء والإقتلاع من الجذور، ها هو بدون مواربة أو رتوش أو أي مجال للشك، إنه «محمد».
تجاهل اسم محمد يأتي في سياق محاولات الإلغاء لعرب فلسطين من سلالات العرب الأوائل، وضمن سياسة تهميشهم وعرقلة نموهم وتطورهم وامتدادهم الطبيعي في وطن آبائهم وأجدادهم، وطن الأنبياء والذي عرج منه «محمد»( ص) إلى السماء.
ليس «محمد» فقط، بل لغته أيضا تتعرض لهجمة شرسة ومحاولة إلغائها كلغة رسمية إلى جانب العبرية، وهناك توجهات في كثير من المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة للموظفين للتكلم باللغة العبرية فقط، حتى لو كان المتحدثون فيما بينهم عربا، وقد فُصل عمال عرب من أماكن عملهم ليس لأنهم سرقوا أو خانوا الأمانة أو لم ينجزوا عملا، بل لأنهم تحدثوا بالعربية، بحجة أنه يجب أن يكون في المؤسسة لغة واحدة مفهومة للجميع وهي العبرية فقط! ولكن يا ترى لو تحدث موظفان مع بعضهما بالروسية أو الإنكليزية أو الهيروغلوفية! فهل سيفصلان من عملهما لعدم التزامهما بالعبرية!..الإجابة واضحة…
وفي سياق مكمل ل «الأبرتهايد»، أقرت محكمة العدل العليا قبل أيام منح البلدات الجماهيرية الحق برفض أي متقدم للسكن فيها من قبل لجنة في البلدة ترفض أو توافق على المتقدمين بطلب للسكن فيها، وهذا يعني أنه يحق للجنة رفض إسكان»محمد» في البلدة بحجج شتى، مثل اختلاف الموروث الثقافي لمقدم الطلب أو مستوى دخله أو ماضيه الجنائي أو العسكري أو اللاعسكري، وهذا غطاء لرفض قبول»محمد»، في الوقت ذاته يستمر التضييق على «محمد» وإخوانه في مجال البناء، حتى على أرضهم، علما أن معظم «المحمدات» باتوا لا يملكون شبرا من الأرض، بعد مسلسل المصادرات المستمر منذ عام النكبة حتى يومنا هذا، الأمر الذي يعني أن يبقى «محمد» معلقا بين السماء والطارق، أو اضطراره للهجرة في نهاية الأمر.
حجب اسم «محمد» يتساوق مع الأجواء العنصرية ومع مشروع يهودية الدولة الذي أصبح مطروحا في مكبرات الصوت بعدما كان أمرا مريبا يطرح بالهمس والخفية. يهودية الدولة تعني تهويد وإخفاء كل ما هو غير يهودي فيها وتحجيمه حتى إلغاءه إذا أمكن، وعلى «محمد» وفاطمة وربيع وفتحية ومخلص وصافي أن يقروا ويعترفوا بأنهم أقل درجات من أريئيل وآفي ونوريت و(نوعا) وراحاب.
في الوقت ذاته اخترع وزير الداخلية الإسرائيلي المستقيل القومية «الآرامية» لتسجيلها في بطاقة الهوية الشخصية بدلا من القومية العربية لمن يرغب بهذا من المسيحيين العرب، الأمر الذي يعني الإمعان في تمزيق الأقلية العربية في مناطق 48! وهذا تطوير لاختراع القومية الدرزية منذ عقود والتي أعدوا لها برنامج تعليم مختلف عن منهاج التعليم العربي المشوه أصلا، والذي يتجاهل حقبا كاملة من تاريخ فلسطين، ولا يعترف بفضل العرب بشيء في هذه البلاد، بحيث تبدو فلسطين بالفعل أرضا بلا شعب، لا «محمد» ولا «توما»، ولكن في هذه الأرض مر كثيرون وبقي اسم «محمد» الأكثر انتشارا، منذ أربعة عشر قرنا إلى يومنا هذا، فهو منتشر لدرجة يستحيل فيها إنهاء وجوده، فهو موجود في كل حبة تراب وزيتون وقمح، ووراء كل حاسوب ومصباح كهربائي وهاتف خليوي وفنجان قهوة ونظارات طبية، هو في كل موجة بحر وحبة رمل،وهو في كل حوصلة طير وشقيقة نعمان ونرجسة وقطرة دم وندى وشهقة عطر، وكواحد من نسل إسماعيل ومحمد عليهما السلام أقول لكم يا أبناء العم إسحاق، تعاستكم في عنصريتكم، فكفوا عن غبائكم، واجنحوا للسلم لربما تكون أعوامنا وأعوامكم القادمة أقل بؤسا ودموية وكيدية مما نحن وأنتم فيه، حينئذ لن تشعروا بالكيد من اسم «محمد» ولا عبد الرحمن ولا حتى أبو الفول…

1