أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
صرخة الشهيدة الأردنية!!
بقلم : سهيل كيوان ... 18.12.2014

تشغل المرأة الحيّز الأكبر من اهتمام عقل الرجل العربي، اهتمامه بها يفوق اهتمامه بالسياسة والفن والتاريخ والسياحة وحتى أمور دينه، فالمرأة العربية ليست نصف المجتمع، بل نستطيع القول إنها تشغل أكثر من تسعين في المئة من تفكير المجتمع العربي والمسلم بشكل خاص، فدخول ملايين المسلمين إلى ملاعب كرة القدم وبرك السباحة وساحات الملاكمة والمصارعة والكرة الطائرة والرياضات الأخرى مثلا، لا يثير اهتماما ملفتا، إنها أرقام تتكرر، أما دخول فتاة سعودية واحدة متنكرة بلباس شاب إلى ملعب كرة قدم لمشاهدة مباراة قدم للرجال فهذا يشبه هبوط مخلوق فضائي من حزمة ضوئية على سطح الكرة الأرضية، يستدعي استنفار الجيوش من غرب الكرة إلى شرقهــــا، إلا أن الفـــتاة اعتقلت ولم تستطع الانسحاب إلى الفضاء الخارجي كما تفعل المخلوقات الفضائية الغامضة!
الحادثة الثانية وهي الأهم، هي تلك الفتاة الأردنية التي ذُبحت لأنها خرجت مع خطيبها من دون إذن ذويها، فقد لخّصت مأساة أمّة، دماء هذه الفتاة الشهيدة في رقبة كل شيخ وفقيه و»عالم» دين ورجل مجتمع حرّض على قتل امرأة ولو بحرف خطّه أو نطق به، دم هذه الشهيدة في رقبة كل من صمت ويصمت على مثل هذه الجرائم، ذبح هذه الفتاة على الطريقة الداعشية هو ذبح للأمة، هو ذبح لكل قضايا العرب، ذبح لفلسطين ومقدساتها، ذبح للثورات العربية، للتطور الاجتماعي والعلمي، هو ذبح للأمل في التخلص من البطالة والجهل والسقوط الاجتماعي، ذبح هذه الفتاة الشهيدة هو سقوط ليس للأنظمة فقط، بل للإنسان العربي وفكره، إنها هزيمتنا التي تتجدد كل صباح. ذبحها وذبح أخوات ومثيلات لها في هذه الأمة من قبل، يعني الهبوط من حضيض إلى حضيض، ومن يأس إلى يأس. إنه الانهيار الأخلاقي والحضاري والإنساني المطبق، بغض النظر عن الاعتبارات الاجتماعية، فلا دين ولا إسلام ولا عروبة ولا مسيحية ولا منطق ولا أخلاق ولا إنسانية تبيح مثل هذه الجريمة، وعلى كل مثقف وصاحب كلمة وخصوصا أصحاب التأثير على الرأي العام أن يفتحوا أفواههم، أن يشهروا أقلامهم، أن يصرخوا. إن ذبح النساء بهذه الطريقة الهمجية لا يقل بشيء عن وحشية ممارسات الاحتلال، ولا عن تدنيس المقدسات، فمن قتل نفسا بغير حق كأنما قتل الناس جميعا، فما بالك بقتل نفس بهذه الطريقة الهمجية بلا أي منطق بحجة الشرف.
لقد بات الرجل العربي حارسا على كل ما يتعلق بالمرأة، لباسها، صوتها، حركتها، بصرها، سمعها، كيف تمضغ طعامها وتشرب ماءها، بل كيف تتنفس، وفي ظل هذا الكبت والجنون يتحوّل ظهور فنانة أو سيدة مجتمع محط أنظار الأمة ومادة دسمة للخيال والتعليقات والفتاوى ونبش التاريخ، ولا غرو أن تتصدر أحلام وهيفاء وفيفي وأليسا وغيرهن الدماغ العربي، وليس غريبا أن يدفع عربي مليون دولار مقابل ليلة واحدة برفقة كيم كاردشيان، فإذا كان جزاء فتاة مسكينة خرجت مع خطيبها الإعدام، فما جزاء من يدفع مليون دولار لقاء ليلة برفقة كاردشيان!؟ طبعا الحسد والغيرة على مثل هذا الإنجاز العظيم.
«زلة» الأنثى مهما كانت صغيرة تُضخّم ملايين المرات حتى يشعر ذكور عائلتها بأن مليار ونصف مليار مسلم ينتظرون منهم فعلا لإنقاذ «الشرف» المسكين، فهو لا يغسل إلا بالدم، بينما يتم تصغير جرائم الرجل وموبقاته حتى محوها ليبقى عزيزا مكرما مهما ارتكب من سفالات وفواحش. في ظل هذا الجو القاتم من الرقابة ومطر الفتاوى تسير فتاة مصرية في أسواق القاهرة، وخلال عشر ساعات تتعرض لمائة وثلاثين حادثة تحرش جنسي في بلد الفتاوى، بلد الأزهر الشريف، في بلد يعتبر محافظا بمسلميه ومسيحييه، أما في المغرب فقد تعرضت فتاة خلال عشر ساعات إلى حوالي 300 حالة تحرش ومن كافة الأعمار.
في تراثنا الديني والشعبي قصص لا تحصى عن كوارث سببها النساء، فالرجل متفرج فقط، وهو تقي ورع ناسك ومتعبد، والشيطان يحاول إغواءه بواسطة المرأة، أما هو فلا يحاول إغواءها ولا التحرش بها، لا ناقة له ولا بعير منذ خروجهما من الفردوس، فقد ألقيت المسؤولية على حواء كاملة، ولم يكن آدم سوى مسكين وضحية لأنه سمع كلامها، ومن يومها وهو يحاول حصارها والسيطرة عليها، بمنع المعلومة وحجبها وحرمانها من الحركة إلا تحت رقابة مشددة رغم القصص والعبر الكثيرة (الشعبية أيضا) التي تتحدث عن عبثية الرقابة، منذ هارون الرشيد وشقيقته ميمونة حتى يومنا هذا، مرورا بقصص (ألف ليلة وليلة) و (طوق الحمامة) وقصص النساء وقدرتهن الخارقة على خداع الرجال والوصول إلى الحبيب، ومنهن (أم البنين) زوجة الخليفة الوليد بن عبدالملك وقصتها المعروفة مع وضاح اليمن.
وإذا كانت المرأة قادرة على الوصول لحبيبها حتى وهي في قصر الخليفة وتحت أعين الحراس، ففي زماننا لم يعد حصار المرأة وإقفال الغرفة عليها وسيلة مثالية لكبح نشاطها ومنعها من معرفة ما يدور حولها، العكس هو الصحيح، فالمرأة تحصل على «حريتها» بالذات عندما تقفل الباب على نفسها وتختلي بهاتفها أو حاسوبها وتبحر من هناك إلى العالم الواسع الذي لا قرار ولا حدود له، المرأة في زمن الهاتف المتنقل وشبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات والمواصلات السريعة أصبحت أكثر قدرة على المناورة والخداع إذا شاءت، ومن الغباء أن يظن الرجل كائنا من كان أن إقفال الباب وراء المرأة يعني انزواءها وانعزالها وتسليمها بالأمر الواقع، فالحقيقة قد تكون عكسية تماما، وعزلها قد يكون فرصة انطلاقها بلا رقابة. آن الأوان للرجل العربي أن يختار بين الاحترام والثقة التامة القائمة على الحب بين الجانبين وبين مواصلة الحصار والعزل والرقابة وارتكاب الجرائم بحقهن بلا طائل، إذ يصل عدد المقتولات بحجة شرف العائلة سنويا في العالم العربي والإسلامي حوالي عشرين ألف أنثى، وهذا يعني أن الوضع يحتاج إلى ثورة اجتماعية لا تقل عن الحاجة للثورات السياسية، بل هي مرتبطة ومتداخلة بعضها ببعض، فهذه الجرائم لا تقل وحشية عن الجرائم السياسية الأخرى التي تتعرض لها الأمة، دماء هذه الفتاة الأردنية الشهيدة، تستصرخ كل ضمير، أوقفوا المجزرة، أوقفوا المجزرة…

1