أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
تسقط الخلافة ويبقى الإسلام…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 05.02.2015

يبدو أن تنظيم داعش في مأزق كبير،»الخليفة» الذي كان واثقا بنفسه إلى حد كبير في تموز الماضي وأعلن نفسه خليفة للمسلمين ودعا الناس إلى مبايعته، لم يعد هو نفسه، فقد جرت دماء كثيرة منذ خطبته تلك في مسجد الموصل الكبير، وأهمها الفزعة الدولية واتساعها ضد التنظيم، وإمطاره بمئات الغارات الجوية، التي أتاحت انتصارات على الأرض لمقاومي امتداده في العراق وسوريا وأخذ زمام المبادرة منه.
الشعور باقتراب فقدان الخلافة الوهمية، يدفع أصحاب القرار في التنظيم إلى ارتكاب حماقات أكبر من سابقاتها، وذلك كي لا يتضرر «الأنا» المتضخم، والهالة التاريخية الكاريكاتورية التي رسمها الخليفة لنفسه باستعادة دولة الخلافة، هذا «الأنا» الذي أسهم الإعلام العربي والغربي بتضخيمه بوصفه كقائد ملهم شديد الذكاء، خصوصا في طريقته الهمجية بإعدام ضحاياه بدعوى إثبات وجوده ولفت الأنظار إليه وترهيب أعدائه.
لهذا سيحاول التنظيم إشباع الرغبات المحبَطة لديه عن طريق التخييل والإيهام بإنجازات جديدة وتضخيمها، فهو يعوّض الهزائم العسكرية على الأرض بالذبح أمام عيون الكاميرات، وإذا كان الذبح لا يكفي، فليكن الحرق للأسير الأردني، بطريقة فاقت سابقاتها في همجيتها.
«الخليفة» يعرف الآن أن أحدا لن يتراجع ولن يتفاهم معه، وهو يذهب باتجاه المقامرة بخسارة كل شيء أو ربح كل شيء،لأنه لا مكان لحل وسط.
قوة جذب «داعش» كانت عموما لشباب مغامر محبط حُرم من التعبير عن نفسه، وفقد هويته، وفئات حرمت من المشاركة من تداول السلطة في بلدانها، «داعش» وفر ظروفا وهمية لمنتسبيه، بأن يصبحوا حكاما وقضاة وأمراء أحياء ومناطق لإشباع رغبات كبتت في الشراكة بتداول السلطة على مدار عقود أو حتى قرون.
التنظيم الإرهابي كان يجد تغطية في النصوص الدينية في عمليات ضرب الرقاب والجلد والرجم، خصوصا أنه معمول بها في دولة عضو في الأمم المتحدة وصديقة حميمة لزعيمة «العالم الحر»، إلا أن عملية حرق أسير وتسجيل فيديو بهذا الشأن ليس له أي تغطية شرعية حتى في أكثر الاجتهادات الدينية تطرفا، وهذا يدل على الإفلاس التام لهذه الجماعة واقتراب نهايتها، فهي تتصرف بمنطق «عليّ وعلى أعدائي»، وبمنطق النكاية والعمل بالضد والسادية وليس بمنطق دين أو عقل أو سياسة. فما فائدة أن يلتفت العالم كله إليك كي يتقزز منك ويعرب عن استعداده للمشاركة في حرب ضدك! جريمة إحراق الأسير منحت الأردن ذريعة لزيادة حجم مشاركته في الحرب ضد داعش، وفتحت الباب أمام آخرين للمشاركة في الحرب بغطاء وحتى بترحيب رسمي وشعبي، وبالمناسبة أعاد الأردن سفيره إلى تل أبيب «بانتهاء الاعتداءات على الأقصى» بكل هدوء، فالأمور ما شاء الله عال العال.
وحشية داعش زادت من العداء والحقد على الإسلام عموما وعلى السياسي منه خصوصا، فإذا كنا نحن أبناء المنطقة نجد صعوبة في فهم ما يدور، فإن الأجنبي لن يرى سوى الهمجية التي ترتكب باسم الإسلام ويستنتج العبر.
داعش جعل من الإسلام المتطرف شماعة تعلق عليها كل أنظمة الظلام والقمع والاحتلال والداعمين لها قمع كل حركة أو كلمة معارضة لا تعجبهم.
الجميع الآن يستسهل اتهام الإسلام السياسي بالإرهاب، حتى الذراع العسكرية لحركة حماس لم يسلم من هذه التهمة من الشقيقة الكبرى، وذلك لتعليق فشل السياسة الأمنية الداخلية عليها، وهذا أمر خطير يحول دون مراجعة حقيقية للذات، ويضخ زيفا في وعي الجمهور المصري الذي يصل إلى استنتاجات خاطئة تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة فيما يتعلق بمعيشته وأمنه، وبالتالي شرعنة زيادة التنسيق الأمني وتعميقه مع دولة الاحتلال واستمرار الحصار على قطاع غزة وتشديده بحرا وبرا.
أما الذي شبّح وقتل عشرات الآلاف من أبناء شعبه وحرّقهم بطائرات الميج والسوخوي والسكود والكيماوي، فقد صار يتحدث في إعلامه وكأنما يخوض حربا تحريرية، وكان منذ البداية قد رأى في الإرهاب وشيطنة الثورة المخرج الوحيد لأزمته، وبوجود داعش لم يعد بحاجة لاجتهاد لشيطنة الثورة والثوار، داعش قام ويقوم بالمهمة على أتم وجه.
الإنسان، أي إنسان مستعد أن يعيش في البطالة والقلة والحرمان وحتى في الفساد على أن يقوم بثورة ينتهي الحكم فيها إلى أيدي من يحرقون الناس أحياء، فدفع الضرر الأكبر أولى، وبلاء أهون من بلاء ورب مصيبة تهون أمام مصيبة أخرى. داعش نفذ المهمة التي أنشئ لأجلها وهي شيطنة الثورة وخلط الأوراق ونفذها بحذافيرها، هذا ما أراده مؤسسوه وداعموه والمتواطئون معه منذ البداية، لقد نجح بترهيب الشعوب العربية، ورسم لها الصورة السوداء، إلى أين ممكن أن تصل الثورة في نهاية الأمر.
داعش شوّه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وخرّب ما بنته أجيال منهم على تسامح الإسلام وعدله وتقبله واستيعابه للآخر وللحياة المعاصرة، شيطنهم لدرجة الخجل من أنفسهم واضطرارهم للدفاع عن أنفسهم وعن دينهم في كل ما يكتبون وينطقون، كأنما هم مذنبون بكل ما يقوم به من موبقات، هذه اللطخة لن تختفي سريعا من تاريخ المسلمين.
ينشغل العالم كله الآن في مواجهة الإرهاب الإسلامي. فلا يخلو اجتماع بين زعيمين في العالم من عرب وغير عرب ومن مختلف الملل والديانات والقوميات، إلا ويتضمن بندا حول طرق مكافحة الإرهاب، الذي صار مفهوما ضمنا أنه إسلامي!
الإعلام الغربي والعربي تحدث عن ذكاء الخليفة الخارق وعُمق خططه، حتى أغرى المراهقين بتصوير الأمر كما لو كان فيلما هوليووديا.
بل أن البعض تحدث عنه بتواطؤ وبلهجة فيها شيء من الإعجاب والمودة الخفية، وبرر البعض وجوده كرد طائفي على الطائفية.
لقد هزمت خلافة داعش وبدأ نجمها في الأفول، لأنها منذ خطواتها الأولى بدأت ضد حركة الكون وطبيعة وفطرة البشر، وسوف تتلاشى حتى لا يبقى منها سوى شرذمات صغيرة هنا وهناك، تستخدمها أنظمة الفساد والاحتلال والقمع والنفوذ في لعبتها وقتما تشاء، تشعلها أو تخمدها. ستختفي خلافة داعش وبئس المصير، ويبقى الإسلام دين محبة وتسامح ورحمة، دين تبدأ تلاوة قرآنه..بسم الله الرحمن الرحيم، والذي أساءت له السياسة كما أساء الاحتلال والقمع والاستغلال والجشع والعنصرية لمفهوم الديمقراطية.

1