أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
الـ 24 ساعة الأخيرة للبشرية!!
بقلم : سهيل كيوان ... 12.05.2016

انشغل العالم أو أجزاء منه بمرور كوكب عطارد من أمام الشمس ظهر يوم الإثنين، والحقيقة أنني غفلت عن الانتباه للكسوف، فقد اعتدت الإطراق بالأرض، أو البقاء في البيت، وفي كل مرة يتحدثون عن كسوف أو خسوف أقول لنفسي هذه المرة سوف أنتبه، ولكن تمر الظاهرة مرة أخرى دون انتباهي، ويبدو أنني من الشعوب المكسوفة والمخسوفة، فماذا سيضيف لي كسوف شمس وخسوف قمر!
لا وقت لدينا لهذا الترف ومراقبته بشرائح زجاجية، رغم أن ظاهرتيّ الكسوف والخسوف ذُكرتا كثيرا كعلامات لاقتراب الساعة، ثم أنني على يقين بأن العلم مهما بلغ من التقدم، لن يسيطر على حركة الكواكب، مع التقدير لكل الجهود وعدم التقليل من أهميتها! نعم قد يسيطر البشر على شُهيب هنا أو هناك، قد يستطيعون تحطيم نيزك أو حرفه عن مساره، ولكن لا بد وأن يأتي اليوم العظيم، ويفرح فيه المؤمنون، وينتهي كوكبنا كما تُلقى علبة سجائر فارغة في موقد مشتعل، فلا يبقى منه ومن البشرية سوى ذكرى، لن يذكرها سوى العدم.
كثيرون لن يصدّقوا أن البشرية على وشك الزوال، سيمارسون طقوسهم اليومية من تنظيف وغسيل وطهو وقراءة أو كتابة أو سباحة، أو كرة قدم وغيرها من الهوايات! وسوف يتمسكون بقطع النقود الصغيرة في جيوبهم، ويحجزون بطاقة لحضور مسرحية أو للمبيت في فندق.
المهم أن العلماء طمأنوا البشرية بأنه لاخطر على كوكبنا الجميل، وبأنه سيتخطى هذه الظاهرة مثلما تخطى الكثير من قبلها، فيكاد لا يمر شهر إلا ويخبرُنا العلماء عن مذنّب أو نيزك سيمر من فوق رؤوسنا، ويرعبوننا بأنه إذا ارتطم بالأرض لا قدر الله، فسوف تمسي بلاد كثيرة قاعا صفصفا. ولحسن الحظ أن هذه الكوارث لم تحدث بعد، ربما حصلت منذ زمن بعيد، ولكن ليس مستبعدا أن يختل شيء ما في هذا التوازن، فتتعانق الكرة الأرضية الحسناء من بين الكواكب مع كوكب شرير آخر، فتذهب كل نشاطات الاحتلال الكولونيالي في فلسطين أبراج المجرة، وتتلاشى أمريكا وروسيا وإيران والسعودية وتركيا وإسرائيل وداعش، ولن تجتمع الجامعة العربية بعد هذا أبدا، ولن تبقى وكالات فضائية، ولا انقلابات عسكرية، ولا إعدامات ميدانية، ولا إدانة لطفل مقدسي في الثالثة عشرة من عمره بمحاولتي قتل لمستوطنين وجنود، الأمر الذي يعني سجنه حتى كهولته، هذا ما حكمت به محكمة القدس المركزية يوم الإثنين الأخير، ولا قصف برميلي لمستشفى شبه خال من الأدوية والعتاد في حلب في يوم مرور عطارد أمام الشمس، وأهم من كل شيء، أن بان كي مون لن يعبّر عن قلقه بعد نهاية البشرية، لأنه لن يكون موجودا.
في جولة الكسوف هذه، لفت انتباهي الخبر على الشريط الإخباري لفضائية تابعة للنظام السوري تطمئن المشاهدين بأنها «ليست نهاية البشرية»، وهذا يعني أنه ما زال أمام شعبينا السوري والفلسطيني مزيدا من الوقت للاستمتاع بالنظام وفضائله.
لو كان مرور عطارد يعني النهاية، فماذا بيد البشرية المسكينة أن تفعل سوى انتظار ما جاء في الآية الكريمة» يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش»!
أفظع ما في هذا الحدث، أنه لن يبقى هناك من يفرح أو يحزن أو يقلق لحدوثه، وأن هذا الحدث العظيم، لن يتصدر نشــــرات الأخبار وعناوين الصحف، لأن الصحف لن تصدر بعد نهاية العالم والفضائيـــات لن تبث، فلن يبقى هناك من يصنع الإعلام ولا من يشاهد أو يسمع!
ستضيق المعابد بالناس، وسوف يصلون في العراء تحت المطر وتحت أنياب الشمس كلٌ بلغته وعقيدته، وقلائل هم من لن يتخلوا عن لحظات حب وغرام أخيرة، ومتع صغيرة مثل تناول قطعة من المثلجات، والبعض سيركض ويغني ويرقص في الشوارع والميادين جذلا لأن الخلاص أتى أخيرا!
ستنشغل الأكثرية في البكاء على النفس وطلب الرحمة والغفران، وسيعرب الرئيس بشار الأسد ابن الرئيس حافظ الأسد عن أسفه الكبير، سيتحدث في خطاب أخير للأمة، سيعتذر لأن الحياة الدنيا ستنتهي قبل أن يتمم دورته الجديدة في رئاسة البلد، وسيحكي بأسف كيف كان سيثبت للشعب السوري وللعالم، أنه كان على وشك إجراء تغييرات جذرية لولا نهاية العالم، وكذلك انتخابات رئاسية جديدة، كان سيثبت من خلالها أن الشعب السوري يُحبّه حبا متبادلا، ويريده رئيسا مرة رابعة وخامسة وسادسة سواء اتفقــــت أمريكا وروسيا على بقائه في الكرسي أم لا، وسيثبـــت أنه كان على حق عندما اختار الحل الأمني في مواجهة «أمة الإرهاب»، وسيتوجه في نهاية خطابه ويقول «إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، وإعمل لآخرتك كأنك تموت غدا»، فمن كان بيده برميل من المتفجرات أو صاروخ أو قذيفة أو أي جسم متفجر فليلق به على أهل حلب حتى ولو رأى القيامة قد قامت بالفعل..

1