أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
إعدام....!!
بقلم : سهيل كيوان ... 21.07.2016

يحدث أن يكون في مكتبتك رواية لكاتب تحبه وتريد قراءتها، ولكنك تقرأ بضع صفحات ولا تستطيع مواصلة القراءة، قد يكون السبب مزاجك في ذلك النهار، وربما استعصى مفتاح أو خيط الرواية عليك، وربما كانت الترجمة موصلاً غير جيد بينك وبين النص، وقد تكون الرواية رديئة بالفعل.
أحببت القصص القصيرة للكاتب التركي الراحل عزيز نيسين، تمتعني وتضحكني، وأعيد قراءة بعضها بين فترة وأخرى، وهي قصص بسيطة مسحوبة من حياة الناس ومعاناتهم، وخصوصاً حول صغار الموظفين والكسَبة، وقصص العمال الأتراك الذين استوردتهم ألمانيا ابتداءً من العام 1961 كـ»عمال ضيوف»، والفحوصات الطبية التي كانت تجرى لهم بما في ذلك البواسير حيث أن مريض البواسير غير مرغوب فيه للعمل في بعض المصانع الألمانية، وكذلك القصص الوهمية التي كان يحوكها الأتراك عن سبب سفرهم للعمل «الألمان فاترو الهمّة يريدون تجويد نسلهم من خلال تخصيب نسائهم من فحول الأتراك»: إلخ من تفسيرات مضحكة. قصص نيسين تقربك من الأتراك ببساطتهم وفقرهم، كذلك خبث وقساوة بعضهم التي تفرضها ظروف الحياة مثل أي شعب آخر، وهم قريبون جداً من العرب.
قبل عقدين وربما أكثر، توجد في مكتبتي رواية (سرنامة) «وقائع احتفال رسمي»، حاولت قراءتها منذ اقتنيتها ولم أستطع لسبب ما، فقط قبل شهر قرأتها، شدتني هذه المرة حتى آخرها، واستمتعت بها.
تحكي الرواية عن إعدام الشاب خيري الحلاق «عدو الشرف والعرض» في ساحة السلطان أحمد في اسطنبول، ويضيف الكاتب في نهاية الرواية ملاحظة يقول فيها «إن خيري الحلاق كان آخر من أعدم أمام الناس في ساحة عامة في تركيا، كي يأخذ الناس عبرة»، كان هذا في العام 1973».
من خلال رواية «سرنامة» يتحدث نيسين عن حياة السجن وأنواع الجرائم الجنائية، وكذلك عن وجود مجموعة من السجناء السياسيين، يطرح (نيسين) من خلال روايته اعتراضه على أحكام الإعدام، وعندما يسألون خيري الحلاق كما هو متبع ماذا يريد أن يقول قبل إعدامه! يفكر ماذا يمكن أن يقول لهم ؟ وبعد هواجس كثيرة يقول أخيراً: «أنا الآن غير ذاك الإنسان الذي ارتكب تلك الجريمة، أنتم الآن تشنقون إنساناً آخر وخيري آخر على أنه مجرم ولحظة أصبحت إنساناً آخر».
هناك جانب من عقوبة السجن ليس فقط الجانب العقابي، بل هناك أيضاً الجانب التربوي والإصلاحي للسجين وللناس.
هناك قصص كثيرة عن التغييرات الجذرية التي تطرأ على الإنسان خلال فترة سجنه قد تحوله إلى إنسان آخر يثير عجب من عرفوه قبل سجنه! وقد طرق موضوعة الإعدام الكاتب الروسي الكبير أنطون تشيخوف في قصة «الرهان»! والتي يعترض فيها أحد أبطاله على حكم الإعدام كونه غير أخلاقي ويجب الاستعاضة عنه بالسجن المؤبد فيقول «الحكومة ليست إلهاً، فإذا ما فصلت روح الإنسان عن جسده لن تستطيع إعادتها»، في تلك القصة يدخل أحدهم إلى السجن مدة خمسة عشر عاماً مقابل رهان عن مليوني روبل، ولكنه بعد قراءاته الكثيرة وتغييرات جذرية في تفكيره خلال سجنه يحتقر المال ويتنازل عن المليونين في الساعات الأخيرة من سجنه.
قد يكون الإنسان ملحداً ويخرج مؤمناً وقد يحدث العكس، قد يدخل بريئاً ولكنه بتأثيرات السجن يتحول حقيقة إلى مجرم، (خيري الحلاق) بطل «سرنامة» فتى تعرض للاغتصاب مراراً على يد أحدهم، وفي يوم ما ينتقم باغتصاب ابن مغتصبه، وعندما يصرخ الطفل جزعاً يخنقه خيري الحلاق بهدف إسكاته ولكنه يموت، يعترف بالتهمة ويحكم عليه بالإعدام، وإلى أن ينفذ الإعدام فيه يقضي أربع سنوات في السجن يتحول خلالها إلى إنسان آخر لا هدف له سوى أن يصبح شاعراً.
الحكم بالسجن يبقى قابلاً للتعديل ما دام الإنسان حياً، وخير الأمثلة قصة يوسف الصديق في القرآن الكريم الذي اتهم ظلماً وسجن، ولو أن الفرعون أراد الانتقام منه لاعتدائه على عرضه لأمر بقتله، ولما كانت إمكانية لتصحيح الخطأ، كنا خسرنا نبياً، وتتمة القصة الرائعة ليوسف وإخوته.
هناك واقعتان شهيرتان جرتا لشبان عرب من منطقة فلسطين 48، واحدة اتهم فيها شبان عرب باغتصاب وقتل طفل يهودي، وأخرى اتهم فيها رجل بدوي باغتصاب فتاة يهودية وقتلها، ولكن الشكوك حامت وما زالت تحوم حول القضيتين حتى يومنا هذا، هناك أيضا متهم يهودي من أصل روسي بقتل فتاة في مدرسة ثانوية قبل بضع سنوات في إحدى المستوطنات، الآن تدور شكوك قوية بأنه ليس القاتل!
في سنوات السبعينات اشتهرت قصة رجل يهودي من أصل مغربي من عكا بتهمة اغتصاب صديقته المجندة وقتلها، إلا أنه كان يدعي براءته طيلة الوقت، وبعد ثمانية عشر عاماً من السجن أطلق سراحه بسبب الشكوك في قضيته! لو أنه يوجد حكم بالإعدام! لقتل رجل بريء.
وفي العالم قصص كثيرة عن أناس أعدموا ثبتت براءتهم بعد رحيلهم. طبعا هذا لا يشمل الحديث عن الأبرياء الذين تعدمهم قوات الاحتلال الإسرائيلي ميدانياً منذ سنين.
الحديث عن العودة إلى العمل بحكم الإعدام في تركيا بعد إلغاء العمل به رسمياً منذ العام 2003 هو ردة فعل متسرعة على الانقلابيين، هي خطوة تعيد تركيا خطوة إلى وراء، صحيح أن محاولة الانقلاب جريمة كبرى وليست جريمة جنائية عادية، وكان ممكناً أن تؤدي إلى كارثة على الشعب التركي وتدخله في دوامة من القتل والدمار، إلا أن أحكام الإعدام ليست مفتاحاً للسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي لا في تركيا ولا في غيرها، إضافة إلى أنها قد تؤدي بالفعل لقتل أناس ربما غرر بهم، أو نفذوا أوامر من هم أعلى منهم رتبة، ولا يستحقون عقوبة لا رجعة عنها بعد تنفيذها.

1