أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
ايها الحكام: كرامة المواطن حقٌ وليس منّة!!
بقلم : سهيل كيوان ... 03.11.2016

يغطي النظام الفاشل في كل زمان ومكان تقصيره وعيوبه عادة بإدانة موظف أو مسؤول هنا وآخر هناك، يحمله مسؤولية مشاكل المواطنين، فالنظام عال العال يوفر للناس كل شيء، من عمل وصحة وغذاء وتعليم وكرامة وحقوق وأمن، ولكن الموظف المهمل لم يقم بواجبه كما يجب.
المسؤول هو الفاسد وليس النظام، والمسؤول الأكبر يحمل مسؤولية أي خلل لمن هم أقل منه درجة، وهكذا يبحث كل واحد عن ضحية أضعف منه ليحملها المسؤولية، حتى الوصول إلى الموظف الصغير المسكين الذي لا حول له ولا قوة، ومحدود الصلاحيات والإمكانيات، الذي يقوم بعمل أربعة موظفين بدلا من واحد، ويتعرض لضغوط من فوقه ومن تحته لتقديم مواطن وتأخير آخر، وإعطاء هذا وحرمان ذاك، وإرضاء هذا والتنكيد على ذاك، وفي النهاية ترمى عليه مسؤوليات أكبر من طاقته بكثير. قد يكون موظف ما شهما، يحاول في بدايته الإصلاح ومكافحة الفساد، ولكنه وفي أغلب الأحيان يستسلم للأمر الواقع ويقرر ألا يوجع رأسه أكثر، ويتحول إلى قشة يسحبها تيار الفساد والمفسدين إلى حيث يجري، فيسكت على ما يرى وما يسمع ولا يتدخل «في ما لا يعنيه» كي يبقى في أكل عيشه حسب نصيحة الكثيرين، وإلا يلقى ما لا يرضيه، وتدبر له مكائد لطرده من عمله.
عندما تقع حادثة فيها حرج كبير لا يمكن تجاهلها، يتحول الموظف الصغير إلى كبش فداء للمسؤولين من فوقه وهو مذهول ويكاد يصرخ… كلكم مثلي، فلماذا أنا الذي أتحمل المسؤولية لوحدي؟ فيكون الرد عليه «لأنك تيس، أوقعت نفسك وفضحتنا وتركت وراءك مماسك وإثباتات وبصمات حتى أمام الكاميرات، سببت لنا وحتى للنظام كله ضررا وإحراجا كبيرين، ويجب أن تعاقب على الأقل ليرى الناس لتهدئتهم وامتصاص غضبهم.
وينبري الإعلام الرسمي لإدانة هذا الموظف أو المسؤول، ويصب جام غضبه عليه وبحق، خصوصا إذا كانت الحادثة مقززة ومثيرة ومستفزة وفيها ضحايا بشرية وبصورة مهينة، ويقوم رأس الحكم بتوجيه وزير داخليته للتحقيق الفوري في قضية المواطن المظلوم الذي تحول إلى شهيد العدل والحق ولقمة العيش، وتعلن مؤسسة الحكم عن معاقبة أي مسؤول كائنا من كان عما حدث. وبهذا الإعلان يبرئ النظام ذمته، فهو بخير والمشكلة هي بالموظفين والمسؤولين الذين تجاوزوا صلاحياتهم، أو الذين تصرفوا بدون منطق ولا إحساس تجاه المواطن الذي جاهد لأجل لقمة عيشه، ولكنهم أفشلوه، بل وقضوا عليه أو سببوا له أن يقضي على نفسه وبصورة مُذلة ومستفزة للبشر أينما وجدوا. إذا كان الموظف ضعيفا قد يحاكم ويدفع ثمن خطئه، وإذا كان قويا وله بكّايات، ينقل إلى مكان عمل آخر في بلد آخر، أو ينقل من قسم إلى آخر، وقد يجتمع به مسؤول أعلى منه ويشرح له خطورة فعلته التي أثارت الناس، وأنه من الأفضل للجميع أن يستقيل من موقعه، لأن بقاءه في وظيفته يشكل خطرا على الجميع، ولا بد من التضحية وتحمل المسؤولية، وطبعا يتم تعويضه عن خسارته لوظيفته. خلال هذا الجدل يُسمح للناس بتفريغ شحنات غضبهم من خلال كتابات وتقارير ومظاهرات منظمة تغض السلطات النظر عنها، بل تساعدهم أجهزة الأمن فيها ما دام أنها موجهة ضد شخص بعينه، ولا تحوي أي شعار مكتوب أو مسموع ضد طريقة وبنية النظام نفسه الذي يفرز مثل هؤلاء الموظفين الفاسدين وحتى المجرمين. وقد تشترك الشرطة بالاحتجاج ضد هذا الموظف الذي بالغ في اضطهاد وتحقير المواطن، وسلب منه رزقه وحياته وكرامته، وقد يذرف ضابط شريف الدموع، وسوف يشهد الناس ورؤساء الأحزاب في البرلمان بأنهم أيضا ضد المسؤول الذي سولت له نفسه القيام بما قام به، وتتحول القضية إلى خطأ، أو إلى تسرع شخصي لم يقصد به الوصول إلى هذه النتيجة المأساوية، ويتحول الحادث إلى مأتم جماعي يذرف فيه الفنانون وسائقو سيارات الأجرة والباعة وأساتذة الجامعات والشعراء الدموع، ترافق هذا حملة إعلامية عن رأس النظام الطيب القلب الذي لا يسمح بتجاوزات وخروقات وتصرفات لاإنسانية كهذه، وهذا صحيح، فلا يوجد حاكم يريد لمواطنيه أن يجوعوا أو أن يقتلوا في سبيل لقمة عيشهم، فكم بالحري أن يقتلوا بصورة مهينة. وأغلب الظن أن الحاكم مهما كان بعيدا عن حياة المواطنين ومعاناتهم، فمن مصلحته أن يراهم راضين وسعداء، لأن حكمه يستقر باستقرارهم، نعم الجوع كافر ولكن ممكن تحمّله أو الاحتيال عليه، كذلك ممكن تحمل الظلم إلى درجة ما، والتسليم بعدم وجود عدل على الأرض وانتظاره في الآخرة، ولكن إضافة الإذلال والمهانة فوق الجوع والظلم، فهذا يمس عصب الشعب حتى لو كانت الحادثة فردية، حينئذ تطفو على السطح كل المظالم ولن تنفع نوايا الحاكم الطيبة، لأن الخير والعدل لا يأتي بالنوايا الحسنة، فالقضية قضية إدارة حياة عشرات ملايين الناس، ولهذا توجد دساتير وقوانين وقضاء وبينة حكم يتساوى أمامها الجميع، فالعدالة تحققها القوانين المأخوذة من وثائق حقوق الإنسان، التي تضمن الكرامة كحق لكل فرد وليس منّة، أما المكرمات الملكية أو الرئاسية والهبات والعطاءات والهدايا والتوجيهات فقد تصيب واحدا وتخطئ عشرة آلاف، وقد يُقضم منها في الطريق قبل وصولها لمستحقيها، وقد لا تصل أبدا، إنما يكفل العدالة جهاز حكم يلائم عصرا صار البشر يبحثون فيه عن الحياة في الكواكب البعيدة، ودستور وقوانين يتساوى الناس أمامها في الفرص والعيش الكريم، يحصلون فيها على كرامتهم كحق لهم وليس منة من حاكم أو مسؤول.

1