أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
الواقعية السِّحْرية في تضليل الأجهزة الأمنية…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 09.09.2021

في عصر يوم الإثنين الأخير، سرت في موكب تشييع شيخ تجاوز عمره المئة عام من قرية شعب، المعروف باسم أحمد المطلق، أبو محمد، آخر رجال حامية شعب، التي نجحت في التصدي لمدَّة طويلة نسبياً للاحتلال الصهيوني خلال حرب عام 1948.
غمز كتفي أحد المشيّعين، تربطني به علاقة ودِّية.. ما قولك بصَفعة صباح اليوم؟
قلت- يبدو أنهم استخدموا ملاعق السَّيدة ملعقة، وهي ملعقة سحرية عندما يعلّقها أحدهم في عنقه، يصير حجمه بحجم الملعقة…
– فِكرَك بِمِسْكوهِن؟…
-ممكن جدًا، وقد يستشهدون، كلهم أو بعضهم، وربما ينجحون في الوصول إلى قطاع غزة مثلا، لكن باعتقادي أنَّ إلقاء القبض عليهم لن يكون متاحاً، إلا إذا دخلت العصا في أُسْت الفأس..
-يعني؟؟
-يعني، كانت فأسٌ ملقاة في الغابة، وكانت شفرتها الحادَّةُ تلمع، خافت الأشجار وصارت تندب بأن الفأس ستقطعها، ولكن لم يكن في الفأس يدٌ يمسك الحطاب بها ليعمل في قطع الأشجار! فقالت شجرة لأخواتها.. إذا لم يُدخِلْ الحطابُ غُصن واحدة منكن في أست هذه الفأس، فلن يكون في مقدروها قطعكن.
هناك من تحدَّثوا أو كتبوا شيئاً على نمط نظريات المؤامرة، فما دام أن الاحتباس الحراري مؤامرة، وكورونا مؤامرة، ومحاولة التخلّص من الديكتاتوريات مؤامرة، فلماذا لا يكون الهروب من خَزنة سجن شطّة مؤامرة؟
لكن حتى الهلوسة، يجب أن تكون منطقية، حتى في روايات الخيال العلمي، حيث تنعدم القوانين الأرضية، وتتحرّك السُّفن الفضائية عبر الزمن بسرعة الضوء، يوجد تسلسل منطقي للأحداث، حتى في أغرب الأفلام يوجد منطق، سببٌ ونتيجة، علّة ومعلول.
إذا كان حفر النَّفق بالطريقة التي أُعلن عنها مستحيلاً، فهناك إمكانية بأن نزعم مثلًا بأن النفق حُفِر عكسيًا، أي أنه بدأ من مخزن زراعي في أرض تابعة لإحدى قرى مرج ابن عامر، وانتهى في الخزنة وليس العكس، وأنَّ الحفر لم يستغرق سوى ثلاثة أيام، وليس أشهرًا كما يظنون، وأنه جرى يوميًا وفي النهار فقط، وبعتاد متقدِّم لحفر الأنفاق، مثل تلك التي تعمل في قطاع غزة وفي جنوب لبنان، وليس كما يتوهَّمون، بأن الحفر جرى بأدوات صُنعت من ملاعق وسكاكين وفراشي أسنان وشفرات حلاقة ومبراة أقلام رصاص وبراغيّ، ولم يكن ممكنًا لأحد أن ينتبه أو يسمع صوتاً بسبب الجرّارات الزراعية الكثيرة في المَرج طيلة ساعات النهار، وحركة السّير الكثيفة في الشارع الذي يمر بمحاذاة سجن شطّة، وممكن أن تشتطَّ أكثر، وتستنتج أن العاملين في توسيع الشارع قبالة سجن شطة في هذه الأيام، هم الذين أعدُّوا النفق خلال ساعتين وليس أياماً، وهم الذين كانوا على تواصل مع الأسرى، ولم يكن على الأسرى سوى أن يتفضلوا ويخرجوا إلى الحرية دون أن يسكبوا قطرة عرق أو دم واحدة من رؤوسهم أو أناملهم.
ممكن مثلاً أن تُهلوِسَ، وتقول إن الشُّرطية التي جلست في برج المراقِبة تظاهرت بالنوم، وذلك أنها كانت مريضة في مرض خطير، ونذرت نذرًا بأن تتغاضى عن مَن يحاولون الهرب لنيل حريتهم إذا شُفيت من مرضها، وقد تحقّقت أمنيتها وشُفيت، وهي كانت في انتظار هذه اللحظة منذ عامين للوفاء بِنذرها.
ممكن مثلا أن تُهلوِس وتقول، إن قراصنة الشبكة العنكبوتية من الجزائر تمكنوا من التحكم عن بعد بكاميرات المراقبة، وجعلوها تبث المنظر نفسه لمدة ثلاث ساعات يومياً، من الواحدة حتى الرابعة بعد منتصف الليل حسب توقيت القدس.
حضرة الأخ المُهلوس، لا توجد دولة في العالم حتى ولو كانت جمهورية موز أو شطّة، تقبل المسَّ بهيبتها بهذه الصورة، حتى لو أرادت تنفيذ مخطَّط تآمري، فالضَّرر المعنوي الذي تسببه عملية كهذه أكبر من أي فائدة ممكن جنيها من المؤامرة.
ثم أين المنطق التآمري في أن يكون توقيت العملية في رأس السَّنة العبرية؟ فأمر كهذا ينغّص فرحة جيش كامل من العاملين في مختلف الأجهزة الأمنية، إضافة إلى الجماهير الواسعة المؤيِّدة والحاضنة لهذه الأجهزة، إن مجرد التفكير بأنهم قد يكونون مسلحين وليس لديهم ما يخسرونه، يثير الرُّعب.
هل تقبل دولة فلفل شطَّة الاستهتار بمصلحة سجونها ومخابراتها وتقنياتها، وأن تضعهم في موضعِ سخرية! هل تتآمر على سمعة صناعتها المتقدمة التي تبيع منها كميات هائلة وتعتبر مصدر رزق كبير لها؟
هل تقبل دولة شطَّة أن تُعرِّض أجهزتها الأمنية للشكوك من قِبل أنظمة تعتمد عليها كلِّياً في حمايتها؟
إضافة إلى أن فرحة سرَت في عروق آلاف الأسرى، ممكن أن تشكل تيارًا قويًا من الفرح والأمل المنتقل بالعدوى من وراء الجدران إلى خارجها.
اللامستحيل، موضوع يجب أن يدرّس في كل المؤسسات التعليمية في كل العالم، لا يوجد شيء اسمه مستحيل على الإطلاق، وعلى روّاد التنمية البشرية أن يضعوا هروب الأسرى في رأس سلّم خطبهم وأفلامهم، حول الإرادة والقدرة اللامحدودة للإنسان على الإبداع في إيجاد الحلول لأي معضلة، مهما كانت تبدو غير قابلة للحل.
هناك احتمال كبير بأن يستشهدوا، وقد يقعون مرة أخرى في الأسر، وقد ينجحون في الوصول إلى مكان آمن، ولكن الرِّسالة وصلت، وعلى جامعات العالم استنباط علم جديد، «الواقعية السحرية في تضليل الأجهزة الأمنية».
كذلك يجب إدخال لعبة جديدة إلى الألعاب الأولمبية اسمها «الخروج من شطَّة»، بحيث تُحبسُ فرق من اللاعبين في خَزنات، وتوضع كل أنواع العوائق والرقابة عليهم، وبعض العتاد المنزلي البدائي البسيط، ليفوز من يبدع في صناعة أدوات يستخدمها في الخروج من الخزنة.
يجب منح براءة تامة لمن يستطيع الخروج من الخزنة بقواه الذاتية، أسوة بمن كانوا يحظون بالعفو إذا ما انقطع حبل المشنقة فيهم أثناء تنفيذ إعدامهم.
بلا شك أن مخرجين وممثلين سينمائيين كثيرين يحلمون في الأيام الأخيرة، بإخراج وتمثيل فيلم مستوحى مما جرى صبيحة يوم الإثنين، وبدأوا في البحث عن عنوان مناسب للفيلم..

1