أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
الإجهاز على محمد الجريح!!
بقلم : سهيل كيوان ... 09.12.2021

سلطات الاحتلال بائتلافها ومعارضتها جزعة من مجرد التفكير بأن أمريكا الشقيقة الكبرى، قد تفتتح قنصليتها للفلسطينيين في القدس الشرقية، فهذا تذكير قويٌّ بأن المدينة محتلة، ولهذا تعلن حكومة الاحتلال رفضها لمثل هذه الخطوة بحزم، كما قال رئيس حكومة الاستيطان نفتالي بينيت، لكنه تنازل لأمريكا وقال إنه لا يمانع من فتح قنصلية أمريكية في رام الله.
تحاول سلطات الاحتلال حجب حقيقة القدس كمدينة محتلة من ذاكرة العالم، وحتى من ذاكرة العرب المطبِّعين، وتحاول أن تمحو من الذاكرة قرارات دولية تعتبرها محتلة وتدعو للانسحاب منها. في الوقت ذاته تقيم الحواجز والعراقيل على مداخل المدينة القديمة، وفي كل زاوية داخلها لفرض احتلالها، أولا لحماية المستوطنين وتشجيعهم على دخول المدينة القديمة، بهدف فرض الطابع اليهودي في حيزها العام، وثانيا لردع الفلسطينيين القادمين من خارجها عن دخولها، وعمليا ضرب الحركة الاقتصادية للفلسطينيين داخل الأسوار والتخفيف من المشهد الفلسطيني في الحيِّز العام من المدينة المقدسة.
تعاني بلدية الاحتلال وموظّفوها من فوبيا النَّعناع، فهم يُستفزون بصورة غريبة من بسطة نعناع تفرشها مسنّة فلسطينية على الرَّصيف، أولاً لأن المُسِنَّة ترتدي ثوب منطقة القدس، أو إحدى قراها، وهذا مؤذٍ للعين ومستفزٌ جداً، عادة ما يكون الثوب الفلسطيني مطرّزا باليد ومتوارثاً جيلا بعد جيل، وثانياً لأن البسطة على الرصيف تمنح الحيِّز العام طابعاً تراثياً فلسطينياً، يحيل إلى صاحب الأرض الذي يتعب ويلتصق بها ويرويها بعرقه وحتى بدمه، وثالثاً لأن هذا النعناع ومعه القراصيا على بساطتهما ممكن أن يكونا عامليّ صمود لأسرة فلسطينية، ولهذا يشاهدُ موظفو بلدية الاحتلال في حروب وحملات لا تنتهي على بسطات النعناع والقراصيا والمشمش والبرقوق والخسّ وطبعاً الزّعتر وغيرها. قبل أسبوعين نُشر فيديو على وسائل التواصل لموظف في حالة سعار في شارع صلاح الدِّين يسكب النعناع والخضار على الأرض، ويدوسُ بعضها بقدميه ويصادر ما تبقى منها لمسنة فلسطينية، وهي تحاول بصمت إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أضمومات نعناع، وبعض الشُّبان من أصحاب المحلات المحاذية يحاولون ردعه عن ممارسة قذارته، لكنهم فشلوا أمام سعاره وعنصريته بتغطية من جنود حرس الحدود الذين تدخّلوا لصالحه. هذا المشهد والآلاف مثله، هو حتميٌ لأنه يستحيل وجود احتلال بلا اضطهاد وقمع للواقعين تحت نير هذا الاحتلال، هذا مستفز للمشاعر، ويرى بعض الغيورين، أن الصمت عار على هذه الممارسات، أضف إلى هذا الاقتحامات المنهجية للمسجد الأقصى، والتهديد الدائم للمصلين فيه وإشعارهم بأنهم في منطقة محتلة، وبأنهم مهددون حتى في صلاتهم، إضافة إلى منع المقدسيين من الاشتراك في الانتخابات الفلسطينية.
هل يظنُّ أحدٌ بأن محمد شوكت السليمية لم يكن يعرف مسبقاً بأنه آت من سلفيت إلى القدس كي يستشهد في باب العمود؟ هل كانت لديه ذرَّة من شكٍّ بأنه لن يخرج حياً من هجومه بسكين على عناصر من حرس الحدود؟ ورغم ذلك فإن إقدام جنود حرس الحدود على إطلاق النار عليه بعد إصابته وفقده لقدرته على المقاومة، أو الإيذاء يدل على جبنٍ وحقدٍ متوحِّشين، وعلى وجود توجيهات بقتل من يُهاجم، حتى إن كان مصاباً وينزف وعاجزاً عن الرَّد. إعلام الاحتلال المجنَّد كبوقٍ للأجهزة الأمنية في أكثريته الساحقة، يحاول فرض شرائع دولية جديدة، فهو يرى في الإجهاز على الجريح دفاعاً عن النَّفس. هذا القتل أمام الكاميرات وتأييده من قبل قادة حكومة الاحتلال ومعارضتها، يشير أيضاً إلى الأعداد الكبيرة من الجرائم التي يرتكبها المستوطنون وجنود الاحتلال في غياب الكاميرات والشهادات، والدليل أنهم أطلقوا النار أكثر من مرة على مستوطنين ظنّوا أنهم عرب بسبب قرب ملامح بعضهم من العرب، ما يؤكد أن إطلاق النار على الفلسطيني يحدث أيضاً بدون أي سبب، فقد يحدث لأنه خرج في نزهة إلى البرية، أو خرج ليقطف موسم زيتونه، أو ليحضر حطبا للتدفئة، أو ليحرثَ أرضه أو ليحفر فيها بئراً أو ليزرع غرسة جديدة يورِثُها لأحفاده. المنافسة بين الأطياف السياسية في حكومة الاحتلال ومعارضتها هي، في من يثبت أنه أشد رفضاً لما سُمِّي عملية السلام، ومَن هو أكثر تشدُّداً وتنكيلا في الفلسطينيين، ولهذا أسرعت كل الأطراف للتأكيد على دعمها للجنود مطلقي النار على محمد شوكت الجريح أمام أعين الكاميرات، وشجّعوا غيرهم على ممارسة الجريمة ذاتها، الأمر الذي يؤكّد فقدان الاحتلال لأدنى التزام بالقوانين الإنسانية المتعارف عليها في الحرب وفي السِّلم، وتحت أعين الكاميرات والمُطبِّعين الذي يملؤون أفواههم ماءً.

1