أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
عمّن تعبّر افتتاحية مجلة ((الدراسات الفلسطينيّة))؟!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 15.06.2022

في العدد130من مجلة الدراسات الفلسطينية،عدد ربيع 2022، افتتاحية كتبها رئيس التحرير الياس خوري، وهي بعنوان: من الطنطورة إلى آخره، وهي تقع في عدة مقاطع، وتعد القارئ بقراءة معمقة لوقائع المجزرة، ومتابعة ما خفي من فصولها، وربما قراءة مسلسل المجازر الصهيونية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية: الهاغناه، شتيرن، هاتسفاي ليومي وغيرها، ولكن القارئ مثلي يفاجأ بأن الكاتب يقفز في القسم الرابع من مجزرة الطنطورة والاستفاضة في تركيز الضوء عليها..إلى موضوع بعيد عنها، ويحدث أمام العالم كله، وما زال ضجيجه يصّم الآذان،وهو لم يكتمل بعد: الحرب في أوكرانيا...
والحرب في أوكرانيا تدفع بشعوب وأمم ودول صغرى وكبرى أن تتابع ما يحدث وهي ترى التطاحن في أوكرانيا بين روسيا..والتحالف المواجه الذي لا يخفى على أحد: حلف الناتو الذي يبرز في الواجهة، مع استثناءات لبعض دوله، وتردد بعضها، ومن خلف هذا الحلف المايسترو الأمريكي.
بالنسبة لنا كعرب فلسطينيين، وكجماهير عربية بشكل عام، يجب أن لا يخفى الدور الصهيوني في هذه الحرب، هذا الدور الذي يمثله الكيان الصهيوني الذي يرتبط بمصلحة غير خافية عن المتابعين، والذين يعرفون أن كثيرين في قيادة أوكرانيا هم صهاينة، من رئيس الدولة إلى عدد غير قليل ممن يشغلون مراكز كبيرة في الدولة الأوكرانية، وهؤلاء برز دورهم منذ انقلاب 2014.
في المقطع الرابع من الافتتاحية يقفز الياس خوري من الطنطورة إلى روسيا، فيصف حربها الدفاعية عن أمنها وحدوها ومصالحها، وعن بقائها كبلد عريق موحّد، فيكتب ما يلي: غير أن الغزو الروسي لأوكرانيا أتى ليفاجئنا بالمدى الذي وصل إليه انهيار القيم في العالم...
دفاع روسيا عن أمنها يصفه الياس خوري بالغزو، ثم يواصل بأنه متفاجئ من انهيار القيم بسبب غزو روسيا!
الياس خوري متفاجئ من روسيا، وغير متفاجئ بما حدث في أوكرانيا عام 2014،وهو لا يعرف شيئا عن جرائم الإنقلابيين ألأوكرانيين ومذابحهم التي اقترفوها بحق الروس..ولا يعرف أن حلف الناتو وأمريكا المهيمنة عليه وتوجهه يقف خلف أُوكرانيا، ويدعمها بالمال والسلاح، وأن قادة الكيان الصهيوني،بينت وشركاه الذين يذبحون الشعب الفلسطيني هم في مقدمة من يدافعون عن قيادة أوكرانيا التي يقودها زيلنسكي الممثّل الكوميدي الذي يلعب دورا تراجيديا يحاول أن (يبدع) في أدائه، ولكنه ليس سوى ممثّل صغير في الدراما الدائرة هناك، والتي ربما ترسم مستقبل البشرية، وتنهي حقبة هيمنة القطب الواحد على العالم.
يواصل الياس خوري هجاءه لروسيا فيصف حرب روسيا في مواجهة حلف الناتو المدعوم أمريكيا: بالحملة العسكرية الروسيّة، وهكذا يصدر الياس أحكاما شخصية عن صراع يدور بين روسيا ومن هم وراء أوكرانيا ..
ولأن الياس منحاز لأوكرانيا وقيادتها الإنقلابية التي اغتصبت الحكم في عام 2014واقترفت المذابح، وطردت الرئيس المنتخب من شعب أوكرانيا، وزرعت بذور العنصرية التي استهدفت الأوكران الروس، فهو يواصل الشتم والهجاء لكل ما هو روسي..يكتب: من جهة ثانية تأتي اللغة القومية الروسيّة بلهجتها المتغطرسة، وطموحاتها الشوفينيّة لتصّب النار على نار الروسي_فوبيا...
كيف استنتج الياس أن اللغة الروسيّة لهجتها متغطرسة؟
الرئيس الروسي بوتين يتكلم، وينتقد، ويشرح ما يجري بهدوء،ويدعو لكّف قيادة أوكرانيا عن التحرّك وفقا للأوامر الأمريكية، وكان من قبل قد نصح قادة أوكرانيا الإنقلابيين للكف عن الانضمام لحلف الناتو، لأن في هذا الأمر تهديدا لروسيا، فالحلف سيضع قواته ورؤوسه النووية الأمريكية بالضبط علة حدود روسيا، وفي هذا تهديد لموسكو، ولأمن روسيا..فمن يا الياس الذي أشعل الحرب، وكان في سباق مع روسيا؟
ولأن الياس خوري نسي الطنطورة ومذبحتها، وقفز لهدفه الواضح وهو مهاجمة روسيا فإنه لا يكتفي بمهاجمة روسيا بل يندفع لمهاجمة الرئيس الروسي بوتين: ليس مستغربا أن يلجأ بوتين إلى لغة الإستعلاء القومي،أو أن يندفع إلى الإطاحة بحّق الشعوب في تقرير مصيرها، لكن المستغرب أن يكون الرد على النزق الروسي من خلال نزق أميركي...هل هذا تحليل سياسي؟!
هل ما يجري في أوكرانيا من حرب يغذي نيرانها حلف الناتو وأمريكا، هو مجرّد نزق؟! وهل الرئيس بوتين وروسيا هو من يرفض الحوار؟ وهل الحرب الروسية الدفاعية هي وليدة نزق؟! وهل روسيا هي التي تستبد في العالم، وهي التي تقرر محاصرة دول كبرى وصغرى بالعقوبات..حتى على الصين،فنزويلا، ومن قبل كوبا، ومن بعد إيران؟!
يكتب الياس في افتاحيته، في الفقرة قبل الأخيرة: الغزو الروسي من جهة و..الرد عليه من جهة أُخرى..لاحظوا أيها القرّاء : الغزو الروسي..والرد عليه، يعني الغزو الروسي هو الذي بدأ الحرب، ومن ردّوا عليه لم يفعلوا سوى أن ردّوا عليه!!
ثم يطلق وصفا إضافيا على لغة الخطاب الروسي:..وصلافة روسية تختزن خطابا قوميا لا يقود إلا إلى الخراب ...
وفي الفقرة الأخيرة : (إسرائيل) تتبنى الخطابين معا: خطاب قومي –ديني يُذكرنا بالخطاب البوتيني عن حق روسيا في الإستيلاء على أوكراينيا لأسباب تاريخية –أسطوريّة...
بوتين قدّم خطابا عقلانيا عن حق روسيا في الدفاع عن نفسها، ونبّه إلى خطورة ما سيجره انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، ووضح: للأن هذا سيعني وضع الصواريخ على رأس موسكو، وهذه الصواريخ تعني محاصرة روسيا وتطويقها، ومن بعد الانتقال إلى خطوات تفكيك روسيا، والعبث في داخلها..والصهاينة هناك كفيلون بذلك !.
مجلة الراسات الفلسطينية، كما أعرف، دورها أن تكتب عن القضية الفلسطينية، وتدافع عنها، وتؤرخ لها، وفي تاريخ القضية المعرف أن ألإمبراطورية الأمريكية هي الراعي للمشروع الصهيوني، والمُسلّح، والمموّل، وأنها لم تكن وسيطا نزيها بين الفلسطينيين والصهاينةـ بل كما وصفها البروفسور رشيد الخالدي مستشار الوفد الفلسطيني في مفاوضات واشنطن: وسطاء الخداع..وهؤلاء الوسطاء هم من جرّ القيادة الفلسطينية إلى كارثة أوسلو.
افتتاحية الياس خوري تمثله وحده، وهي تساوي بين الصديق والعدو الراسخ العداء، وتمثّل رؤية مشوشة غير لائقة، وتخلط بقصد، وتتخذ من الطنطورة عنوانا، ثم تقفز منه لقول وجهة نظر شخصيّة عن الحرب في أوكرانيا.
كان على الياس خوري أن يكتب ملاحظة في مطلع افتتاحيته : هذه الافتتاحية لا تمثل وجهة نظر مجلة الدراسات الفلسطينية، ولكنه لم يفعل، وأراد أن يوحي بأن افتتاحيته المفككة المنحازة ضد روسيا والرئيس بوتين، وكأن الرئيس بوتين لا يمثل روسيا وجيشها وشعبها، ويحرص على تاريخها وتراثها، ولا يقبل بالتفريط بحقوقها كما فعل السكّير يلتسين...
هذا بعض ما نبهت إليه في افتتاحية الياس خوري، وهي افتتاحية مخجلة منحازة ضد روسيا ورئيسها..ولست الوحيد الذي تنبه إلى ما فيها من انحراف، وأحسب أنها يجب أن لا تمر.

1