أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
معارك إعلامية على "سي السيد" تغذي الخلافات الزوجية في مصر!!
بقلم : الديار ... 19.10.2022

القاهرة - أصبحت معركة غير مباشرة تدور رحاها بين مذيعتين في قناتين مختلفتين حول مزايا الرجل والمرأة، إحداهما ياسمين عز وتقدم برنامج “كلام الناس” على قناة “إم.بي.سي مصر” السعودية، والأخرى رضوى الشربيني وتقدم برنامج “مع رضوى” على قناة “سي.بي.سي” المصرية، حديث المصريين.
وأدى حديث ياسمين الإيجابي عن الرجل والسلبي عن المرأة، وحديث رضوى بصورة عكسية، أي بطريقة إيجابية عن المرأة وسلبية عن الرجل، إلى انقسام في صفوف متابعي كلتيهما، ونشب ما يشبه المعركة الإعلامية في الفضاء الإلكتروني الفسيح بين مناصري كل فريق بدأت تخرج عن نطاقها الساخر والفكاهي وتصل إلى مستوى جاد يخوض في خصوصيات وأسرار العلاقة الزوجية.
رأس الحربة النسائية
ومن دون قصد، دخلت المطربة السورية لينا شماميان التي تقيم في القاهرة منذ عامين على الخط عندما نشر لها جزء من حوار بدت فيه كأنها تتغزل بالرجل المصري وما يتمتع به من مميزات عاطفية، فانحاز لها فيلق كبير من الرجال وتعرضت لهجوم من أنصار المرأة، ما جعل شماميان تشير لاحقا على حسابها إلى أن مقطع الفيديو الذي انتشر وذاع صيته في مصر ومدته 17 دقيقة مجتزأ من حوار طويل مدته ثلاث ساعات تحدثت فيه عن الرجل والمرأة في مصر من زوايا متعددة.
ودخلت في هذا الصخب الدكتورة هبة قطب استشارية العلاقات الجنسية والمعروفة بإبداء رأيها بلا تحفظ في العلاقة بين الرجل والمرأة والطرق الصحيحة لممارسة العلاقة الحميمة وأصبحت ضيفة شبه دائمة في بعض البرامج التلفزيونية وتسهب بلا حرج في تفاصيل العلاقة الخاصة، وتبنت وجهة نظر عكس ما جاء على لسان لينا شماميان، حيث قالت إن “الرجل المصري لا يكون لطيفا مع المرأة إلا في الحرام، إلا من رحم ربي”، في إشارة إلى أنه غير ودود مع زوجته.
وتصاعدت حدة الاستقطاب على منصات التواصل، حيث لا تدخل هبة قطب طرفا في حديث عن الرجل والمرأة إلا ويشهد جدلا واسعا، ومنحتها جرأتها قاعدة شعبية كبيرة من المتابعين، بصرف النظر عن المؤيدين والرافضين لها، فهي تقف على رأس قلة من المهتمات بالحديث عن العلاقة بين المرأة والرجل في عدد كبير من وسائل الإعلام.
وتواجه قطب مسارا قضائيا بسبب موقفها من الرجل وانحيازها السافر للمرأة، حيث قام أحد المحامين برفع قضية سب وقذف في حق الرجال أمام إحدى المحاكم المصرية، ويمكن أن يتطور الموقف إلى ما هو أكثر إذا قبلت المحكمة النظر في القضية، بكل ما يترتب عليها من نتائج تشعل حرب الرجل على المرأة والعكس.
وانحرف الاهتمام بالدفاع أو الهجوم على المرأة عن وجهته الأساسية وتعرضت المذيعة ياسمين عز إلى حالة تنمر حادة من خلال التفتيش في صورها القديمة، وجرت مقارنة بين شكلها في الماضي والحاضر من قبل الحزب النسائي، في محاولة للإيحاء بأن انحيازها بجانب الرجل الغرض منه اختيار زوج مناسب لها في المستقبل.
وعلقت المحامية نهاد أبوالقمصان رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة على تصريحات ياسمين عز دون الإشارة إليها بالاسم، ودفاعها المتواصل عن الرجال “الحقيقة أن هذه المذيعة حالة لوحدها، فهي إما تريد أن تتزوج فترسل رسائل، حد يشوف لها عريس ويخلصنا منها، يا إما هي بتعمل حاجة تركب بيها الترندات”.
في المقابل بقي الوضع بالنسبة إلى زميلتها رضوى كما هو لأنها معروفة بانتقاداتها الحادة للرجال وتغزلها بنفسها منذ سنوات، وتأييدها لكل ما له علاقة بقضايا المرأة.
وفي كل حديث تتدخل فيه تعد المرأة جزءا أساسيا فيه، إلى الدرجة التي وصلت فيها إلى مستوى تأييد الطلاق وأن تعيش المرأة حرة أفضل من أن تصبح راضخة لرغبات زوجها وهي غير مقتنعة بها.

وجاء هذا الصخب في توقيت اشتعل فيه خلاف من نوع آخر بشأن رضاعة المرأة لطفلتها أو طفلها وأحقيتها في الحصول على مقابل مادي من زوجها، زاد مع إطلاق الناشطة الحقوقية نهاد أبوالقمصان دعوة للزوجات بالامتناع عن رضاعة أطفالهن.
وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي والحسابات الخاصة لفنانات كثيرات إلى صفحات حافلة بالآراء حول الرجل والمرأة والخوض في تفاصيل عديدة، وتحدثت الممثلة المصرية نيللي كريم أخيرا عن أهمية الحب في حياة المرأة وليس بالضرورة أن يكون الرجل هو المقصود به، فيمكن أن يكون حبها لعملها شيئا أهم من حبها للرجل.
وسبق أن قال إبراهيم سليم رئيس صندوق المأذونين الشرعيين إن “حالات الطلاق في مصر ستقل بنسبة 60 في المئة إذا تم غلق الإنترنت ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي”.
وقال سليم “قبل الإنترنت كان لدينا 84 ألف حالة طلاق في عام 2008، لكن هذا الرقم ارتفع الآن إلى 222 ألف حالة”، في إشارة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تسببت في زيادة نسبة الطلاق في المجتمع.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري دق ناقوس الخطر بتقرير نشره منذ أشهر قليلة، كشف فيه عن ارتفاع نسب الطلاق في مصر بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة.
زاد الحديث عن العلاقة بين المرأة والرجل في الإعلام المصري ولم يعد قاصرا على البرامج الخاصة بالسيدات أو الرجال بعد أن خرج عن الإطار التقليدي المتعارف عليه، مثل برنامج “الستات ميعرفوش يكدبوا” الذي يقدم منذ سنوات، وقد تتغير المحطة أو مذيعاته، لكنه يظل محافظا على قوامه وفكرته الرصينة حتى ولو شابها القليل من الكوميديا، فالبرنامج يميل إلى دعم الطاقة الإيجابية والامتناع عن الخوض في الجوانب المثيرة التي زاد النقاش حولها مؤخرا.
المرأة من بوابة السياسة
وأسهمت الشعبية التي يحظى بها والتجديد الذي يدخل عليه من وقت لآخر في ضمان الحفاظ على اسمه كبرنامج يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الرجال والنساء، سعى آخرون لمحاولة تقليده، غير أنه لا يزال في مقدمة البرامج التي تحظى بمتابعة كبيرة من المنتمين إلى الحزبين من دون تربص أو تنمر بأيهما.
وتسرب الحديث عن الرجل والمرأة إلى كثير من البرامج الحوارية، بما فيها السياسية و”التوك شو” المتعارف عليها، والبعض خصص فقرات لتناول قضايا مختلفة في سياق العلاقة بينهما من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والصحية، ولا يحل ضيف رجل إلا ويتحدث عن رأيه في النساء، والعكس صحيح، حيث وجدت بعض المحطات المصرية أن هذا الخطاب يجذب جمهورا عريضا لها وينتقل بسرعة إلى العالم الافتراضي، ما يؤدي إلى رواج كبير لأصحابه.
وتحظى قضايا المرأة والرجل بجاذبية عند الجمهور في مصر، وغيرها من الدول العربية، وبعض مقدمي البرامج باتوا يتعمدون فتح ملفات شائكة وتبني قضايا من نوعية أن الرجل المصري “سيء دائما أو لطيف دائما”، والمرأة المصرية “نكدية أو خفيفة الظل” ولا يوجد وسط بينهما.
من هنا تولدت الإثارة التي حولت العلاقة بين الرجل والمرأة من تكامل وتفاهم وتعاون إلى شد وتوتر واستنفار وسخونة على طول الخط، الأمر الذي يضاعف من مشاكل المجتمع الذي يبدو كأنه غير معني سوى بهذه العلاقة وتشابكاتها، والتي صارت جزءا من النسيج العام لغالبية القضايا المطروحة على الساحة المصرية، فكثرة الاهتمام والمبالغة في تسليط الأضواء وكثافة التقييمات المخلة للمرأة أفضت إلى الأزمة.
قد يتم العزف إعلاميا على تنويعات متباينة في العلاقة الخاصة بكل طرف، حتى يتحول صاحب/ صاحبة أكثر عبارة مثيرة للجدل إلى ترند، والذي أصبح كلمة السر في برامج متعددة تتعمد تفجير موضوعات شائكة تلفت الانتباه إلى البرنامج ومقدمه.
ويكشف تركيز بعض المحطات على قضايا المرأة والرجل وما بينهما من خصوصية عن حجم الفراغ الحاصل في الإعلام المصري الذي يستعيض عن الحديث عن قضايا سياسية واقتصادية بفتح ملفات اجتماعية نسوية أو ذكورية لا تمثل إزعاجا للحكومة التي تواجه أزمات معقدة، حيث تستقطب هذه البرامج إليها شريحة ليست هينة من الجمهور كان من الممكن أن ينصب اهتمامه على الأزمات المتراكمة.
ورغم تحذيرات القائمين على وسائل الإعلام في مصر بشأن أهمية الالتزام بمسودة معايير أخلاقية إلا أنهم لا يميلون إلى تطبيقها بجدية في قضايا المرأة، وينحصر الأخذ بالقاموس القيمي عند حدوث تجاوزات صارخة تنطلق وتنتشر بسرعة في الفضاء الإلكتروني، وتوحي في النهاية بأن هناك خللا خطيرا في المنظومة تستوجب المحاسبة والعقاب، كما حدث في بعض حالات قتل شباب لفتيات بعد علاقة عاطفية فاشلة، حيث جرى التركيز على الجوانب المثيرة في كثير منها بلا وعي أو دراية.
ويقول مراقبون إن الحكومة تطرب للبرامج المعنية بالعلاقة بين الرجل والمرأة وربما تشجع على زيادتها، لأن غالبية القنوات التي تعرضها تخضع ملكيتها وإشرافها إلى جهة تابعة لها (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية)، ولا تجرؤ قناة على تقديم برنامج أو قيام مذيع/ مذيعة بمناقشة قضية تثير الجدل من تلقاء نفسه أو نفسها، فهناك رقابة على ما يقدم من محتويات في المحطات المصرية تمنع أو تجيز ما يعرض عليها.
ويضيفون أن هذه البرامج لا تقصد تغذية الخلافات الزوجية والإضرار بالمجتمع والرباط المقدس بين الرجل والمرأة، فلدى الحكومة المصرية ما يكفي من ارتفاع ملحوظ في نسب الطلاق، لكن الطريقة التي تقدم بها تتقاطع مع هذه الأزمة بأشكال مختلفة، خاصة أن التعامل مع بعض حوادث العنف التي وقعت بين شباب وفتيات في مرحلة عمرية متقدمة طغت عليه الإثارة أكثر من المعالجة الموضوعية.
وشهدت بعض المحافظات المصرية أعمال قتل ضحاياها من الفتيات من دون أن تحظى بتناول إعلامي رصين ومنضبط يناقش المشكلة ويضع حلولا لها، واحتل التركيز من قبل بعض المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي على التفاصيل المثيرة مساحة كبيرة من الاهتمام جريا وراء السبق والترند، بعد تأكدها من أن الاهتمام بقضايا المرأة أكثر من نصف المجتمع.

1