أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
الصمت المطبق والإنكار يغلّفان ظاهرة العنف ضد المرأة في سلطنة عمان!!
بقلم : الديار ... 30.04.2023

**يعتبر تتبع العنف ضد المرأة في سلطنة عمان أمرا في غاية الصعوبة بسبب عدم وجود دراسات أو نظام لرصد عدد حالات العنف، فهي ظاهرة مسكوت عنها في ظل غياب القوانين الرادعة والتوعية الاجتماعية بهذه القضية.
مسقط - لم تكن أمل العبري العاملة أمينة سر في محكمة السيب في مسقط تعلم بأنها ستواجه حتفها بالقرب من هذا المكان على يد طليقها في الشارع وأمام المارة، وستتردد أصداء هذه الحادثة طويلا على مواقع التواصل الاجتماعي وتميط اللثام عن حوادث العنف الأسري في عمان.وقام طليق المحامية أمل العبري بتسديد عدة طعنات لها على خلفية خلاف أسري وفق توصيف الشرطة.
وهذه الحادثة هي الثانية خلال أسبوع واحد في ولايتي السيب وعبري العمانيتين في ديسمبر الماضي، راحت ضحيتهما مواطنتان بعد الاعتداء عليهما بسلاح أبيض، دون أن يتم كشف أي تفاصيل حول الملابسات وأسباب ذلك، وهو ما يلفت الأنظار إلى العنف ضد المرأة واستمراره بعد الزواج ومستوى الحماية المقدمة من الجهات المختصة، قانونياً وخدمياً.
واكتفت شرطة عمان السلطانية ببيان مقتضب عن الجريمتين على حسابها الرسمي في تويتر، ففي قضية السيب قالت الشرطة “القبض على مواطن بتهمة الاعتداء بالسلاح الأبيض على مواطنة بولاية السيب نتيجة خلافات أسرية بينهما مما نتج عنه وفاتها، وتستكمل بحقه الإجراءات القانونية”.
أما عن جريمة عبري فقالت “القبضُ على مواطنٍ بعد أن قام بالاعتداء على مواطنةٍ طعنًا بالسلاح الأبيض مما أفضى إلى وفاتها، وتُستكمل بحقه الإجراءات القانونية”.ولم تعلن الشرطة عن ملابسات ودوافع ارتكاب الجريمتين.ووفق دراسة أنجزتها وزارة التنمية الاجتماعية العمانية حول العنف ضد المرأة في عمان فإن 36 في المئة من حالات العنف ضد المرأة في عمان تحدث بعد الزواج، في حين أن 74 في المئة من المعنَّفات لم يبلغن عن تعرضهن للعنف أو يلجأن إلى الجهات الحكومية.
الأزواج على رأس القائمة
تشير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) إلى أن الأزواج يأتون على رأس قائمة مُعنّفي المرأة، يليهم إخوة الضحية.ويعد إلحاق الضرر بمثابة ثاني وجهٍ للعنف الممارس ضد الزوجة كبعدٍ من أبعاد العنف ضدها، حسب ما جاء في دراسة للباحثة العمانية منال الفزارية في جامعة السلطان قابوس تتناول العنف ضد الزوجة في المجتمع العماني من زاوية اجتماعية نفسية.وفي ترتيب الدراسة لأشكال العنف المسلط ضد الزوجة تأتي في المرتبة الأولى الإساءة النفسية، يليها إلحاق الضرر، ثم الإهانة والامتهان، وأخيراً السيطرة والتسلّط.وخصصت السلطات العمانية رقما مجانيا لتوفير خدمة الإرشاد والاستماع للشكاوى المتعلقة بالعنف الأسري والتحويل إلى الجهات المعنية عندما تستدعي الحاجة إلى ذلك. لكن في المقابل لا يوجد قانون قائم بذاته يختص بالعنف ضد المرأة والعنف الأسري، كما لا يجرم القانون العماني الاغتصاب الزوجي، بالإضافة إلى عدم وجود خطة وطنية للتعامل مع العنف القائم على النوع الاجتماعي في عمان حسب اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، ولا تظهر الحاجة إلى مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي في الإستراتيجيات والخطط الوطنية بشكل واضح.
أنجزت إسكوا دراسة حول انتشار هذه الظاهرة في المجتمع العماني، وذلك بأخذ عينة من المجتمع العماني، ووفقًا للإحصائيات التي حصلت عليها اللجنة فإن 41 في المئة من المستجوبات أكدن على وجود عنف ضد المرأة، واحتل الأزواج المرتبة الأولى في سلم المعتدين، كما أكدت معظم النساء أن العنف النفسي هو أكثر أنواع العنف انتشارًا، وأظهرت الإحصائية أن 74 في المئة من النساء اللاتي تعرضن للعنف لم يقمن بإبلاغ الجهات الأمنية.
واستنادًا إلى إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فإن نسبة عدد الإناث في السلطنة تبلغ 39 في المئة من إجمالي عدد السكان في نهاية عام 2021، أي ما يقارب 1.766.292 أنثى.
وتتبّع مدى انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة في سلطنة عمان إحصائيًا أمر في غاية الصعوبة كما في بقية الدول العربية، فغالبًا ما تغلف هذه الظاهرة بالصمت المطبق والإنكار. ويرجع السبب الأساسي في صعوبة تحديد عدد الحالات إلى عدم وجود دراسات أو نظام لرصد عدد حالات العنف. كما أن البلاغات تقتصر في العادة على حالات العنف الشديدة. ومن جهة أخرى يساهم التهديد الذي تتعرض له المرأة، في حالة إبلاغها عن العنف، في عدم توفّر أرقام واضحة بشأن هذه القضية.
وحاول الدستور العماني إيجاد التكافؤ بين الجنسين إلا أن غياب القوانين التي تجرم فعل العنف ضد النساء بشكل خاص أضفى نوعا من الشرعية عند بعض الأشخاص.
ويكتفي الدستور بمواد قليلة منها المادة الثانية عشرة من المبادئ الاجتماعية التي تنص على أن “العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العمانيين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة”.
كما أن المادة السابعة عشرة من باب الحقوق والواجبات تنص على أن “المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي”.
ولا يوجد في عمان قانونٌ خاص بالعنف الأسري والعنف ضد المرأة، فيما لا يحدد قانون الجزاء العنف ضد المرأة أو أشكاله، ولا يتيح المتابعة القضائية له إلا في حالة الضرب. في حين تأتي هذه الإجراءات كإجراءات جزائية بعدية، لا تقدم الحماية للمرأة بقدر ما تشكل جزاءً للفعل الجنائي بحقها. كما أن السلطات لا تقدم خدماتٍ للوقاية من العنف ضد المرأة بعد الانفصال.
**ترتيب أشكال تعنيف الزوجة
الإساءة النفسية
إلحاق الضرر
الإهانة والامتهان
السيطرة والتسلّط
وغياب هذه القوانين، وخصوصاً في حالة منع حدوث الجريمة وتقديم الحماية للمرأة وأطفالها، سواء أثناء العلاقة أو بعد الانفصال، يسهل عملية حدوث جرائم العنف ضد النساء، ويحرم المرأة من حقها في الحماية اللازمة في حالات التعنيف التي تنتهي بالمصالحة أو التجاهل للوضع النفسي للعلاقة، أو حتى تلك المتعلقة بحالات الانفصال، إذ تسفر حالات العنف بعد الانفصال عن تطورٍ في الحالة العاطفية والسلوكية في تعامل الشريك مع المرأة، ما يجعلها عرضة لوقوعها ضحية سلوكٍ انتقامي في مرحلةٍ ما بعد الانفصال. الأمر الذي يستدعي وجود إجراءاتٍ وتشريعات خاصة تحقق لها الحماية وتمنع مطاردتها من قبل الشريك -أو الشريك السابق- أو تكرار تعرضها للعنف.
واللافت أنه توجد دائرة معنية بالحماية الأسرية في وزارة التنمية الاجتماعية، وربما لم يسمع بها البعض وهي تتكون من ثلاثة أقسام وتُعنى بتقديم برامج الحماية وآليات المتابعة خصوصًا للفرق المشكلة لدراسة حالات الإساءة، بالإضافة إلى دار الوفاق التي تُعنى بتقديم الرعاية والحماية.
وتتلخص مهام قسم برامج الحماية في العمل على تنظيم برامج الحماية للفئات المختلفة وتنفيذ المشروعات والأنشطة الوقائية للحد من انتشار المشكلات والسلوكيات الاجتماعية الخاطئة واقتراح الحلول المناسبة، والإسهام في إجراء أبحاث ودراسات اجتماعية للتعرف على أسباب بعض المشكلات والممارسات الخاطئة، وتصميم وتنفيذ برامج حماية وعلاج للفئات المعرضة للإساءة، وخاصة النساء والأطفال.وتتعلق بعقد دورات وبرامج تدريبية للكوادر والأخصائيين المعنيين لإعادة تأهيل الأشخاص المعرضين للإساءة والعنف، وإعداد برامج توجيهية وتوعوية بأساليب الوقاية والتدخل للحماية.
ومن مهامها أيضا توفير الرعاية العاجلة لضحايا العنف والإساءة، وتقييم الحالة النفسية والاجتماعية والصحية لضحايا الإساءة والعنف، وتقديم العلاج والتأهيل اللازمين، وتعزيز التواصل والتنسيق بين المهنيين، مما يحسن جودة وكفاءة الخدمات المقدمة. وتأهيل الأسر من أجل إبقاء الحالات المساء إليها في بيئتها الاجتماعية قدر المستطاع، وتوفير الإقامة المؤقتة لضحايا الإساءة والعنف في الحالات التي تتطلب ذلك، وتشجيع الأهل والمجتمع والمهنيين على التبليغ عن حالات الإساءة والعنف.
ويمر القضاء على هذه الظاهرة عبر تمكين المرأة في المجتمع؛ وذلك من خلال السماح لها بالحصول على جميع الحقوق الاجتماعية والتعليمية والأسرية، كما أن استغلال البيئة الإعلامية لتوعية المجتمع بأهمية دور النساء في تطوير المجتمع -وذلك عن طريق سرد قصص النساء اللاتي استطعن أن يحدثن فارقًا في تطور مجتمعاتهن- سيعمل على القضاء على هذه المشكلة، تضاف إلى ذلك ضرورة الإبلاغ عن أي شكل من أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة.وإيذاء الشريك قد لا يكون أيضاً منحصراً في الإيذاء المادي المباشر، فقد يتعداه إلى إلحاق الضرر البدني أو النفسي به أو بطفله. وأحد هذه المظاهر التي قد تهدد بحدوث العنف ضد المرأة بعد الانفصال هو وجود العنف في العلاقة قبل ذلك، ما يجعل العنف سلوكاً لا ينتهي بالانفصال، وإنما قد يتفاقم بعده ويتحول إلى سلوكٍ انتقامي بحق الضحية.والعام الماضي أطلقت وزارة التنمية الاجتماعية ممثلة في دائرة شؤون المرأة النسخة الثالثة من الحملة الوطنية “قرّي عينًا”، لبث الوعي والتعريف بالحقوق والتشريعات المكفولة للمرأة وتعزيز التوجهات المجتمعية نحو مساندة المرأة وحمايتها، وذلك تزامنًا مع النشاط العالمي لحملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة، وهي حملة دولية أطلقتها منظمة الأمم المتحدة، وتقام كل عام خلال الفترة الممتدة من 25 نوفمبر (يصادف اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة) إلى غاية 10 ديسمبر (يوافق اليوم العالمي لحقوق الإنسان).وشهدت أيام الحملة بث رسائل توعوية عبر تصميم منشورات تعكس دور الإسلام في حماية وحفظ مكانة المرأة في المجتمع، والجوانب التشريعية لحمايتها، وكذلك منشورات حول بعض القصص الواقعية لأنواع الإساءة التي قد تتعرض لها المرأة، والمواد القانونية التي تتعامل مع هذه الأوضاع.وتضمنت الحملة نشر مقاطع قصيرة توعوية حول بعض المشاهد الإيجابية لواقع المرأة المستقرة مع التنبيه إلى بعض وقائع الإساءة التي قد تتعرض لها المرأة، ومقاطع أخرى قصيرة توعوية لعدد من الشخصيات الاجتماعية والقانونية التي توضح الأدوار الوطنية في مجال حماية المرأة قانونيًا واجتماعيًا، وكذلك العمل على تخصيص مساحة صوتية حوارية على منصة الوزارة في تويتر بهدف إبراز الآليات الوطنية لحماية المرأة من العنف.ونشر الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة رسالة على حسابه الرسمي في موقع تويتر، بشأن الجريمتين اللتين وقعتا في السيب وعبري.وقال في رسالته “نطالب الحكومة والمجتمع بالتعاون على ترسيخ قيم الإيمان في حياة جميع أفراد المجتمع، وتبصير الناس جميعا بقيمة الحياة الإنسانية في موازين الحق التي أنزلها الله، وخطورة العدوان على دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، فكل ذلك من حدود الله تعالى، كما نطالب بإنزال أشد العقوبات بمن تسول له نفسه أن يعبث بشيء من ذلك، والله ولي التوفيق”.

*المصدر : العرب
1