أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
أميركا والعالم.. في خدمة إيران وإسرائيل!!
بقلم : د.خالد الحروب ... 01.10.2014

أي نظرة متأنية للفوضى والخراب الذي يحدث في المنطقة العربية تقود إلى ذات النتيجة: المشروع الإيراني يزداد توسعاً، والمشروع الإسرائيلي يتعمق احتلالا واستيطاناً، وذلك كله على حساب العرب، دولاً وشعوباً وقضاياً وسيادات. اليوم تقود الولايات المتحدة حرباً عريضة ضمن تحالف عالمي ربما هو الأوسع والأكبر منذ الحرب العالمية الثانية ضد عدو تافه اسمه «داعش». وتنخرط في هذه الحرب معظم الدول العربية. لكن المستفيد الأول والأكبر من هذه الحرب هو إيران التي يبدو أن العالم كله، وبقيادة أوباما نفسه، ينفذ لها أجندتها الإقليمية ويطهر لها مساحات النفوذ ويهيئ لها الأرض كي تتمدد بسهولة. كل انتصار على «داعش» تحققه أميركا سوف يفتح مدى جديداً للنفوذ الإيراني، الذي يمتد هلاله فوق العراق وسوريا ولبنان، ويتوقف عند الحدود الإسرائيلية ويحترمها!
«داعش»، جماعة ظلامية وإرهابية تستحق أن تُدار ضدها كل الحروب. فما قامت وتقوم به من جرائم لم يدمر سوى العرب والمسلمين وبلدانهم، ولم يجر عليهم سوى المصائب والويلات. إنها الجماعة التي يلتقي فيها الفكر الماضوي المنغلق مع إخفاقات الحاضر واستبداداته وإفرازاته وتسلط التفسيرات المتطرفة للنص والسياق التاريخي والسياسي معاً. «داعش» هي، عملياً وتاريخياً، إفراز تحالف الاستبداد الداخلي في البلدان العربية مع الاستغلال القاتل للنص الديني، سواء من قبل الحكومات أو التنظيمات، وذلك تحت مظلة التدخلات الخارجية المستمرة والتي عمقت من تطرف الجماعات المتطرفة ودفعت بها إلى مربعات قصوى من التعصب، معطوفة عليها بهارات قادمة من الخارج هي النواتج الشائهة لفشل عملية إدماج الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين في الغرب. وإلى ذلك يُضاف التدخل الأميركي والغربي الذي يفشل في التوقيت وفي التدخل ضد الطرف المناسب في الوقت المناسب. هذا التدخل، بل وأقل منه بكثير، كان سيحسم كل المعركة التي دارت في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف، وكان سيوفر دماء وحياة مئات الآلاف من الأبرياء، وكان سيقطع الطريق على بروز «داعش» وأخواتها وكل ما هو قريب منها. كانت ثورة السوريين السلمية والراقية والبطولية تتصلب في التمسك بسلميتها في حين تعاظم بطش النظام الأسدي بها لدفعها نحو الهاوية. وقفت الولايات المتحدة ودول عربية كثيرة تراقب تردي تلك الثورة، وفتك النظام بها، وتدخل إيران الفج لمناصرة النظام وقمع الثورة. واستمرت القصة المعروفة تفاصيلها إلى أن وصلت درجة بروز الجماعات المسلحة التي عسكرت الثورة وفتحت بوابات سوريا لكل من هب ودب من متطرفي العالم. المسؤول الأول عن تدهور تلك الثورة وعدم نجاحها هو الدول العربية المحيطة والغرب بمجمله، والطرفان هما المسؤولان عن نشوء «داعش» واستقوائها وتوسع سيطرتها.
الأسئلة التي تزدحم بها عقول الملايين من عرب المنطقة لا تجد أجوبة عليها، والخشية كلها هي من أن يتواصل الضغط على عقول أصحابها حتى تصل إلى درجة الانفجار. وعلى رأس تلك الأسئلة: لماذا أعرض الغرب كله عن محاربة إرهاب النظام الأسدي وإيقافه عند حده رغم كل المجازر التي قام بها، وترك الشعب السوري ضحية لآلة القتل اليومية، في ما نرى هذا الغرب يتملكه النشاط والقوة والإصرار على خوض حرب ضد «داعش» فقط، ويُستثنى من الحرب إرهاب النظام الأسدي وكل الجماعات القادمة من إيران ولبنان والتي تؤيده في إجرامه ضد الشعب السوري؟ لماذا لم يتحرك العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة، عندما قصف النظام الأسدي شعبه بالأسلحة الكيماوية التي كان يزعم أنه يدخرها لحربه الاستراتيجية مع إسرائيل، وهي الحرب التي لم تحدث ولن تحدث أبداً؟
الأجوبة الأسرع نفاذاً إلى عقل كل مراقب تتمحور حول مصلحة إسرائيل وأمنها واستقرارها لكون ذلك هو المحرك الأهم في أي سياسة أميركية وغربية في المنطقة العربية. عوض ضرب النظام الذي ارتكب جريمة حرب بحق الإنسانية، بحسب كل الشرائع الدولية، استغلت الولايات المتحدة وإسرائيل خوف النظام من ردة الفعل الدولية وفرضوا عليه نزع سلاحه الكيماوي، وهو الأمر الذي خضع له النظام «الممانع» بكل سرعة واستجابة، مقابل أن يبقى في كرسي الحكم.
وإلى جانب إسرائيل تقف إيران اليوم في نفس الدرجة لجهة الاستفادة من السياسة الأميركية التي تتحالف فيها العنجهية والعنصرية العميقة ضد العرب والفلسطينيين والدعم الأعمى لإسرائيل مع الغباء وقصر النظر، الذي نشهده في كل حلقة من حلقات الحروب العمياء التي تشنها واشنطن في المنطقة. في كل دورة من هذه الدورات تقدم هدايا إضافية لإيران.
إذا اقتربنا أكثر لنا أن نقول إن تطور الحالة الداعشية في المنطقة العربية كان وليد حرب غزو العراق سنة 2003، التي أفرزت نواتج وعمليات سياسية واستراتيجية لا تسير في ذات الاتجاه. فمن ناحية أولى أسقطت الحرب صدام حسين واستبداده، لكنها جاءت بما هو أسوأ منه: استبداد جديد طائفي هذه المرة. ومن ناحية جيو استراتيجية قدمت الولايات المتحدة التي قادت الحرب مفاجأةً ذهبية وخارقة للتوقع، إذ قدمت العراق كبلد وحكومة ومنطقة نفوذ هدية على طبق من ذهب لإيران. من تلك اللحظة الزمنية الحالكة في التاريخ العربي الحديث والمنطقة تسير من انحدار لآخر، ومن حلقة تجزئة وتفتت إلى أخرى، ومن جولة توسيع لنفوذ وسيطرة إيران على الجوار الإقليمي إلى أخرى.
إذا صدقت بعض التقارير الصحفية التي نسبت إلى أحد نواب العاصمة الإيرانية خطبة عصماء قال فيها إن إيران تسيطر الآن على أربع عواصم عربية: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، فإن ما يحدث الآن من حرب لن ينتج إلا تكريساً للتوسع الإيراني الذي جوهره المشروع الفارسي الذي لا علاقة له بالدين ولا حتى بالشيعة والتشيع.

1