أحدث الأخبار
الجمعة 03 أيار/مايو 2024
الدين مصدر سعادة أم شقاء…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 19.02.2015

بحث الإنسان منذ القدم عن معنى لوجوده على هذه الأرض،عن مصدرالحياة والموت،حاول تفسير الظواهر الطبيعية،أسبابها ونتائجها، طمح في الخلود، ألّف الأساطير والخرافات، اخترع آلهة كثيرة في الحضارات القديمة كي يجد لنفسه توازنًا روحيًا، وذلك أن فطرته رفضت قبول منطق يقول إن وجوده صدفة، وحياته عبث بلا غاية على هذا الكوكب.
ثم جاء دين التوحيد، دين أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي دعا لإله واحد، انبثقت منه اليهودية، ثم خرجت من كمّها المسيحية، ثم أتى الإسلام، وكان في الديانات الثلاث اجتهادات أفرزت عشرات المذاهب، ولكن المشترك لثلاثتها أنها ديانات توحيدية،معظم الأفكار فيها مشتركة، وخصوصًا مسألة خلق الكون والقيامة والعقاب والثواب، وعمل الخير وتحريم القتل والسرقة والعدوان وغيرها، مع فوارق بسيطة في التفاصيل.
ملخص هذه الديانات هو أنها مصلحة إنسانية لراحة الجسد والنفس»لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ووعد المحسنين بالجنة.
ولكن «قُتل الإنسان ما أكفره» «وكان الإنسان كفورًا»، فقلب الأمر رأسًا على عقب، وبدلا من أن تكون الديانات مصدرًا لراحته وطمأنينته، جعلها مصدرًا لشقائه، ملايين البشر قتلوا عبر التاريخ البشري في حروب دينية، حروب نعرفها وأخرى لا نعرفها، في كل جهات الأرض، بين معتنقي مختلف العقائد،وبين الطوائف والملل والمذاهب المختلفة، وفي كثير من الأحيان بين أبناء الوطن الواحد.
فقد استُغل الدين لتحقيق مآرب سياسية اقتصادية، وإعادة توزيع الثروات من جهات ومصادر شتى، قد تكون سلطوية أو معارِضة وقد تكون أجنبية.
المثال المعاصر،الإحتلال الصهيوني لفلسطين اعتمد نظرية دينية، الشعب المختار وأرض الميعاد،وإعادة بناء الهيكل، ومن خلال هذه الرؤية الدينية منح لنفسه الحق بطرد شعب من أرضه وهدم قراه وتشريده كي يقيم دولته على أنقاضه، وما زال الضحايا يتساقطون منذ عشرات السنين حتى يومنا هذا، وما زالت البيوت تهدم، والأرض تصادر والسجون ملآى بالسجناء، والمشرودن يزدادون حتى هذه الدقيقة، وهذا أدى لنشوء حركات المقاومة منذ عام 1936، ثم فتح عام 1965 ثم الجبهات بمختلف مسمياتها، ثم حركتي حماس، والجهاد، وحركات أخرى، كلها رد على الاحتلال أساس البلاء،الذي سبب حروبًا كثيرة مع الدول العربية أدت لسقوط مئات آلاف الضحايا وما زال الطريق طويلا.
في أمريكا الشمالية يوجد ملايين من المسيحيين الصهاينة الذين يدعمون إسرائيل ماديا ومعنويًا في كل عدوانيتها، مهما تمادت وقتلت ودمرت، وذلك لقناعة غيبية بأن المسيح المنتظر لن يظهر حتى يتم تجميع كل يهود العالم في فلسطين كي يحكمهم ألف سنة.
الصهيونية تستغل هذا الإيمان الغيبي وتجمّع اليهود، وكان آخرها دعوة نتنياهو ليهود فرنسا بالهجرة إلى فلسطين، وهذا مصدر قوته وقراره بالخطاب أمام الكونغرس الشهر المقبل رغم اعتراض أوباما وكثير من أعضاء الكونغرس بهدف التلويح بخطر «القنبلة النووية الإسلامية» لزيادة مقاعد حزبه في الكنيست وضمان دورة أخرى من الحكم لصالحه.
عندما وقعت عملية التوأمين الإرهابية، بشر الرئيس دبليو جورج بوش العالم ب»عودة الحرب الصليبية» فدمّر ما دمّر وقتل ما قتل من العرب والمسلمين، في استغلال بشع للعامل الديني وما زالت الحملة مستمرة.
عندما انطلقت الثورات العربية ووصل الدور إلى سوريا تم استخدام الدين من قبل نظام الأسد وليس العكس، كان رده منذ البداية أن الثوار متآمرون وخونة وركز على الطابع الديني للثورة ليظهر أنه حامي حمى الأقليات من خطر الإسلام السياسي، وعمق هذا الشعور يومًا بعد يوم، وقتل عشرات الآلاف من السوريين وما زال يقتل المدنيين بلا حساب، ما دام أنه يقصد قتل «الإرهابيين الإسلاميين»، كذلك عندما تدخل حزب الله لدعم النظام، كانت حجته الأولى دينية «حماية المقدسات الشيعية». وهي حجة إيران التي أضافت لها في حربها ضد الثورة في منطقة حوران حجة «الإقتراب من بيت المقدس».ومع ظهور داعش المشبوه واعتماد سياسة الذبح والحرق أصبح التدخل للعرب والعجم أكثر سهولة ومشروعية في خلط واضح وخبيث بين محاربة الإرهاب والقضاء على الثورة .
المشير السيسي برر انقلابه في مواجهة «التطرف» ثم سماه إرهابًا إسلاميًا، وحاصر قطاع غزة ونسق مع إسرائيل وهدم رفح بالحجة نفسها، ،وأخيرًا جاء إرهاب داعش المشبوه ضد العمال المصريين الأقباط ليقدم الخدمة الثمينة التي يحتاجها لكسب الرأي العام المحلي والعالمي.
رغم كل هذه المآسي ورغم الهجوم على الدين من قبل كثيرين، فهو في الحقيقة استخدم قناعًا لجشع وطمع ووحشية الإنسان،الذي لا علاقة للإيمان به.
قد يكون الدين مصدر سعادة ومصدر قوة وإلهام لمحاربة الظلم والاحتلال، وقد يستخدم للقتل والتدمير وتحقيق أهداف دنيوية، هذا يتعلق بمن يستخدمه كيف ومتى وأين!
ويبقى من حق الإنسان أن يتساءل عن مغزى وجوده ونهايته،من حقه اختيار قناعاته التي تريحه،والمؤمن حقًا يخجل من تنصيب نفسه حكمًا على الناس وتصنيفهم بين مؤمن وكافر،أو أن يسلب حياة أحد لأنه لا يتوافق مع قناعاته الروحية، كذلك ليس من حق أصحاب القناعات المادية فرض ماديتهم الفظة على المؤمنين والمقتنعين بالروحانيات، من حقك أن تشير لإنسان ما أو ترشده إلى طريق الجنة ،ولكن ليس من حقك أن تدخله إليها بالسيف ولا بصاروخ توما هوك.

1