أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
مفاجآت بانتظار «الشهداء»!!
بقلم :  سهيل كيوان ... 23.04.2015

مفاجآت كبيرة تنتظر مئات الآلاف وربما الملايين من «شهداء» العرب والمسلمين في يوم الحساب، هذه المفاجآت قد لا تكون سارة، بل مأساوية للكثيرين منهم ولذويهم الذين حسبوا أنهم سيكونون شفعاء لهم يوم القيامة، وذلك أن مئات الآلاف منهم لن يجدوا أسماءهم في قوائم الشهداء، وقد يكتشف كثيرون أنهم قتلى عاديون، بل قد يجدون أسماءهم في قوائم السفاحين الملاعين، وفي أحسن الحالات، في سجّلات المغفّلين، ولن تنقذهم سوى رحمة الله.
لن يكون هناك حاجة لإحضار أوراق لإثبات «الشهادة» ولا بصمات، ولا تسجيلات لفيديوهات من ساحة المعركة أو غيرها، لن ينفع صراخ أو احتجاج أحد، لأن ميزان أعمالك سيكون واضحا أمام عينيك، وكل حسنة أو سيّئة مسجلة في التاريخ واللحظة وظروف وقوعها، وستعترف أنت نفسك بالعدل الإلهي المُطلق، بغض النظر عن مصيرك، إلى نهر العسل والخمرة والماء الزلال والحوريات والولدان المخلدين، أم إلى شجرة الزقوم والصديد والحمأ المسنون، أم على الأعراف منتظرا البت في مصيرك.
سوف يندهش كثيرون ويتساءلون وهم مصدومون «ألسنا شهداء»!! أيها الغافلون من أوهمكم أنكم شهداء! وكيف صدّقتم تلفزيون وراديو وبيانات من أرسلوكم لهذا الموت المجاني!
كيف يكون شهيدا من رفع السلاح ليحارب أخاه وشريكه في الوطن! كيف يكون شهيدا من أعان ظالما على ظلمه، فتجنّد لخدمته وقتل وسجَن وتجَسس وعذّب أبرياء ومظلومين!
كيف يكون شهيدا من فجّر نفسه بين مصلّين دخلوا بيتا من بيوت الله، بغض النظر عن مللهم ومذاهبهم والطريقة التي يعبدونه فيها.
كيف يكون شهيدا من يفجّر نفسه وسط سوق بين الناس، بلا تمييز بين مدني وعسكري، بين طفل وامرأة وشيخ! كيف يكون شهيدا من يقتل أو يذلّ إنسانا، فقط لأنه لا ينتمي لطائفته أو مذهبه أو ديانته وعقيدته أو حزبه! كيف يكون شهيدا من ألقى بحممه من مدفعه أو طائرته أو سلاحه الفردي على أحياء تعج بالمدنيين!
كيف يكون شهيدا من دبّ الذعر والخوف في قلوب الناس العُزّل! وأسهم في حصار مخيم أو حيٍ فجاع وعطش الناس فيه، وولغ في نفوسهم الخوف والرعب! ألم تذهب امرأة إلى النار بسبب حصارها لقطة! فما بالك بمن يحاصر البشر ويضطرهم لشرب المياه القذرة والبحث في القمامة عن فتات ينقذهم من الموت جوعا وبردا!
كيف يكون شهيدا من أعان ظالما على وحشيته وساديته وفاشيته، فاضطر الناس على الهروب من أوطانهم إلى المجهول والضياع في بلاد وأمواج ورمال وثلاجات موتى الآخرين!
كثيرون سيكتشفون أن «مفاتيح الجنة» لم تكن سوى خدعة من كهنة الأنظمة، فالجنة وسعها عرض السماوات والأرض ولا أبواب لها إلا العمل الصالح.
أعتذر من الشهداء وذوي الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن أوطانهم وأعراضهم وأموالهم، أعتذر ممن قتلوا ظلما، فقد اختلطت الأوراق، وصار معظم شهداء العرب والمسلمين يسقطون في ساحات ومعارك في مواجهة العرب والمسلمين أنفسهم، في صراع على نفوذ هذه العصابة الحاكمة أو غير الحاكمة أو تلك، وفقط قلة قليلة هي التي استشهدت في مقاومة الظالمين والمحتلين الغاصبين، فقاتلت بما يرضي الله، فئة قليلة لم تقتل بريئا، ولم تقتل دابة، ولم تقتلع شجرة ولم تهدم بيتا!
أين أصحاب القرار في هذه الأيام من مقولة عمر «لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها لماذا لم تمهّد لها الطريق يا عمر»!
يبدو أنهم واثقون بأنهم لن يُسألوا حتى لو نسفوا أحياء ومدنا كاملة، لقناعتهم بأنهم لن يُبعثوا للحساب أصلا.
في هذه اليوم (الخميس) يحيي الكيان الصهيوني ذكرى إنشاء دولته على أنقاض شعبنا الفلسطيني، ونحن نحيي ذكرى نكبتنا.
صحيح أنهم عنصريون، ولا قيمة لدماء الآخرين عندهم، والعدوان الهمجي في الصيف الماضي على قطاع غزة وضحاياه خصوصا من الأطفال يشهد على وحشيتهم، ولكن دماءهم غالية عليهم، فمنذ نشوء الحركة الصهيونية لم نسمع عن صهيوني قتل صهيونيا على خلفية صراع سياسي، أو على سلطة، إلا في حوادث نادرة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
يسبق يوم الاحتفال بـ«استقلال» الكيان الصهيوني العنصري يوم ذكرى سقوط جنودهم، وهم أيضا يعتبرون جنودهم «شهداء»، ومهمٌ للعرب والمسلمين أن يعرفوا، بأن الصهاينة لا ينسون أحدا من قتلاهم، منذ عام 1948 حتى اليوم، يذكرونهم واحدا واحدا بالإسم والصورة وتاريخ السقوط، يبثون هذا في التلفزيون الرسمي على مدار الأربع والعشرين ساعة التي تسبق الاحتفالات!. أشئت أم أبيت، فأنت تشعر بأن قتيلهم ليس مجرّد رقم عابر في حياتهم، حتى بعد مرور عقود على سقوطه، فلكل واحد منهم اسم وأسرة وقصّة إنسانية، وهو زوج أو ابن أو شقيق أو والد له هوايته وعمله ونهفاته وعالمه الخاص، ولهذا فهم مستعدون للتفاوض لإعادة أشلاء أحدهم لدفنه بينهم وبثمن كبير، وهذا ما تطلبه (حماس) وتتحدث عنه في هذه الأيام. بالمقابل علينا أن نسأل أنفسنا كيف تحول الناس في الوطن العربي وفي بعض بلاد المسلمين إلى مجرّد أرقام، وفي أحيان كثيرة يُهملون حتى كأرقام فلا يتم إحصاؤهم، وكيف تشوّهت هذه القيمة العليا (الشهادة) في حياتنا بعدما كانت أسمى القيم.
في هذا اليوم، نحيي ذكرى نكبتنا بـ «مسيرة العودة»،في كل عام تختار لجنة المهجرين قرية اغتصبت وطرد أهلها منها وهدمت، نسير إليها تجديدا للعهد والوفاء وإصرارا على حق العودة.
وتم اختيار مسيرة اليوم (الخميس) إلى قرية «الحدثة» المهجّرة، في قضاء طبريا، معظم أهالي قرى منطقة طبريا وصفد تشرّدوا إلى سوريا والأردن، ومنهم من بقي لاجئا داخل فلسطين.
رحلت أجيال وولدت أجيال في الشتات وفي المخيمات، حرموها من النضال في اتجاه وطنها، أرادوها تحت راياتهم وأهوائهم ورغباتهم، أرادوهم أدوات لخدمة صراعاتهم الضيقة على النفوذ والمصالح، ومرّت الأعوام والعقود والحصارات، وأخيرا جاء دور (اليرموك) المُنهك والمحاصر، وقد ناشد مجلس الأمن يوم الاثنين هذا الأسبوع «كل أطراف الأزمة السورية السماح بإدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق»، هكذا وبعد سبعة وستين عاما وهم يربّون الأمل بعودتهم إلى وطنهم، صاروا يحلمون برغيف خبز ونغبة ماء نظيفة وليلة آمنة، وشهداء يحلمون بدفن يليق بكرامة الإنسان.

1