أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
المسّ بالذات الإلهية نفاق لآلهة الأرض…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 29.09.2016

يجب الحذر والتفكر جيدا قبل التلفظ بأسماء آلهة الأرض، وأسميهم «الذوات الطينية»، أما الذات الإلهية، فبإمكانك أن تخاطبها بدون مقدمات وبعفوية: مثل «يا رب ارزقني» يا إلهي عفوك ورضاك» أو «يا إلهي لمَ تخليت عني»! أو بملامة « يا رب إلى متى تمهل الظالمين» أو تستنكر وتتساءل» يا رب ماذنب هؤلاء الأطفال»! «يارب ما هذا العذاب».. ولكن لا يمكن أن تقول «يا رئيس وظّفني!»أو يا ملِك حِلّ عنّي! يجب أن تضع مقدمة أطول من مقدمة ابن خلدون من الألقاب كي تصل أخيرا إلى اسم «الذات الطينية» التي قد تكون ملكا أو رئيسا!.
أما إذا لفظت اسمها بدون مقدمات! فقد هتكت المقدسات، وسيكون الرد مزلزلا، فكم محترم داسوا على شاربيه لأنه تفوه باسم «الذات» بدون تلك الديباجة التي صارت تشبه «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم» مقدمة لقراءة الذكر الحكيم! حتما ستجد من يقول لك «هو سيادته صديقك يا حقير»، وسيتف عليك الناس لسوء تربيتك! وكم مسافر في سيارة أجرة تفوّه بكلمة غير محسوبة بحق تلك «الذات الطينية» فمضت به السيارة حتى مخفر الشرطة، وهناك تلقى ما فيه النصيب من إهانات وتوبيخ وضرب! وكم من محترم أوقفوا الحافلة التي يستقلها وجلدوه بحزام عسكري أمام الجماهير كي تعتبر، ثم أنزلوه نازفا منها، بسبب لفظة انزلقت من بين شفتيه بحق «الذات الطينية» في لحظة غضب! يا سيدي هل تعلم أن النظرة، نعم مجرد النظرة إلى القصر الذي يقطن فيه «الذات» إذا طالت أكثر من بضع ثوان تصبح عملا يستوجب التحقيق، وقد تسمع فجأة من يقول لك» يلا انقلع من هنا» أو أن يقول لك «اخلع نعليك ولا تتحرك ولا تلتفت يمنة أو يسرة»، وقد يبقيك هكذا ساعات!
تعال نفرض أيها «الثوري» أنك رسمت أو نقلت رسما كاريكاتوريا للذات الطينية التي تحكم بلدك، وكتبت لها مثلا» لك بشار لا تنس أن تقرع الباب قبل دخولك غرفتي» أو أن تكتب مع صورته : لك عبد الله هات لي كوبا من البيرة وولدا نتسلى عليه» ..هل تستطيع أن تتخيل أعداد الذباب الأزرق التي ستأتي من كل فج عميق لزيارة جثمانك! وبالمناسبة الوطن العربي غني جدا بالذباب الأزرق والكحلي والأخضر، وهناك ألوان جديدة من الذباب لم تخطر في بال!
سيقول الملايين، إنك تافه ومنحط ولم تعرف قدر نفسك ومسست بمشاعر محبي وعشاق»الذات»! وقد تُفرم أصابعك مثل الجزر وترمى مدمى على قارعة الطريق، وقد تُسجن وتحشر مع المجرمين والقتلة واللصوص والمغتصبين، وسوف تُسد أبواب الرزق بوجهك في كل ورشات ومؤسسات الوطن، وقد يَفتح لك بابُ الهجرة شدقيه، أو تنتظر عفوا قد يكون بمناسبة ميلاد «الذات»، هذا إذا فطنوا بك! وقد يكون أحد أقربائك أو عشيق شقيقتك أو أمك قد صار وزيرا من كثرة لعقه لأكعاب من هم فوقه، وصار بإمكانه أن يهتدي على مكان اعتقالك والعمل على الصفح والعفو عنك مقابل اعتذار خطّي عما بدر منك من مس بالذات. وإذا كنت مُغنيا مثلا وأضلك الشيطان وتفوهت، لا سمح الله والعياذ بالله، بكلمة نابية تجاه «الذات الطينية»، فقد وضعت حنجرتك على حد نصل شبيح.
هناك مقدسات ممنوع المس بها، لا رسما ولا شعرا حديثا أو قديما، ولا نثرا، لا رمزا ولا مباشرة، ولا أقصد إله الكون الذي يؤمن به مئات ملايين البشر، بل أقصد الذوات (الطينية) المفداة المعصومة، هنا تُشل يدك التي ترسم، ولسانك الذي ينطق، هنا لا توجد رحمة، هنا لا يوجد غفران ولا نسيان كما لو أنك ارتكبت مجزرة، بل بصراحة، المجازر ممكن التسامح معها، بل وتخريج مبررات لها وحتى الإشادة بها!.
وسوف تتورط مع «مثقفين» مدرّبين على العض والنهش والتمزيق دفاعا عن «الذات»، لأنهم يدركون أن عدم الدفاع عنها يسجّل نقطة سرطانية في تاريخهم قد يحاسبون عليها عاجلا أو آجلا، وقد تكون مصدر متاعب مستقبلية لهم، فالصمت على المس بـ «الذات» تهمة خطيرة، وقد يداس على شاربيك بسبب صمتك هذا، فما بالك بمن هجاها مباشرة.
كمثقف «ثوري»، مسموح لك أن تقول عن أقدس مقدسات الناس بأنها «براز»، أو تضع هذه الكلمة البذيئة إلى جانب كلمة تعني أقدس المقدسات لمئات ملايين البشر، كما فعل أحد الروائيين» الثوريين»، ويصبح من واجب المثقفين أن يرفعوا أصواتهم دفاعا عن ما «تبرّز» به قلمك، وإصدار عرائض مناصرة لك، وإلا فهم جبناء منافقون للإرهابيين! كمثقف «ثوري» مسموح لك أن تنكأ جراح مئات آلاف الأسر الثكلى أو تلك التي لا تعرف بعد إذا كانت ثكلى أم لا ،لأن مصير أبنائها غير معروف، هل هم في أقبية سجون أم في جوف قرشٍ في المحيط أم تحت أنقاض حي منهار! ثم تمتشق (فيسبوكك أو تويترك) مغرّدا، دفاعا عن «الذات الطينية» مهما ارتكبت من مجازر لأنها «في مواجهة الاستعمار والإمبريالية والداعشية»! وبما أنك تعرف أنها ليست بمواجهة حقيقية إلا مع شعبها، حينئذ تشعر بالخجل الداخلي، ثوريتك المنتهي تاريخها تفضحك، فتسعى لإنقاذ ماء وجهك بطريقة توحي بها بأنك شجاع وبطل، فتسخر من الذات الإلهية، وتستفز مشاعر عشرات الملايين من البشر دون خوف، لأنك في حماية «الذات» التي تنافق لها، وسوف تُحرج المثقفين وتدعوهم للوقوف معك ضد «الإرهاب الفكري»! ولأن يرفعوا أصواتهم إلى جانبك باسم حرية الفكر والتعبير، وتعيش وهما بأنك صرت مفكرا، وكلمة «عالمي» صغيرة عليك، لجرأتك على الذات الإلهية، وتستحق موجة تضامن هاشتاغية فيس بُكّية وتويترية مع حضرة جناب ثوريتك…

1