أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
هل لو انتصرت المعارضة كانت سوريا أفضل الآن؟!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 22.12.2018

قبل أن نتباكى على اللبن المسكوب، لا بد إذا كنا سوريين وطنيين فعلاً أن نتساءل: هل لو سقط النظام الفاشي في دمشق كانت سوريا ستكون أفضل مما هي عليه الآن؟ المؤشرات والوقائع على الأرض في سوريا وكذلك في ليبيا واليمن لا تعطينا أي أمل بالتفاؤل، لأن الثورات الشعبية الوطنية الحقيقية في تلك البلدان وخاصة سوريا، انتهت عملياً بعد ستة شهور على الأكثر لأسباب يعرفها الجميع، ففي سوريا نجح النظام وحلفاؤه في سحق المظاهرات الشعبية السلمية التي لم تكن تحمل سكيناً أو شفرة حلاقة كما اعترف نائب الرئيس السوري الأسبق فاروق الشرع في مقابلته الشهيرة مع صحيفة الأخبار اللبنانية، حيث قال: «كان النظام يتوسل ظهور متظاهر سوري واحد وهو يحمل مشرطاً كي يبرر استخدام القوة ضد المتظاهرين، لكن المظاهرات كانت سلمية تماماً ولم يلجأ المشاركون فيها إلى أي فعل عنيف مطلقاً». والكلام طبعاً لفاروق الشرع. وبعد أن استطاع النظام أن يسحق الثورة الشعبية مبكراً كما كان يخطط منذ اللحظة الأولى التي شاهد فيها المتظاهرين يملؤون ساحات مصر وتونس، لم يعد هناك ثورة في سوريا.
وقد أخبر كبار ضباط المخابرات السوريين مفكرين مثل ميشيل كيلو وغيره أنهم اتخذوا قراراً قبل الثورة بسحق المتظاهرين بالحديد والنار. وهدد أحد الضباط بأن سوريا ليست تونس ولا مصر، وأن أول ما سيستخدمه النظام ضد المتظاهرين سيكون الرصاص حصراً. وهذا ما حصل، فقد انتصر نار النظام على الثورة.
وبعدها بدأت مرحلة جديدة لا علاقة لها مطلقاً بالثورة، فقد بدأ الأسد بإطلاق سراح المتطرفين الإسلاميين من سجونه وساعدهم في تشكيل الفصائل كي تبدأ الحرب الحقيقية على الأرض السورية. وقد فعلت القوى التي تدخلت في الشأن السوري الشيء نفسه، فراحت تدعم الفصائل التابعة لها كي تشارك في عملية التدمير الممنهج لسوريا وتشريد شعبها. إذاً منذ تلك اللحظة خرجت سوريا من الثورة ودخلت في حرب كونية على أرضها حرقت الأخضر واليابس. وكل ما حدث بعد الستة الشهر الأولى من الثورة حتى هذه اللحظة لم يكن ثورة في سوريا، بقدر ما كانت حرباً متعددة الأطراف، وكانت الفصائل السورية التي ترفع شعار الثورة مجرد أدوات ومرتزقة في أيدي داعميها ومموليها. وكانت تعمل بالريموت كونترول، ولم يكن هدفها مطلقاً تحرير سوريا بقدر ما كانت مجرد عتلة في أيدي المتآمرين على سوريا وطناً وشعباً.
ليس هناك أدنى شك أن السبع سنوات الماضية في سوريا كانت عبارة عن حرب بين القوى التي تدعم النظام والقوى التي تدعم المعارضة المرتزقة من أجل مصالحها الخاصىة حصراً. مرة تتقدم الفصائل المدعومة من الخارج، ومرة تتقدم ميليشيات النظام والميليشيات الإيرانية والروسية والباكستانية والأفغانية والعراقية واللبنانية الداعمة للنظام. وظلت اللعبة بين كر وفر بين الطرفين، حتى تدخلت روسيا وحسمت المعركة لصالح النظام كما يبدو، بينما الحقيقة أنها وإيران بسطتا سلطتهما على سوريا كقوات احتلال مفضوحة. بعبارة أخرى، استقر الرأي الأمريكي والإسرائيلي على تمكين النظام وحلفائه على حساب معارضيه والقوى التي كانت تدعمهم. وبما أن الأطراف التي كانت تدعم المعارضين المزعومين كانت بدورها مجرد أدوات أمريكية، فقد قبلت بالنتيجة، لا بل إن بعضها كتركيا مثلاً تحالف مع المنتصرين الروس والإيرانيين في سوريا، مع العلم أن الأتراك كانوا يعتبرون أنفسهم أكبر داعمي الثورة. والسؤال السخيف هنا: كيف للذين يزعمون دعم الثورة والشعب السوري أن يتحالفوا مع من سحق أنصارهم في صفوف المعارضة وحرق البشر والحجر في سوريا، ونقصد هنا الروس والإيرانيين؟ وبالتالي، فإن ما انتهت إليه الأمور حتى هذه اللحظة في سوريا ليس نتيجة ثورة، بل نتيجة تفاهمات وتقاسمات دولية.
وبما أن السوريين نظاماً ومعارضة مجرد أدوات مفعول بها في هذه اللعبة الدولية، فالسؤال الذي لا بد أن يتبادر إلى الذهن: هل يا ترى لو قررت القوى المتحكمة بالوضع السوري تمكين قوى المعارضة المزعومة وليس النظام وحلفاءه، كيف كان سيكون الوضع السوري الآن؟ هل ستكون سوريا حرة ديمقراطية تمتلك قرارها السيادي، أم ستكون كما هي الآن بالضبط مع اختلاف المحتلين والمتحكمين بالأرض السورية؟ يعني بدل أن يكون المحتلون روساً وإيرانيين، سيكونون من جماعة القوى التي دعمت المعارضة. وربما كان الوضع أسوأ لو حدث ما حدث في ليبيا واليمن. ففي ليبيا مثلاً انتصرت القوى المعارضة لنظام القذافي، لكن هل نجحت الثورة الليبية المزعومة، أم إن المنتصرين المزعومين حولوا ليبيا إلى أفغانستان أخرى، وتحولوا هم أنفسهم إلى أدوات متصارعة في أيدي داعميهم من الخارج؟
باختصار، فإن كل ما حصل في سوريا بعد الأشهر الستة الأولى الطاهرة النقية الوطنية من الثورة، كان سيقودنا إلى هنا سواء كان المنتصر الروس والإيرانيين والنظام، أو المعارضة وداعميها. لقد أصبح النظام وجيشه مجرد مرتزقة تحت امرة روسيا وإيران، وصارت أغلبية الفصائل المعارضة مجرد أدوات في أيدي هذا وذاك. لاحظوا أن كل المعارك التي خاضها ما يسمى بالجيش الحر في الأشهر الماضية كانت تحت قيادة الجيش التركي. ما حدا أحسن من حدا!!

1