أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
ردُّ المسلمين على حرق القرآن!!
بقلم :  سهيل كيوان ... 03.09.2020

مرة أخرى، أحرق متطرفون نسخة من القرآن الكريم، هذه المرة في السويد، والمبادرون هم أشخاص تابعون لسياسي دنماركي متطرف يدعى راسموس بالودان.
حرْق القرآن في أكثر من مكان بشكل تظاهري، ليس تعبيرا عن رفض للعقيدة التي جاء بها، بل هو استفزاز سياسي شرّير، يُقصد منه دفع المسلمين إلى الرّد العنيف، ومن ثم استجلاب صدام بينهم وبين المحيط الذي يعيشون فيه، من أبناء المعتقدات الأخرى، وهذا يخدم المتطرفين الذين اختاروا التحريض على المهاجرين وعلى المسلمين بشكل خاص، طريقة للكسب السياسي الرخيص.
المتطرفون في كل مكان، ومن مختلف الملل، هم أعداء للسلم والتفاهم والاحترام المتبادل بين أبناء الأمم والعقائد المختلفة، لأن القيم الإنسانية الأساسية تشكل عائقا أمام مشاريعهم السياسية المعتمدة على وقود التحريض الشيطاني. لقد انتبه هؤلاء المتطرفون من تجارب سابقة، أن إحراق نسخة من القرآن هي الطريقة الأنجع لاستفزاز مشاعر المسلمين وإخراجهم عن طورهم، ومن ثم جذبهم للرد العنيف، وهو ما يريدونه بالضبط. قد يستغرب الأجنبي غيرة أكثر المسلمين، وردّ بعضهم بعنف على حرق نسخة من القرآن، مثل إغلاق الشوارع وإشعال الحرائق، وذلك أن القرآن من وجهة نظر جافّة، هو كتاب من ورق، توجد منه مئات ملايين النسخ في كل مكان في العالم، وليس من المنطق أن يسبب إحراق نسخة منه ردة فعل عنيفة. هذا لأنهم لا يستوعبون علاقة المسلم بكتابه المقدس.
معظم المسلمين نشأوا على تقبيل القرآن عند تناوله للقراءة فيه، وعند الانتهاء منه، ويسجدون إذا مرّت معهم آية من آيات السجود، وكثيرون منهم لا يلمسونه، إلا إذا كانوا متطهّرين ومتوضّئين. كذلك فإن آيات القرآن تُتلى في كل مناسباتهم الاجتماعية، وليس فقط في صلواتهم، فهو حاضر في أفراحهم وفي أتراحهم وفي سفرهم وفي طعامهم، وسائر نشاطاتهم، ودرءًا للشر، واستجلابا للخير والتفاؤل وغيرها. حتى المسلم الذي لا يقيم أي فريضة دينية، ويقضي يومه في خمارة، لن يتقبّل شتم القرآن أو تدنيسه. الكتب المقدسة في عقائد كثيرة جاءت على ألسنة صدّيقين أو مصلحين وفلاسفة وتلاميذ نقلوا ما سمعوه من «المعلم الكبير» في حين أن المسلم يرى في القرآن كلام الله مباشرة إليه بلا وسيط بينهما، حتى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) يقر بأنّ هذا ليس كلامه، بل هو كلام الله، وما هو إلا وحي يوحى إليه. لهذا السبب إذا تلفت نسخة من القرآن الكريم، يحتار المسلم ماذا يفعل بها! فهو لا يتصرف بها مثل أي كتاب آخر، ونشأت فتاوى حول شرعية إحراق النسخ التالفة، والتأكد من تحوّلها إلى رماد، أو بلها بالماء أو دفنها في تراب طاهر حتى تبلى، وذلك كي لا تتعرض لقذارة أو إلى أذى.
الحقيقة أن بعض السياسيين المسلمين أيضًا استغلوا غيرة المسلم على كلام الله وآياته، فكتبوا منشوراتهم السياسية ودعاياتهم الانتخابية وأضافوا إليها آيات من القرآن الكريم، ثم كتبوا «ملاحظة مهمة: الرجاء الاحتفاظ بالمنشور وعدم إلقائه على الأرض لأنه يحوي آيات قرآنية» وهكذا يحتار المسلم المحافظ، ماذا يفعل بالمنشور! فيبقيه في جيبه، وبهذا يحقق رجل السياسة هدفه على الأقل في هذا الجانب، لأن المنشورات عادة تمزّق وتلقى في القمامة، أو تحت الأقدام، هذا إضافة لاستخدام آيات منه لدعم موقفه الاجتماعي أو السياسي، وقد يحرّض على الآخرين من خلال نافذة الدين أو يدعو للخير والإصلاح. في الوقت ذاته، وعلى الرغم من قدسية القرآن، وحق المسلم في الغيرة عليه، فإن ردَّ البعض بالعنف وإشعال الحرائق في الشوارع والأمكنة العامة، والصدام مع الشرطة السويدية يضرّ بصورة المسلمين، وهذا مدد للمتطرفين المحرّضين، الذين يرتكزون في تحريضهم على فكرة أن الإسلام دين عنف، وكان ممكنا الاحتجاج على الاستفزازات بطرق أكثر سلمية وفاعلية.
التحريض على الكراهية التي تؤدي إلى العنف، هو مخالفة قانونية تتعارض مع حرية التعبير والفكر، والمهم أن سبب الأحداث الأخيرة في السويد، هو منع السياسي المتطرف راسموس بالودان من دخول أراضيها بسبب استفزازاته وتحريضه على الكراهية، فكان هذا رد جماعته، وهذا يعني أن القانون السويدي لا يسمح بالتحريض، لهذا فإن ردّ المسلمين على مثل هذه الحالة، يجب أن يكون أكثر تعقّلا ومسؤولية، كي لا يمنح المتطرفين وقودًا لأفكارهم السوداء، فما حدث في السويد نموذج لما قد يحدث في بقاع كثيرة في أوروبا والعالم، وهو حلقة من سلسلة طويلة من مظاهر الإسلاموفوبيا.

1