أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
هل أصبح الأردن في خطر بعد تقاربه مع النظام السوري؟!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 16.10.2021

كي لا يفهم أحد أن النظام الأردني بانفتاحه على سوريا يتصرف بإرادة وطنية لمصلحة وطنية، لا بد من التذكير أولاً أن لا أحد يستطيع أن يحرك حجراً في المنطقة دون ضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي، وهذه من المسلمات والبديهيات، فهل يعقل أن يتحدى الملك عبد الله واشنطن وتل أبيب ويقدم على التقارب مع دمشق بهذه البساطة؟ طبعاً لا، فلا شك أنه أخذ الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكي بايدن خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، حيث قدم مبادرة للإدارة الأمريكية لحل الأزمة السورية، لكن الأمريكيين لم يتحمسوا لها كثيراً، إلا أنهم على ما يبدو تركوا العاهل الأردني يفتح حدوده مع دمشق دون اعتراض واضح، لكن بالدرجة الأولى لتسهيل مرور الغاز الإسرائيلي إلى لبنان عبر سوريا. ومن المعروف أن الأمريكيين لا يمكن أن يقدموا أية هدايا لأحد دون هدف أو ثمن.
فما هو الهدف يا ترى من ترك النظام الأردني ينفتح على النظام السوري؟ هل فعلاً لمساعدة الأردن المأزوم اقتصادياً ومعيشياً؟ قد تبدو الأسباب موضوعية، لكن هل فعلاً سمح الأمريكيون لعمان بتذويب الجليد مع دمشق فقط كنوع من العطف على النظام الأردني الذي يواجه أزمة داخلية منذ فترة بسبب انهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أم إن لواشنطن وتل أبيب مآرب أخرى، خاصة وأن واشنطن غضت الطرف من قبل عن لبنان والعراق خلال العشر سنوات الماضية وتركت بيروت وبغداد تنفتحان على النظام في دمشق رغم العقوبات الأمريكية والدولية؟ لكن تعالوا نشاهد ما جرى للبنانيين والعراقيين على أثر التقارب مع الشام.
كلنا يعرف أن لبنان ظل بمثابة الرئة التي كان يتنفس منها النظام السوري على مدى فترة الحرب رغم أن بيروت رفعت شعاراً سخيفاً لا يساوي ثمن الحبر المكتوب به، وهو «النأي بالنفس» لكن لبنان لم يبتعد مطلقاً عن سوريا أثناء تلك الفترة، فكلنا يعرف أن الحدود كانت مفتوحة بدليل أن حزب الله كان يرسل آلاف المقاتلين لمساعدة الجيش السوري، ناهيك عن أن لبنان وخاصة مرفأ بيروت قبل تفجيره كان تحت إمرة حزب الله وإيران وبالضرورة النظام السوري لتوريد البضائع والسلاح لدمشق. ولا ننسى أن البنوك اللبنانية كانت المصدر والملاذ المالي الأول للنظام السوري وحيتانه الكبار. وقد اعترف بشار الأسد نفسه بأنه فقد أكثر من أربعين مليار دولار بعد أن أغلقت البنوك اللبنانية أبوابها أمام عملائها اللبنانيين والسوريين والأجانب. ولا شك أن المبلغ الذي ذكره بشار أصغر بكثير من المبالغ الحقيقية التي يحتفظ بها السوريون في البنوك اللبنانية، لكنه على صغره يبقى كبيراً بالنسبة للاقتصاد السوري الهزيل.
ماذا حدث للبنان بعد تعاونه مع نظام الأسد على مدار الأزمة؟ هل ما وصل إليه من انهيار على كل الأصعدة كان بسبب فشل الطبقة السياسية في إدارة البلاد يا ترى؟ أم إن وصول لبنان إلى هذا الوضع الكارثي سياسياً واقتصادياً ومعيشياً كان عقاباً أمريكياً بالدرجة الأولى بطريقة غير مباشرة؟ هل أغلقت البنوك اللبنانية أبوابها بقرار لبناني؟
هل تم تجميد المليارات السورية في المصارف اللبنانية بأمر لبناني أم أمريكي؟ هل انهارت الليرة اللبنانية أمام الدولار هكذا أم بسبب الضغوط الأمريكية على لبنان؟ ثم هل انفجر مرفأ بيروت الرئة التي يتنفس منها لبنان والنظام السوري بسبب وجود نترات الأمونيوم المخزنة فيه، أم إنه تم تفجير المرفأ لتضييق الخناق على لبنان وإيران والنظام السوري وإيصال بيروت إلى حافة الهاوية والحرب الأهلية من جديد كما نرى الآن في شوارع بيروت؟ وكي لا نقول بشكل مباشر إن أمريكا عاقبت لبنان على تعاونه مع النظام السوري، لماذا يا ترى وصلت الأمور في بلاد الأرز إلى هذا الحد الكارثي؟ هل هي اللعنة السورية؟ ولو أن لبنان كان الوحيد الذي أصابته لعنة الأسد لقلنا إن الأمر لا علاقة له بالتقرب من سوريا، بل كان نتيجة لتراكمات وسياسات فاشلة قديمة، لكن لو نظرنا إلى العراق سنجد أنه أيضاً دفع ثمن تقاربه مع سوريا نفس الثمن الذي دفعه لبنان.
لاحظوا أن العراق كان على مدار سنوات الحرب في سوريا ممراً للمقاتلين والوقود والأموال إلى دمشق، وكان عوناً للنظام في دمشق طبعاً بأوامر إيرانية. لكن اللعنة السورية أيضاً ضربت العراق الذي تشبه أوضاعه أوضاع لبنان رغم أن لديه ميزانية ضخمة، مع ذلك يعاني الشعب العراقي ما يعانيه الشعب اللبناني معيشياً واقتصادياً، فلا كهرباء ولا ماء نظيف والعملة العراقية متدهورة والأوضاع الاجتماعية بشكل عام تحت التحت. أليس من الغريب أن كل من تعاون مع النظام السوري على مدى العقد الماضي وصلت أحواله إلى الحضيض؟ هل كان ذلك حدثاً عرضياً، أم عقاباً أمريكياً؟
وعلى ضوء الحالتين اللبنانية والعراقية، هل يمكن أن نسأل الآن إذا كان الأردن قد أصبح في خطر بعد انفتاحه على دمشق؟ الإرهاصات ليست جديدة على الساحة الأردنية، فقبل فترة تعرض النظام الأردني إلى ما يشبه الانقلاب الداخلي واتهم العاهل الأردني أطرافاً خارجية. ولا شك أن مثل هذه التطورات لا يمكن أن تمر دون علم أمريكي وإسرائيلي؟ فهل يكون الانفتاح على دمشق حلقة جديدة في مسلسل التدهور الأردني؟ هل سيكون خلاصاً للنظام الأردني من الأزمة الاقتصادية أم إن أوضاعه قد تزداد سوءاً كما حدث للبنان والعراق؟ صحيح أن أمريكا غضت الطرف عن الانفتاح اللبناني والعراقي والأردني على دمشق، لكن العبرة في النتائج. انظروا ماذا حدث للعراقيين واللبنانيين. فهل تغافلت واشنطن عن التقارب الأردني السوري لنفس الأهداف التي جعلتها تتغافل عن التقارب اللبناني والعراقي مع دمشق ثم ضربت ضربتها؟ هل سيحصل الأردن على قبلة الحياة بعد فتح حدوده مع الشام وتقاربه مع الأسد أم سيحصل على قبلة الموت؟ لننتظر ونرى.

1