أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
موقف العرب من الحرب في أوكرانيا!!
بقلم : سهيل كيوان ... 03.03.2022

ليس صحيحاً ما أعلنه الرئيس الأمريكي في خطابه أول من أمس، بأنها معركة بين الديكتاتورية والديمقراطية، بل هي حرب مصالح ونفوذ وتوسع، حرب الكبار الأقوياء على حساب الصغار والضعفاء.
أمريكا تحاصر إيران منذ سنين، وتنهكها بحجة تخصيب اليورانيوم، علماً أن المسافة بين إيران وأمريكا 11500 كيلومتر، وما يدفعها لهذا الحصار هو الحرص على مصالحها ونفوذها في المنطقة، وأمن حلفائها، وليس أمنها البعيد كل البعد عن أي تهديد إيراني، بينما لروسيا حدود مع أوكرانيا، وجهاً لوجه على طول 1500 كيلومتر، ولها مصالحها الاقتصادية والأمنية. كذلك فإن نسبة الأوكرانيين الروس تصل إلى 17% من العدد الكلي للسكان، أي أكثر من ستة ملايين إنسان، وفي المواقع التي أعلنت انفصالها دونتسك ولوغانسك توجد أكثرية روسية، يعني إذا كان المنطق هو الأمن القومي، فإن روسيا أحق بكثير من أمريكا في هذا الموضوع.
في الحقيقة أنها حرب مصالح ونفوذ، من دون أن نقلّل من أهمية الشعور والطموح الشخصي للرئيس بوتين، الذي بات يرى في نفسه قيصراً يطمح إلى إعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية. إنها ليست حرباً بين الديكتاتورية والديمقراطية، ولا بين شرعية أو لا شرعية، فقد عملت أمريكا وتعمل كل جهودها لحرمان الشعوب العربية من الحرية والديمقراطية، ودعمت وتدعم ديكتاتوريات في كل مكان في العالم. أمريكا ليست حريصة على القانون الدولي كما تزعم، والاحتلال الإسرائيلي والاستيطان الذي ترفض حتى إدانته أكبر برهان. في سوريا لم يختلف الأمر كثيراً، وهذه المرة بتقسيم الأدوار بين أمريكا وروسيا، التي تدخلت لصالح النظام وبدعوة منه، فقتلت وشرّدت من السوريين بلا حساب، فالمهم أنها ضمنت لها قواعد في سوريا، بل إن إسرائيل تنسق معها قبل كل عدوان لها على الأراضي السورية. لروسيا مصالحها، من دون أي اعتبارات لمصالح هذا الشعب أو ذاك، وقد أسرعت للمشاركة في قمع الشعب الكازاخي مطلع هذا العام، عندما تحرّك ضد حكومته احتجاجاً على وضعه الاقتصادي وعلى الفساد، وكانت قد شنت حربين مدمرتين على شعب الشيشان، عندما حاول أن يستقل عن مركزية الحكم في موسكو. الموقف التركي ما زال متّزنا، على الرغم من أنها عضو في حلف شمال الأطلسي، لأن لها مصالحها مع الطرفين، حتى إسرائيل لم تعلن موقفاً واضحاً، وتسعى إلى الظهور بمظهر المحايد، على الرغم من الدّعم المنقطع النظير الذي تمدها به أمريكا وحلفاؤها، وهذا يشمل النظام الحالي في أوكرانيا، فما يربطها بروسيا أيضاً كبير ولا تريد أن تخسره.
خطاب بايدن أكّد أنه يريدها حرب استنزاف طويلة لروسيا، فهو لا تقلقه أرواح الأوكرانيين، ويعدهم بمزيد من السّلاح المتقدم، على غرار ما قدّمته أمريكا «للمجاهدين» الأفغان ضد السوفييت، ويشيد ببطولاتهم، لكنه لا يبذل أي جهد حقيقي لوقف هذا النزيف، وهو يعرف جيدا أن روسيا لن تنسحب تحت الضغط العسكري بأي ثمن كان، ما دام بوتين هو صاحب القرار الأوحد في روسيا، يعني الرئيس الأمريكي يريدها حرباً طويلة. علاقة الشعب الأوكراني تختلف عن علاقة الشعب الأفغاني بالروس جذرياً، فهو ليس بعيداً في ثقافته عن ثقافة الروس، الذين كان معهم في إطار دولة واحدة لفترة طويلة، نشأت خلالها ثقافة مشتركة وعلاقات أسرية وتزاوج مختلط، وللشعبين تاريخ مشترك في قديمه وحديثه، ويدرك الشعبان أنَّ هذه الحرب القذرة يجب أن تتوقف مهما كان الثمن.
وقف العرب في السابق والحاضر بما يكفي مع أمريكا ومع بريطانيا من قبلها، وكذلك مع فرنسا، فلم يعاملوا إلا كطعام للمدافع تارة، ومصدرا لاستغلال ثرواتهم بذريعة حمايتهم من بعضهم بعضا، لكن لم يتغير موقف هذه الدول قيد أنملة من أي قضية عربية أساسية كقضية فلسطين، أو أثناء الحملة لتدمير العراق بحجة سلاح الدمار الشامل الكاذبة، أو خلال ثورات الشعوب العربية لأجل حرّيتها، سوى ببعض تصريحات موسمية حسب الحاجة، للمزيد من الابتزاز. المنطق هو أن يتّخذ العرب موقف دعاة السّلام والوئام، وعدم اللجوء إلى القوة في حلّ القضايا السياسية والاقتصادية. يجب أن يكون الموقف العربي محايداً، وأن لا يميل إلى جانب أيٍ من الطرفين، فللعرب مصالحهم مثل الآخرين، وواجبهم رفض سياسة «إما معنا أو ضدنا» ومع الوقف الفوري للحرب والعودة إلى مائدة المفاوضات.

1