أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
زياد خداش: لا وجود في زمننا للوركا أو بوكوفسكي أو درويش!!
بقلم : عمّار المأمون  ... 24.04.2014

للشاعر الفلسطيني علاقة مختلفة مع بلاده، فهو لا يتخيل نفسه مهاجرا منها أو بعيدا عنها، ولا يعتبرها نهاية المطاف أو نهاية الأمكنة.
ما زالت للشعر لذته مع الفلسطيني زياد خداش، المولود في القدس عام 1964. القصيدة عنده مخاض طويل في سبيل الولادة، وكشف جديد يعيد تكوين الشاعر.
نصوصه بعيدة عن المبتذل والعام والمشترك للوصول إلى ما هو أصيل ومتفرّد؛ صدر له ديوان بعنوان “أن تقعي أرضا ويكون اسمك أماني”، عن دار “الأهلية للنشر والتوزيع”. “العرب” التقت خداش لتتحدث إليه عن الشعر وعن فلسطين وعن الثورة.
بعيدا عن أرضه، عن زهرة المدائن لخدّاش علاقة مختلفة مع فلسطين الأرض- النص، يصف زياد خداش هذه العلاقة بقوله: «كإنسان، لا أتخيل نفسي مهاجرا منها، أو بعيدا عنها لأكثر من شهر، ككاتب لا أظنني أعتبرها نهاية المطاف أو نهاية الأمكنة، ثمة انفصام واضح في علاقتي مع بلادي، أرفض أن تؤطرني فلسطين في حنين اعتيادي، أو هاجس انتقامي ضيق أو حتى تصفيق شعبوي، لن تجبرني على استخدام كتاباتي لتختال بدمها وتتغنج بشرفها وترقص بجراحها، بينما نصي ينزف ركاكة وابتذالا، هي ذاتها علاقتي مع الله، كم أحبه وكم أرفضه، كم أستدعيه وكم أنفيه، هي ذاتها علاقتي مع المرأة، كم أحتاجها كم أهرب منها، كم أحبها كم أكرهها. في الله وفلسطين والمرأة، تتجـلى متلازمة اغترابي وانتمائي».
تدمير المعايير
معايير النص أصبحت واسعة كذلك معايير الشعرية، كيف يصف خداش حالة النص الشعري حاليا وما هبّ معيار ما هو شعري وما هو مبتذل بالأخص مع اتساع وسائل النشر الرقمية وانفتاح الفضاء أمام الجميع فيعقب: «الأزمة الكبرى -وأتحدث عن بيئتي الثقافية في رام الله- أن معظم القراء صاروا أدباء، الـ”فيسبوك” دمر المعايير، وحطّم السور الذي كان يحمي حقل المعيار، استبيح الحقل الآن، وهناك ألف معيار لتقييم النصوص، ربما يقول قائل هذا جيد، لأنه يجعل من الحقل حقولا يانعة ومتنوعة وديمقراطية، أي شخص لم يقرأ في حياته كتابا واحدا، يمكن أن يمتلك معيارا لمحاكمة نصك وبكل وقاحة ورغبة في إقصائك، ويقول شخص آخر: “ليقل هؤلاء المبتذلون ما يشاؤون، في النهاية لا يصح إلا الصحيح”».
ظلموا درويش
فلسطين القضية الأرض أنتجت شعراء يحملون همّها،هل يمكن أن يولد ما يعرف باسم شاعر القضية مرة أخرى فيقول: «لا نريد شاعر قضية، مرة أخرى، محمود درويش ُظلم كثيرا حين حشروه في هذا السجن، وكان عظيمنا محمود عملاقا وذكيا حين فهم لعبة الدمار التي نصبت له بحسن نية و بسوئها و هرب من السجن وطار في فضاءات الكتابة، في كل مرة كان يلقي شعرا في أمسية، كانت الحشود تصرخ تحاول إجباره على إلقاء قصائد نمطية من زمن السجن كـ”أحن إلى خبز أمي” أو (سجّل أنا عربي”، كان محمود يرفض كاظما غيظه بغضب خفي، كان يعرف أنها محاولة لإعادته مجبراً بسلاسل أشعاره السابقة إلى السجن، كان ذكيا جدا، حين كان يعتذر في أغلب الأحيان.
تغيير القميص
الربيع العربي حالة انقلاب -بغض النظر عن نتائجها- هل يمكن لهذه البنية الجديدة أن تؤسس لشعرية جديدة. أو تخلق أسلوبا جديدا يمكن اعتباره تحولا في مسار الشعر، يجيب خدّاش : «لا أظن أن هذا التحوّل سيؤدي إلى حالة شعرية جديدة، ربما يؤثر على بعض مستويات اللغة ونوعية المضامين، لكنه لن يحدث قطيعة مع مرحلة شعرية سابقة كما حدث في زمن زوال الاستعمار وتحرّر العالم العربي وترافقه مع الحداثة الشعرية الجديدة، فلن يحفر مسارا جديدا، في الكتابة الشعرية العربية.
المسارات الشعرية الكبرى تحتاج إلى مسارات كبرى في الحياة العربية. هذا لم يحدث بعد للأسف، ثمة شخص غيّر قميصه ولبس قميصا مختلفا برّاقا فقط».
التجديد في الشعر قائم على التجريب، ومحاولة اختبار تقنيات إيصال المعنى، كيف تصف علاقتك مع القصة ومع الشعر وما هي معايير اختيارك لأسلوب المعالجة الأدبية لموضوع ما، يجيب: «لا أسلوب أفكر فيه، لا خطة تسبق نصي، أسلوبي يتكوّن بعيدا عن وعيي، خطتي تولد وحدها، هيب القابلة والطفلة معا، المهم في تقنيات كتاباتي أن تتعامل بذكاء وفطنة فنية مع أحاسيسي المندهشة وشغفي الذاهل وعدم تصديقي للأشياء التي تحدث حولي، وشعوري بسحرية ما أشاهد وغرابة التناقضات والشروخات التي تكتسح حياتي والحس الفكاهي الذي يسري في طرقي».

هناك جيل جديد يكتب من داخل فلسطين ويمارس الصنعة الفنية والأدبية داخل فلسطين، فكيف تصف نشاطهم هذا وهل من اختلاف في شعرية الداخل وشعرية الخارج؟ يجيب خدّاش المقيم في رام الله: «لدينا حركة شبابية شعرية مختلفة، تحاول أن تقتنص تميزها في غابات التشابه والتكرار، بدايتها كانت مع الـ”فيسبوك”، المختبر الضروري وورشة الكتابة المستمرة على حدّ قول أحد هؤلاء الشبان “عرفات الديك”، الجميل في هذه التجارب توجهها الواعي والعنيد نحو الذات بكل ما يرتبط بذلك من بوح شخصي وحميمية مفلسفة بلغة راقية وأيروسية عالية بعيدة عن المبتذل والمكرر من الصور».
كائن حيوي
كشاعر وقاص هناك علاقة مميزة بينك وبين المرأة “الجسد-الروح” تتضح في نتاجك، كيف تصف علاقتك مع النص ككائن حيوي، يجيب صاحب “شتاء في قميص رجل”: «أحب نصوصي وأكرهها، كأبناء شرعيين جدا، ولقطاء أحيانا أخرى، أحبهم بحواسي كلها، أشمّ نصي وأتذوقه بلساني، وأعرف طعم كل نص، حتى المالح الذي يجعلني أتقيأ أعرفه، علاقتي مع نصي انتمائية واغترابية في آن، لو صادف وأن رأيت كتابي الأول “موعد بذيء مع العاصفة”، لمزقته فورا، لأنه يشبه التشوّه الذي أخفيه قرب سُرتي، لو أن أحدا كشف عن بطني فجأة لقتلته، أتوق إلى ولادة نص جديد مثل أب جديد، وحين يأتي الطفل، أهديه إلى البرية لتربيه وتحبه على طريقتها».
يقول أندريه جيد: “إن قراءة رامبو ونشيد مالدورور السادس تجعلني أخجل من مؤلفاتي” ما تعليقك على قول جيد، وهل يمكن فعلا لأحد في العالم العربي أن يتربّع هكذا على عرش الشعر -إن كان موجودا-، يُعقب: «ذهب زمن ملوك الشعر، الجنرالات المتوجون بجدارة، العظماء الذين ننحني لهم ونخجل من سطوع العتمة على أكتافنا وجنون الشمس على أكتافهم، لم يعد ثمة لوركا في زمننا، أو بوكوفسكي، أو محمود درويش، أنا لا أقول أن هذا سيّئ أو جيّد، لا أطلق تقييما، لا أمدح، لا أتذمر، أنا أقول فقط إن زمن العمالقة انتهى، وأن هناك عمالقة صغارا،فالجمال الفائق للشعرية قد تغيّر»

1