أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
السواد المر»… رواية تبحث عن أصل العنف في الثقافة الصحراوية!!
بقلم : كمال القاضي ... 11.09.2015

أثار سامي حمدان بطل رواية «السواد المر» للكاتب الروائي محمد سليمان الفكي الشاذلي جدلا واسعا حول حقيقة كونه رمزا لتنظيم «داعش» واحد قواده أم أنه مجرد شخصية انطبقت عليها صفات أفراد التنظيم فصار الربط جائزا بين الشخصية الروائية الافتراضية وما يشبهها من أبطال الواقع المليء بالصراعات في دولة التنظيم الجديد، وذلك في أمسية نظمها «أتيليه القاهرة» في مصر للاحتفاء بالرواية ومناقشتها.
لم يتحفظ صاحب الإصدار الفكي الشاذلي فيما ذكره عن أجواء الأحداث الروائية وأبطالها موضحا أن ما يجري على الساحة السياسية جدير بان يناقش ويوثق بصور مختلفة وعلى مستويات كثيرة وأنه لم يجد غضاضة في نقل الصورة الواقعية والإنسانية عبر كتابة أدبية تلخص تفاصيل عديدة وتميط اللثام عن المخبوء والمتواري خلف الظاهرة الدينية المتفق والمختل عليها، إذ أن وظيفة الإبداع والأدب على وجه التحديد أن يكون منوطا بما يستجد على ضوء ما يخلفه من أصداء وحراك سياسي واجتماعي وثقافي وليس بالضرورة أن تحمل الكتابة الروائية عداء أو تأييدا لما تتعرض له سواء بالقص أو الحكي أو التحليل هي فقط راصدة للظروف والوقائع والأحداث ويحتمل ان تتضمن التفاصيل رأيا أو وجهة نظر ما، ولكن هذا ليس شرطا للكتابة، بل يفضل أن يكون الروائي حياديا في حكمه على الأشخاص فيما يطرحه إبداعيا، بيد أن من حقه إبداء رأيه والتعبير عنه خارج هذه المنطقة.
تتداخل الأحداث والشخصيات في رواية «السواد المر» المزدحمة بالتفاصيل والتواريخ والوقائع ما يجعل مهمة الحكم عليها من مجرد القراءة الأولى امرأ جد صعب وإن بدت خطوطها العريضة واضحة لكنها بالقطع رواية ذات مستويات عديدة ومفاهيم مركبة وتتميز بلغة رضية تعطي لها خصوصية وتمنحها قدرا وفيرا من الأهمية، حيث دلالات اللغة تنم عن ثقافة الكاتب الرفيعة ومخزونه الثقافي وإحاطته بالكثير مما تستلزمه الكتابة الروائية التاريخية من معلومات وتدقيق وصنعة في الصياغة والتدبيج بحيث يتم توظيف المعلومة في سياق مناسب بعيدا عن التلقين المباشر والأسلوب الخطابي الفج.
أعتقد أن محمد سليمان الفكي الشاذلي قد نجح في جعل الرواية بطابعها الإنساني وخلفياتها التاريخية وحدة واحدة، وأتصور أن الذين ناقشوها في «أتيليه القاهرة» لم يختلفوا على هذا ولم يذهبوا بعيدا عن هذا التصور، إذ أكد الدكتور مدحت الجيار أستاذ النقد الأدبي أن الرواية تعد مرجعا أدبيا تاريخيا عن حقبة مليئة بالمتغيرات وأنها تمثل تطورا في عالم الرواية بما تتضمنه من أبعاد تاريخية وسياسية وإنسانية تستوجب الإسراع بترجمتها بوصفها عملا أدبيا فارقا وكاشفا باستراتيجيات يهدف أصحابها إلى خلق دول وأوطان موازية بمناهج ونظريات وسبل تطبيق، وهي أي الرواية من الأهمية بمكان حيث أنها العمل الأول الذي يناقش قضية التحولات الجذرية في الأفكار والسلوكيات ويبرز تناقضات الشخصية المتطرفة على كافة المستويات.
وكذلك يرى الدكتور أحمد الحاج ضرورة الالتفات إلى رواية «السواد المر» باعتبارها دراسة مهمة لطبيعة المرحلة الآنية بكل ما يعتريها من تفاصيل من شأنها أن تغير وجه الحياة المدنية وليس التعامل معها كرواية أدبية فحسب. وأشار الحاج في هذا السياق إلى المجهود المبذول من جانب الكاتب للحصول على المعلومات التاريخية المهمة التي تخص منطقة الصراع وتشكل بدورها المستقبل المجهول للأبطال.
وفيما كانت هذه الرؤى تحاول الاقتراب من طبيعة الجنس الأدبي الفريد بمفاهيمه وأبعاده وظلاله، جاء رأي الكاتب الصحافي سامي البلعوطي شارحا لمقاصد الرواية ومحاورها محاولا إلقاء الضوء على شخصية البطل.
فهو يقول أن الأحداث تبدو كأنها في الواقع المعاشي تحاكي ما يجري فيه بلغة شاعرية وبوعي بالأمكنة والضحايا الذين يرمزون لفصول الكارثة، والرواية تكاد تكون سيكولوجية معبرة عن شخصية سامي حمدان ابن الشرائح الدنيا من الطبقة المهاجرة التي تكابد الإقصاء في الغرب الأوروبي وتشقى وراء طموحها بحثا عن الأمان والاستقرار أو الحفاظ على مستواها الاجتماعي من التدهور.
ويستطرد البلعوطي موضحا أن الراوي نجح في الإمساك بقدر بطله في لوحات متداخلة وبتقنية القطع السينمائي لينقلنا من واقع إلى واقع آخر حيث صدمته الأولى وهو طفل وحيد مهمل في حضانة رخيصة في أحياء المهاجرين في بلاد الغرب الأوروبي، ويطرح سامي البلعوطي سؤالا جوهريا له صلة بتسلسل الأحداث «من أين جاء هذا الظمأ للقتل وكيف وجد هذا البطل الغول وتمدد؟» هل هو عامل خارجي ناتج عن صدام حضارات أو ثقافات كما يقول معلم سامي حمدان الأول، أم أن الميل إلى القتل وسفك الدماء جاء نتيجة أزمته مع الآخر الغريب الذي أقصاه ورفضه فعانى من الإهمال والوحدة؟ أسئلة كثيرة أثيرت وتركت مفتوحة دون إجابات شافية لكن قدر من الإجابات المرضية يمكن استلهامه من السياقات العديدة للرواية التي تفتح أفقا جديدا لفهم أبعاد الأزمة الكبرى لواقع بات عنوانه اللائق حسب تسمية محمد سليمان الفكي الشاذلي «السواد المر»!!

1