أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
عند انشغال الغيم يدلنا الشاعر على الطريق!!
بقلم : الديار ... 21.12.2015

الشاعر العماني أحمد بن محمد المعشني يفكر أن يصف الشمس في يوم غائم، حتى تجهد لتضيء الكون وتخترق الغيوم.
مسقط - أصدر الشاعر العماني أحمد بن محمد المعشني ديوانه “انشغال الغيم” ضمن مطبوعات بيت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان. وهذا هو ديوانه الثالث بعد ديوانين شعريين هما “خطاوي المطر” الصادر سنة 2009 و”عرس المطر” الصادر سنة 2012.
قدم للمجموعة الشعرية الأخيرة “انشغال الغيم” الشاعر والناقد التونسي المقيم في سلطنة عمان نصر سامي، وقد حملت المقدمة عنوانا خاصا بها وهو “إكراهات الشعر النبطي وخيارات الشعر الفصيح في انشغال الغيم”، فهذه المقدمة كما يفصح عنوانها قد جاءت على هيئة قراءة تمهيدية للديوان.
ضمّ الديوان الذي جاء في 160 صفحة حوت ما يقرب من 58 قصيدة من الشعر النبطي وأوبريت شعري في نهاية الديوان حمل عنوان “هيبة وطن”. والإهداء في أول الديوان يقول “إليهم أينما كانوا…” وذلك اتساقا مع خطاب المجموعة وخطاب عنوانها الذي يكتنز بالدلالات الشعرية البليغة، وارتباط القصائد بالمكان العماني عموما والظفاري على وجه الخصوص.
يشير الناقد التونسي نصر سامي في مقدمته إلى بداية علاقته السماعية مع الشعر المكتوب باللهجة المحكية، وعن بداية علاقته مع الشاعر المعشني، هذه العلاقة التي نمت مع الأيام.
وعن الديوان يقول نصر: إنّ ديوان “انشغال الغيم” هو نص شعري باللغة المحكية، لكنه يحاول استحضار اللغة العربية وبلاغتها ونصوصها الكبرى، يستحضرها في ألفة ورفق، حتى يخيل إليك أن لا فاصل بين اللهجة المحكية والعربية، كلاهما نظام مخصوص، لكنهما يتمازجان.
ومن يتصفح الديوان ويقف بين قصائده يدرك عمق ما أشار إليه نصر سامي حيث نلمح القدرة التي يمتلكها المعشني على صياغة المفردة الشعرية المحلية، وتصعيدها في لحمة لغوية متوازنة ومتلائمة مع ذائقة المتلقي لهذا الديوان، حتى وإن كان هذا المتلقي من خارج البيئة اللغوية التي ينطق بلسانها شاعرنا المعشني.
ويشير نصر سامي إلى ذلك قائلا: إنني أقرأ الكتاب بذاكرة وافدة، فلا أجد أن نصوصه تخذلني، وأقرأ بآلة نقدية حديثة، فلا أشعر أن النصوص تعجز عن مجاراتها. المحكي إذن مساحة أدبية بكر، بلاغتها لا تزال غضة وغير مكشوفة وملأى باستعاراتها الخاصة وروحها النابتة مثل شجرة اللبان في تربة هذه الأرض.
وهنا نلمس التماس بين النص الشعري النبطي العماني في مرآة المتلقي التونسي، الذي تفاعل مع نص المعشني وجدانيا، بل فعل أكثر من ذلك حيث أصبح هذا الشعر مادة للنظر النقدي كما تجلى في هذه القراءة التي جاءت على هيئة مقدمة للديوان.
ونجد أن نصر سامي يخص عنوان الديوان بقراءة متمعنة، حيث نجده ينقل خلاصة الحوار الذي دار مع الشاعر المعشني حول العنوان، فيؤكد الناقد على أن الشاعر يسمي كتابه “انشغال الغيم”، فالشاعر يفكر أن يصف الشمس في يوم غائم، حتى تجهد لتضيء الكون وتخترق الغيوم، وهذه الصورة لمن لم يعش في ظفار، تبدو عادية، لكنها لمن مرّ بهذه البلاد صورة موحية. إذ تختبئ الشمس فعلا وراء ثوب الغيوم الشفاف. المهم هنا قدرة الخطاب على قراءة التفاصيل الذاتية الغائمة التي تحيط بحياة الشاعر، فنرى العشق الحميم دون تفاصيل، وأنفاس الهيام، ونرى الحس الكريم، ونرى العيون، ونكاد نبصر قصة، لكنها تتبدى دون تفاصيل أيضا، لكنّ الشاعر لا يكتفي بالمرئي بل يحاول أن يجد مدى آخر قديما في التفاصيل.
يرغب الشاعر في إيجاد صديق أو نديم، يتمنى معه “التعاتيب والملام” تحت سماء ظفارالغائمة حيث كل الأماني تستقيم، الجرح الذي لا نعلمه يطيب، وأسباب الخصام التي لا نعلمها تنتهي. الغيم، ليس غير جزء من محافظة ظفار، وظفار مشغولة عن أحزان أبنائها وأفراحهم، عن شموسهم وأقمارهم التي تضيع في العتمة وتموت في بطء.
أما عن قدرة المعشني على الصياغة فنجد أنه كما قال نصر سامي: يحسن البدايات ويحسن الخواتيم، وبينهما ينسج ثوبا قشيبا يحضن ذاته في جميع حالاتها، ويصور الآخرين عبر الغزل والمدح والذكر الحسن أو عبر قطع شعرية غنائية.
ومن ناحية أخرى نجد أن الناقد يقف عند فهم خاص مرتبط بالشخصية العمانية في شعر المعشني هذه الشخصية التي يقول عنها إنها: تفيض أدبا وصدقا، وتعبر بواسطة بيئتها فتُنطق الغيم، وتجعل الشمس تتناسل.
فالشاعر يتفاعل مع مفردات بيئته ويمنحها القدرة على الدخول إلى مناطق دلالية وجمالية غير ما يراها القارئ، فجبل سمحان المعروف يغدو شيئا آخر غير ما يراه بقية الناس، وظفار تكتسي حلة أخرى غير التي اعتاد عليها الناس.
ويلفت الناقد انتباه القراء إلى مدى اشتغال وعناية المعشني بنصه الشعري حيث نجده “يحاول أن يجعله -أي نصه الشعري- مختلفا عن مألوف شعر أهله. فيحاول تخييل واقعه، فيستقطع مشاهد وصورا مما ألفته عينه ومن تجاربه الكثيرة التي نضجت ويغرسها في تربة خياله، يحافظ على غموضها الموحي وحيرتها. هنا يتوقف الإدراك العادي للموجودات، فالثرى يهمس والغيم ينشغل والشمس تردّ السلام. عالم الذات يفيض بمشاعره وإدراكاته ويطرح في صور تخييلية طريفة وعميقة الرؤية”.

1